لم يكن ينقص لبنان وحكومته سوى مشهد الاهتزاز الحاد المبكر الذي دهم الحكومة وهي في عز التحديات والأزمات والمشكلات المتصاعدة والتي جاءت ازمة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان لتشكل التتويج الدراماتيكي لواقع لم يشهد لبنان مثيلا له ربما في تاريخه. ذلك أن الخطيئة الكبيرة التي ارتكبتها الحكومة في التعامل ببرودة وتريث مع موضوع اللبنانيين الراغبين في العودة الى لبنان سواء من دول الانتشار التقليدية أم من دول تقطعت سبل لبنانيين فيها عقب تعليق الرحلات الجوية بين معظم دول العالم جراء كارثة انتشار كورونا اتخذت امس تداعيات متفجرة سياسيا كادت تنذر باهتزاز جدي للواقع الحكومي في وقت غير محسوب اطلاقا.
ونتج هذا الواقع عن ذهاب رئيس مجلس النواب نبيه بري في موقفه التصعيدي من الحكومة لموقفها المتريث من إعادة من يرغب من اللبنانيين في الخارج الى حد غير مسبوق اذ فاجأ الجميع امس بتوجيهه إنذارا علنيا للحكومة بتغيير موقفها من هذا الموضوع والا سيعلق مشاركته في الحكومة محددا مهلة للحكومة يوم الثلثاء المقبل.
ومع أن الرد الحكومي على بري جاء بعد الظهر بتوزيع دعوة الى الوزراء لعقد جلسة لمجلس الوزراء بعد ظهر الثلثاء المقبل للبحث في الاقتراحات المتعلقة بإعادة اللبنانيين من الخارج فان آثار الهزة الحكومية بدأت تخط معالم سلبية إضافية على المشهد السياسي والرسمي وسط تصاعد أزمة كورونا بما يثير تساؤلات عميقة حيال المسار الذي سيحكم الواقع الحكومي في المرحلة المقبلة ما لم يصح ما استشفه بعض المعارضين البارزين من ان الحكومة تخضع فعلا لارادة الثنائي الشيعي في معظم الملفات. ذلك أن الهزة العائدة الى موضوع اللبنانيين الراغبين بالعودة وإن كان بري ليس وحده من رفع الصوت بضرورة إيجاد آلية سريعة توفر العودة كما توفر الأمان المطلوب لحماية العائدين كما المقيمين من خطر نقل فيروس كورونا مع أعداد من العائدين، فانها أضاءت بسرعة على تكرار أمور حصلت في الأيام الأخيرة واصطدمت فيها الحكومة بتصدعات من قلب التحالف السياسي الذي يرعاها والذي كان وراء تأليفها.
واللافت في هذا السياق، أن رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل دخل على خط القضية بعد ظهر امس ممسكاً بالعصا من وسطها من باب الحض على آلية آمنة لاعادة من يرغب من اللبنانيين وإمهال الحكومة فترة محدودة لتحديد هذه الالية من دون ان يفوت المراقبين انه غمز من قناة الرئيس بري بحديثه عن المزايدة السياسية والشعبية في هذا الملف. وإذ بات مؤكدا ان الالية لاعادة الراغبين من اللبنانيين ستقر في جلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل، فإن المعلومات تشير الى بدء البحث في تفاصيل وضع السفارات للوائح الإسمية باللذين يرغبون في العودة ومن ثم تنظيم رحلات جوية عبر شركة طيران الشرق الأوسط الى العواصم التي تفتح خطوطها امام الملاحة لرحلات كهذه وأيضا تنظيم عمليات الفحص الطبي وإجراء الفحوص السريعة للعائدين وفرزهم على افتراض وجود مصابين بينهم من غير المصابين، كما يجري البحث في إيجاد أماكن الحجز الإلزامي لهم بعد وصولهم الى بيروت لمدة أسبوعين سواء في استئجار فنادق أو مجمعات كبيرة .
النهار