إقتصاد

فتوش في دراسة عن "الهيركات": مخالف للدستور لهذه الأسباب!‏

تم النشر في 18 نيسان 2020 | 00:00

وضع النائب السابق نقولا فتوش دراسة عن الهيركات، بعنوان "الهيركات ممنوع لأن الملكية ‏الفردية بحمى الدستور"، وقد أصبحت في عهدة مراجع نيابية للبناء عليها في أي نقاش يمكن أن ‏يستجد في الحكومة أو في المجلس النيابي .‏

في المقابل، وضعت مصادر اقتصادية هذه الدراسة في إطار وجهات النظر المتعددة، مشيرة الى ‏أنها "ليست بالضرورة نصاً يجوز البناء عليه كحكم مطلق" .‏

وجاء في دراسة فتوش: "الملكية الفردية التي قصدها الدستور هي الملكية لكافة الحقوق العينية ‏والمالية وكافة الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تعود للإنسان.‏

‏ ومنها الودائع المصرفية التي تعتبر حقوقاً مقدسة ممنوع تأميمها أو حجزها غصباً وإنتهاكاً أو ‏املأ كيفية التصرف بها.‏

هل يمكن عن طريق التشريع فرض الهيركات والكابتل كونرول على أصحاب الودائع لدى ‏المصارف وفي حال حدث ذلك على سبيل الإفتراض المستحيل، ما هو مصير القانون الذي ‏يتعرض للملكية الفردية بأي عنصر من عناصرها ولا سيما الودائع المصرفية.‏

نصت الفقرة و من مقدمة الدستور اللبناني على ما حرفيته:‏

‏ "النظام الإقتصادي حرٌّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الفردية

وقضى المجلس الدستوري في قراره رقم 2/97 تاريخ 12/9/1997‏

‏ "المبادئ الواردة في مقدمة الدستور جزءاً لا يتجزأ منه وتتمتع بقيمة دستورية

‏ وجاءت المادة 15 من الدستور تنص على ما حرفيته:‏

‏ "الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن يُنزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة "في ‏الأحوال المنصوص عنها في القانون، وبعد تعويضه منه تعويضاً كاملاً.‏

وقد قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 2/1997 تاريخ 12/9/1997 ما حرفيته:‏

‏ "وبما أنه إذا كان مجلس النواب يتمتع بصلاحيات شاملة على صعيد التشريع "بإعتبار أن ‏الدستور قد حصر به وحده سلطة الإشتراع، فإن المجلس في ممارسته "لهذه السلطة يبقى مقيداً ‏بإحترام الدستور والمبادئ والقواعد ذات القيمة "الدستورية.‏

وقد قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 4/2000 تاريخ 22/6/2000:‏

‏ "وبما أن حق الملكية هو من الحقوق الأساسية التي يحميها الدستور، في الحدود "التي لا ‏تتعارض مع المصلحة العامة والتي وحدها تبرر إنتزاع الملكية الفردية في "إطار القانون مقابل ‏تعويض عادل.‏

وحول المواثيق الدولية،

فقد قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 5/2001 تاريخ 10/5/2001:‏

‏ "المواثيق الدولية المعطوف عليها صراحة في مقدمة الدستور تؤلف مع هذه "المقدمة والدستور ‏جزءاً لا يتجزأ.‏

وعليه فقد نص الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان تاريخ 10/12/1948 في المادتين 17 ‏و30 على ما حرفيته:‏

نصت المادة 17 من شرعة حقوق الإنسان على ما حرفيته:‏

‏"1- لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالإشتراك مع غيره.‏

‏ "2- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.‏

كما نصت المادة 30 من شرعة حقوق الإنسان على ما حرفيته:‏

‏"ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يجوز لدولة أو جماعة أو فرد أي "حق في ‏القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.‏

والأمر الثاني هو أن الفقرة (ج) من المقدمة ذاتها ذكرت أن الجمهورية اللبنانية تقوم على ‏مجموعة من المبادئ الديمقراطية الأساسية، ومن بينها العدالة الإجتماعية.‏

كما نكتفي الى ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (16/12/1966) ‏بشأن تمتع الشخص الإنساني بحق الملكية وبحقوقه المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية، ‏حيث جاء في ديباجة هذا العهد:‏

‏"وإذ تدرك (الدول الأطراف) أن تهيئة الظروف المناسبة لإتاحة تمتع كل إنسان "بحقوقه المدنية ‏والسياسية مثل تمتعه بحقوقه الإقتصادية والإجتماعية والثقافية هي "السبيل الوحيد، وفق الإعلان ‏العالمي لحقوق الإنسان، لتحقيق المثل الأعلى المتمثل "في الشخص الإنساني الحرّ المتمتع ‏بالحرّية المدنية والسياسية والمتحرّر من "الخوف والعوز.‏

وحول مفهوم العدالة الإجتماعية، يرى بعض الفقه الدستوري في لبنان أنه، نظراً لاتساع مدلوله، ‏فهو، على الأقل، يستوعب ضمن دائرته بعض الحقوق ذات القيمة الدستورية لأنها لصيقة ‏بالحماية الإجتماعية التي على الدولة الديمقراطية أن تقوم بتأمينها.‏

نقرأ حول هذا الموضوع:‏

‏"هذا التحول بدّل مفهوم الدولة في الأنظمة الليبرالية ووسع دائرة وظائفها فتحولت "الى دولة ‏رعاية، وعمّق مفهوم الديمقراطية فلم تعد تقتصر على المضمون "السياسي... إنما تجاوزت ‏المضمون السياسي الى المضمون الإقتصادي والإجتماعي، "المتمثل بالحق بالعمل ضمن شروط ‏ملائمة، والحق بالسكن، والحق بالطبابة "والإستشفاء، والتعلّم والرعاية الإجتماعية وغير ذلك من ‏حقوق. وأصبح على الدولة "أن تضمن هذه الحقوق، وتعتمد السياسات التي يمكن المواطن من ‏التمتع بها. وبدا "من التجربة أن حقوق الإنسان في بعدها السياسي والإقتصادي والإجتماعي ‏وحدة لا "تتجزأ.‏

‏ -عصام سليمان - رئيس المجلس الدستوري، الحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية من ‏منظور دستوري، منشور في المجلس الدستوري، الكتاب السنوي 2009، ص 407-408.‏

من المتفق عليه أيضاً، أنه في صدارة واجبات الدولة الديمقراطية احترام حقوق الإنسان، ‏وصونها، والحث على احترامها كلها، من دون أي استثناء.‏

حول ذلك نقرأ:‏

‏"‏L'état n'a pas seulement des obligations négatives - des obligations ‎d'abstention- il a des obligations positives - des obligations de faire. Il ‎doit respecter, protéger et faire respecter les droits de l'homme, tous les ‎droits de l'homme‏.‏

‏ - ‏Emmanuel Decaux, ustice et droits de l'homme, 28 congrès de ‎l'institut international de droit d'expression et d'inspirations françaises ‎p.37‎‏.‏

على الدولة كذلك، بمؤسساتها كافة، وفي طليعتها المؤسسة التشريعية، أن تكون حريصة على ‏الأمان التشريعي الذي يحول ، في وجه من وجوهه، دون زعزعة الأوضاع القانونية المستقرّة.‏

بهذا المعنى:‏

‏"‏Pour assurer la sécurité uridique, il faut que l'ordre établi ne puisse pas ‎être sans cesse remis en cause et que les situations uridiques ou de fait ‎acquièrement au bout d'un certain temps une stabilité suffisante‏…‏

‏ - ‏ean Lois Bergel, Le droit et le temps, ap. ean-Louis Bergel -, théorie ‎générale du droit, Paris, Dalloz, 4è édition 2003, 374 p., pp. 119-142‎‏.‏

منذ أوائل الثمانينات وصاعداً، راح المجلس الدستوري الفرنسي يصدر سلسلة من القرارات بلور ‏من خلالها الحدّ الفاصل ما بين سلطة البرلمان السيادية في إقرار التشريعات وبين الحقوق ‏الأساسية الممنوحة لبعض فئات المجتمع معتبراً أنه ليس بمستطاع أي تشريع جديد أن ينال من ‏تلك الحقوق أي أن يعدّل القوانين المتعلّقة وأن يخفض الضمانات المعطاة في تشريعات سابقة أو ‏يعمد الى إلغائها، كل ذلك لأنها تتمتع بالحماية الدستورية التي تلجم سلطة البرلمان السيادية في ‏هذا المضمار.‏

كما أنه لم يميز المجلس الدستوري الفرنسي بين وجوب حماية الحقوق والحريات الأساسية ‏‏(‏Fondamentales‏) وحماية الحقوق والحريّات ذات القيمة الدستورية أو ذات الطابع ‏الدستوري.‏

جاء في أحد قراراته:‏

‏" "‏Que le parlement" ne peut abroger les dispositions législatives ‎‎(garantissant les libertés fondamentales) sans remplacer par d'autres, ‎efficacité équivalente‏ ".‏

‏-‏L. Favareu, L. Philip, les grandes décisions du conseil constitutionnel, ‎Paris Dalloz, 12? édition 2003, n.35, P. 579‎‏.‏

وفي قرار آخر:‏

‏" ‏Qu'il n'en serait autrement que si cette abrogation avait pour effet de ‎porter atteinte à l'exercice d'un droit ou d'une liberté ayant valeur ‎constitutionnelle‏ "‏

‏-‏Décision n 84 - DC, 18 anvier 1985, Rec. 36‎‏.‏

على غرار نظيره الفرنسي، وازن المجلس الدستوري اللبناني بين صلاحية السلطة التشريعية التي ‏يعود لها حق التقدير والملاءمة لدى إقرار القوانين في الوقت التي تراه مناسباً، وبين الضمانات ‏الدستورية المكرّسة في قوانين نافذة، ورأى أن رقابته تتناول التشريع الجديد من منظور الحفاظ ‏على تلك الضمانات.‏

بهذا المعنى نقرأ في قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 6/8/2014:‏

‏"وبما أن تنظيم هذه العلاقة هو من صلاحيات السلطة الإشتراعية ويعود لها حق "التقدير، وليس ‏من صلاحيات القضاء الدستوري النظر في الملاءمة، غير أنه من "غير الجائز للمشترع أن ‏يتجاوز الضمانات التي نص عليها الدستور، وتبقى "القوانين خاضعة لرقابة القضاء الدستوري ‏من أجل الحفاظ على هذه الضمانات.‏

إن المجلس الدستوري الفرنسي بَلورَ الحدّ الفاصل ما بين سلطة البرلمان السياسية في التشريع ‏وبين الحقوق والحريّات الأساسية، ورفض تقليص الضمانات المعطاة في قوانين سابقة أو ‏إلغاءها لتمتّعها بالحماية الدستورية التي تلجم سلطة البرلمان في هذا المضمار.‏

وعليه فما هو مصير القانون الذي ينتهك حق الملكية المكرس بالدستور

إن رقابة المجلس الدستوري على دستورية القوانين (المادة 18 / من قانون إنشاء المجلس ‏الدستوري رقم 250/93) تُنتج إبطال القانون المطعون فيه كليّاً أو جزئياً إذا كان مخالفاً للدستور ‏‏(المادة 22 من القانون ذاته). وإنّ قرار الإبطال يكون مبرماً ومتمتعاً بقوة القضية المحكمة وغير ‏قابل لأيّ طريق من طرق المراجعة وملزماً لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإداريّة ‏‏(المادة 13 من القانون ذاته).‏

وقرر المجلس الدستوري هذا الأمر

‏"وأناطت سلطة التشريع بمجلس النواب وجعلت منها سلطة سيادية (‏Souveraine‏) "وأصلية ‏ومطلقة لا تحدها سوى الحدود المنصوص عنها في الدستور بمقدمته "ومتنه والمواثيق والحقوق ‏والمبادئ التي يشير اليها ويضفي عليها القيمة "الدستورية، حتى إذا تجاوز التشريع هذه الحدود ‏ووقع تحت رقابة المجلس "الدستوري أصبح عرضة للإبطال:‏

‏" ‏Le législateur est libre de modifier des dispositions législatives même ‎récemment adoptées dès qu'elles ne privent pas, comme en l'espèce, de ‎garanties légales, des principes constitutionnels‏. "‏

‏-‏C.C 92-317, D.C, 21 anv, 1993, R.p. 27, cit. dans droit du contentieux ‎constitutionnel, Dominique Rousseau, Montchrestien, 4? ed. P.127‎‏.‏

‏-المجلس الدستوري، القرار رقم 4/2001، تاريخ 29/9/2001، مجموعة قرارات المجلس ‏الدستوري، 1994-2014، ص 178.‏

فالملكية الفردية مكرسة بالدستور وحمايته، وكل مس بها إقتطاعاً أو تأجيلاً هو مس بحق ‏دستوري يسمو على كل القوانين وكل قانون يخالف الدستور يكون منعدم الوجود ‏Inexistant‏.‏

وعليه لا يحق للمشترع ولا للسلطة التنفيذية أن تضعف أو تراقب كيفية التصرف بالوديعة أو أن ‏تقطتع من الودائع كبيرة كانت أم صغيرة لأن الوديعة تشكل حقاً دستورياً.‏

وعليه وعلى ضوء أحكام الدستور كل تفكير بالإقتطاع أو وضع ضوابط للمودع حول إستعادة ‏وديعته وحجزها وفرض كيفية التصرف بها هو مخالف للدستور ومنتهك لحقوق الإنسان ممنوع ‏الحديث عن الهيركات وعن كيفية تصرف المودع بوديعته كما أن الحديث والتفرقة بين الودائع ‏صغيرة أم كبيرة قول مخالف للدستور وتخرق مبدأ المساواة أمام الدستور القانون.‏

وعلى هذا إستقر إجتهاد المجلس الدستوري في لبنان.‏

‏"وبما أنه إذا كان يعود للمشرع أن يُلغي قانوناً نافذاً أو أن يُعدل في أحكام هذا "القانون، دون أن ‏يشكل ذلك مخالفة للدستور أو أن يقع هذا العمل تحت رقابة "المجلس الدستوري، إلا أن الأمر ‏يختلف عندما يمس ذلك، حرية أو حقاً من الحقوق "ذات القيمة الدستورية.‏

‏ -قرار المجلس الدستوري رقم 1/2000 تاريخ 1/2/2000.‏

‏"وبما أنه عندما يَسنّ المشترع قانوناً يتناول الحقوق والحريات الأساسية، فلا "يسعه أن يُعدّل أو ‏يُلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحريات والحقوق دون أن " "يحلّ محلها نصوصاً أكثر ‏ضمانة أو تعادلها على الأقل فاعلية وضمانة، وبالتالي "فإنه لا يجوز للمشترع أن يضعف من ‏الضمانات التي أقرها بموجب قوانين سابقة "لجهة حق أو حرية أساسية سواء عن طريق إلغاء ‏هذه الضمانات دون التعويض "عنها أو بإحلال ضمانات محلها أقل قوة وفاعلية.‏

‏ -قرار المجلس الدستوري رقم 1/1999 تاريخ 23/11/1999.‏

وعليه ممنوع الكلام عن إقتطاع نسبة من الودائع فالوديعة لا تمس يجب أن تعاد لصاحبها عيناً ‏بكاملها ممنوع تسييلها أو صرفها دون موافقة المودع وغير منقوصة وكل عمل مخالف لهذه ‏المبادىء باطل لمخالفته الدستور ويوقع الوديع تحت جرم إساءة الأمانة فالمودع غير مسؤول ‏ومن أخطأ عليه أن يتحمل المسؤولية وممنوع عليه الإستفادة من حيلته.‏

عملا بالمبدأ القائل ‏Nul ne peut se prevaloir de sa propre turpitude

وعليه يقول كل مودع صغيراً أو كبيراً لا تفرقوا بيننا، ولا تخرقوا مبدأ المساواة لأنه لا وجود ‏للكبار أو صغار المودعين بل هناك وديعة ونعلم أنه بقولكم تمهدون للإنقضاض على كبار ‏المودعين وتثبتون أنكم أصحاب نظرية فرق تسد وتخالفون مبدأ المساواة أمام القانون مبدأ ذو ‏قيمة دستورية.‏

مبدأ المساواة أمام القانون مبدأ ذو قيمة دستورية.‏

‏ - قرار المجلس الدستوري رقم 1/2000 تاريخ 1/2/2000‏

بذات المعنى

‏ -قرار المجلس الدستوري رقم 3/2000 تاريخ 15/2/2000‏

ونذكركم بقول المتنبي:‏

‏"جوعان يأكل من زادي ويمسكني حتى يقال عظيم الشأن مقصود

المطلوب وقف السياسات التبريرية المفخخة، والإعتداء المقنع على الملكية الفردية لدى ‏المصارف والتقيد بأحكام الدستور والقانون.‏

فالقانون هو السيد، السيد الذي لا عبيد له.‏

يقتضي وقف عملية التأميم الظالم والمضر بالعباد وبحقوقهم التجارية والصناعية التي تعتبر أيضاً ‏حقوقاً دستورية.‏

‏ قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 1/2002 تاريخ 31/1/2002:‏

‏ " على القانون أن يكون عادلاً وشاملاً لضمان غايات العدالة الإجتماعية.‏

كما قضى المجلس الدستوري في قراره رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005:‏

‏ "ان القانون لا يمثل الإرادة العامة إلا بقدر توافقه مع الدستور.‏

وصدق "ستيوارت ميل" حين قال: "ما يخيف هو الهمس قبل الصراخ".‏


الحوار نيوز ‏