منوعات

تراث رمضان (١١): "الكلاج" والبقلاوة "الزغلولية" زينة الحلويات الرمضانية

تم النشر في 5 أيار 2020 | 00:00

زياد سامي عيتاني**

بيروت عاصمة الجمال والذوق والتذوق أتقنت منذ حقبة بعيدة صناعة أصناف عديدة من الحلويات الشرقية كـ"البقلاوة" و"الكنافة" و"المعمول" و"البرما" و"الكلاج" و"القطايف"، حتى أنه كان يوجد في باطن بيروت سوقاً معروفاً بـ"سوق القطايف" على الجهة الجنوبية الشرقية من شارع "المعرض" الحالي. وقد أُزيل أواخر العهد العثماني بالتخطيط الذي أجراه والي بيروت عزمي بك. وأُطلق عليه إسم "سوق القطايف" لأنه كان مركزاً لتجمع دكاكين باعة هذا النوع من الحلويات العربية.

واقترن العديد من العائلات البيروتية بصناعة الحلويات التي تعاقبت عبر الأجيال على إتقانها وإبتكارها وإنتشرت معاملها منذ القرن التاسع عشر وما زالت مستمرة حتى أيامنا هذه.



ومن أبرز الحلويات الموسمية التي هي من ثوابت المائدة الرمضانية في بيروت والتي تُصنع بجودة ومهارة عاليتين: الحدف والكلاج ...

**



•البقلاوة "الزغلولية" (الحدف):

التاريخ وراء كل نوع من الحلويات أحياناً يكون غامضاً، وفي أحيان أخرى يكون مختلفاً فيه، وفي بعض الأحايين يكون طريفاً.

فرغم الخلاف حول أصول البقلاوة بين الأتراك واليونانيين، لكن غالبية المؤرخين يجمعون على أصلها التركي، حيث عرفتها تركيا لأول مرة في عهد محمد الرابع حيث كان يحب زوجته ماه يارا المعروفة بـ "رابعة كلنوش سلطان"، ولم يكن يأكل من يد أحد غيرها، فاخترعت أكلة جديدة على المطبخ العثماني حيث جاءت ب"الجلاش" ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعه وأضافت المسلي وأنضجته في الفرن، ووضعت عليه العسل، وعندما قدمته له أقر أنه لم يتذوق مثله ثم تم إطلاق إسم "بقلافة" عليه، ليتغير بعد ذلك إلى بقلاوة إشتقاقاً من كم البقوليات التي فيه.

وأيا تكن أصول البقلاوة، فإنه يسجل لبيروت إبتكار صنفاً خاصاً من البقلاوة، إقترن بشهر رمضان المبارك وبإسم صانعها، ألا وهي "خدف" رمضان التي كانت تعرف بالبقلاوة "الزغلولية".

فمن أوائل الذين إتخذوا صناعة الحلوى مهنة وحرفة كما يؤكد المؤرخ عبد اللطيف فاخوري شخص يُدعى سعيد الزغلول، الذي إشتهر بصنع نوع من البقلاوة المحشوة بالجوز. وذاع صيتها وأقبل الناس عليها لاسيما في شهر رمضان المبارك ونُسبت إليه فعُرفت بـ"البقلاوة الزغلولية". وكانت عبارة عن قطع صغيرة على شكل Lozange.

وقد تعلم الكثير من "الحلونجية" في بيروت صناعة "الزغلولية" على يدي سعيد الزغلول وفي مقدمهم إبن عمه عبد القادر أبو عمر، الذي فتح محلاً في منطقة المرفأ في منتصف عشرينات القرن الماضي.

وخلال شهر رمضان المبارك كان يرسل منها عدداً من الصدور إلى جانب مدخل الجامع العمري الكبير في شارع "المعرض" عند صلاة العصر، فُيقبل عليها الصائمون لدى خروجهم من المسجد قبل موعد الإفطار بشكل كبير فيبيعها كلها. وهذا ما جعل "البقلاوة الزغلولية" حلوى موسمية مرتبطة بشهر رمضان المبارك.

ومع مرور الوقت، سُميت "البقلاوة الزغلولية" بعدما صارت تصنعها كل محال الحلويات العربية خلال رمضان بـ"حدف رمضان". وأطلق عليها هذه التسمية لأن طريقة تحضير عجينة هذه البقلاوة الرمضانية تقتضي من "الحلونجي" حدفها من اليد اليسرى إلى اليمنى وبالعكس وبطريقة حرفية خاصة، حتى تُصبح العجينة جاهزة للمد في الصواني.

**



•الكلاّج:

وبالإنتقال إلى "كلاّج رمضان" فهي حلوى طيبة المذاق تظهر بقوة خلال الشهر الفضيل وتختفي مباشرة بعد إنقضائه.

و"الكلاّجة" كلمة فارسية معناها (خَلَق الأذن) أو (الشيء المستدير) وهي نوع من المعجنات الحلوة ولها قالب خاص تصنع فيه لكي يعطي العجين الشكل المستدير التي عرفت به.

المؤرّخة العراقية نوال نصرالله تقول أنّ حلويّات شبيهة بالكليچة كانت شائعة في العراق في بابل في العهد الأخميني، معمولة بشكل القمر (أقراص دائريّة عليها نقش زهرة الحياة المقدّسة) ومعمورة بشكل أهرامات صغيرة وتباع في الأعياد والمناسبات الدينية والبازارات وكانت معروفة باسم ”قُلُّپو“، وترجّح نصرالله أنّ هذه التسمية البابلية هي أصل تسمية كليچة في العراقة، بينما يقول المستشرق الهولاندي رَيِنْهَارْت دُوزِي في معجمه ”المستدرَك“ أنّ كليجا أو كليجه كلمة فارسية تعني خبز صغير معجون بالزبدة.



بالمقابل، ذكرها إبن بطوطة باسم (كليجا): "خبز معجون بالسّمن يسمّونه (الكليجا) ولم يكن قد رآها من قبل، حين تعرّف إليها نحو سنة 1334 على مائدة والي خيوارزم الأمير قُطْلودُمُور في مدينة الجرجانية (گرگانچ) Urgench غرب أوزبكستان المعاصرة.

أما أهل القصيم في السعودية يتذكرون حكاية مجموعة من التجار القاديمن من بلاد الشام بتجارتهم على الجمال، والذين كانوا على سباق مع الزمن للوصول إلى المنطقة قبل العيد لبيع تجارتهم... وعندما عجزت الجمال المثقلة بالأحمال أن تُجاري عزائم الرجال، شدّ الرجال بطونهم بالحبال، وقدّموا ما تبقى معهم من "الكلاج" لجمالهم المثقلة بالأحمال.

وكانت المفاجأة أن إستعادت الجمال نشاطها وواصلت المسير ووصلت قبل العيد... من هنا ندرك أن الكلاجة الخفيفة في نقلها كبيرة في قيمتها الغذائية.



وقد أخذت الكلاّجة عبر الأزمان أشكال مختلفة وإكتسبت أنواعاً متعددة من العجين في صناعتها. كما تفنّنت العديد من الأسر في تهيئة وتحضير حشوتها التي تكوّنت من عدة أصناف كالتمر أو الجوز والجبن والقشطة المصنعة، كذلك أضافوا إليها بعض المطيبات كبرش جوز الهند والزنجبيل والهال والسحلب. وهنالك من يحليها بالقطر وآخرون بالسكر الناعم بعد خبزها أو قليها.



-يتبع: الكنافة.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.