20 شباط 2020 | 11:17

كتب بول شاوول

التيار العوني يسرق الحراك!

بول شاؤول

يروي أحد أصدقاء العميد ريمون إده، أنه قال له ذات يوم "إذا صار ميشيل عون رئيساً للجمهورية، فانتظروا خراب البلد..." والمعروف أن العميد كان دائماً شفافاً ومستشرفاً القضايا والأمور. ويكفي أن هذا الرجل الكبير، بقيت كفاه نظيفتين من الدم ومال الارتزاق والنهب...

سُمّي "ضمير لبنان" وعليك أن تصدق هذا الضمير عندما يقول ما قاله في جنرال الحروب الخاسرة والإلغاءات المستمرة. لكن التيار الوطني الحر، وهو لا هو وطني ولا حر، ليس فقط مجرد تيار سياسي، بل أيضاً صانع المعجزات.. فكل الثورات الماضية، منذ طانيوس شاهين، وحتى تشرين الأول، مروراً بـِ 14 آذار، ينسبها كلها لنفسه. وقد سمعنا بعض عباقرته يقول: الثورة الحالية طلعت منّا. أو نحنُ روّاد هذه الثورة. مع هذا ما من حزبٍ أو حركةٍ أو جهةٍ سياسية حاولت تشويه صورة الحراك في وسائل إعلامها كما فعل التيار... ألصقوا بهؤلاء الثوار أبشع التُهم: تعاطي المخدرات في الساحات، والجنس في الخيم، واتهموهم بالعمالة للخارج، وبتلقّي الأموال...

لكنهم لا يترددون في الوقت ذاته وعند الحاجة عن مديح الثوار، لكن كلما امتدحوهم يعتدون عليهم في الميادين بالسكاكين والمسدسات والعصيّ والسباب (مثلاً في جل الديب). ليشاركوا الجهات التي اعتدت عليهم وأحرقت خيمهم، وأغارت عليهم بطريقة همجية بالسكاكين والعصيّ.

كل هذا مفهوم في هذا البلد، لكن أن يسرق التيار شعارات الثورة "كلن يعني كلن" (وهي موجهة ضد التيار في الدرجة الأولى وضد الفاسدين فيه) وينفرد بتظاهرات أمام مصرف لبنان، فهذا من غرائب الأمور، ومن عاديات تيار الرئيس عون.

أما لماذا هذه الخطوة الجديدة، لتيار حكم لبنان مع جماعة محور المقاومة وتحكم بالحكومة وسطا على حصص المسيحيين وغيرهم ومارس الإلغاء على جعجع ووليد جنبلاط ثم سعد الحريري.

هناك عدة أسباب لتظاهر التيار أمام مصرف لبنان:

1- تحويل الأنظار التي وُجهت إلى التيار بالفساد المالي والنهب المبرمج في الكهرباء.

2- تفتيت الحراك بأسلوب شارعٍ مقابل شارع وتشويش المطالب الأساسية التي رفعها.

3- التركيز على حاكم مصرف لبنان على أنه المسؤول الأول والوحيد عن الأوضاع، يعني تحويل الأنظار عن السرقات والنهب خصوصاً في وزاراتٍ خدماتية تسلمها التيار و8 آذار، كالكهرباء 15 عاماً، والتيار 10 سنوات بقيادة جبران باسيل.

لكن هناك هدفٌ آخر من هذا التجمع العشوائي المسمى تياراً الذي يطمح أيضاً إلى الاستيلاء على حاكمية المصرف، فهو منصبٌ ماروني وكل منصبٍ ماروني بنظر العونيين هو من ملكياتهم الموروثة. وهكذا نفهم ما وراء حربهم على قائد الجيش جوزيف عون.

4- محاولة تنزيه حزب الله عن مسؤولية في تدهور الأوضاع الاقتصادية، بسبب علاقته الأبدية بإيران، أو بمغامراته الأمنية والعسكرية العبثية، أو بسيطرته على المعابر الشرعية وغير الشرعية، لتكون ممرات تهريب البضائع والمخدرات والخضار والأسلحة والمقاتلين واللصوص وقطاع الطرق.

5- حاول التيار ومحور بشار الأسد وخامنئي أن يشوّه صورتين أساسيتين: صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بإرجاع جذور الانهيار إلى 1992 أي أثناء توليه الحكومة، تحت شعار "الحريرية هي المسؤولة بنمطها وأسلوبها عن كل ما آلت إليه الأمور". وتالياً، تحميل الرئيس سعد الحريري وحده هذه المسؤولية، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، بكل ما تحمل من فسادهم ومراهقتهم وأطماعهم ومحاولتهم تجاوز الدستور والميثاق والأعراف بحجة عهد الرئيس القوي ولا سواه.

أظنُ أن لبنان لم يعرف مثل هذه الظاهرة السياسية لا في عهد العثمانيين ولا الفرنسيين ولا في أي عهد. كأنه أسوأ ظاهرة سياسية ووطنية وأخلاقية عرفها لبنان أبداً.

اليوم ها هم ينهبون ثورة تشرين الأول وكأنها صندوقٌ من صناديق الوزارات وشعاراتها وإعلامها ونبراتها. لكي يقولوا "نحن الحراك" و "نحن حماة السيادة والديموقراطية" و "محاربو الفساد".

لكن القابع في قصر بعبدا، ما زال قابعاً، تماماً كما قبع في القصر ذاته في التسعينات، إلى أن دمّره ودمّر لبنان، ثم هرب هروب الأبطال، لاجئاً إلى السفارة الفرنسية... فهل سيعيد التاريخ نفسه هذه المرة؟


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

20 شباط 2020 11:17