في ذكرى السابع من أيّار المشؤومة هذه الأيام، يعيش اللبنانيون أكثر من أي يوم مضى، تداعيات ونتائج هذا اليوم الأسود في سجل «حزب الله» السوداوي، الذي أنهى مهمة سلاحه بمواجهة العدو الإسرائيلي، كما أوهم الرأي العام وعززه في قلب العاصمة وقلوب اللبنانيين، مستبدلاً وصاية النظام الأسدي بوصاية النظام الإيراني وكاشفاً عن حقيقة مشروعه الفتنوي والتدميري في المنطقة العربية.
مؤثرات ومفاعيل غزوة الحزب لبيروت، كانت البداية والانطلاقة الفعلية لقضم الحياة السياسية تدريجياً للسيطرة على مؤسسات وقرارات الدولة وتكبيل واستنزاف مرتكزات الاقتصاد اللبناني على مراحل.
لم تنفع كل التفاهمات والعهود والاتفاقات في تحييد سلاح الحزب عن التسلط على واقع الدولة، من «ألفها إلى يائها»، بل كانت مجرّد محطات ظرفية لإمتصاص النقمة، لا يلبث الحزب ان ينقلب عليها عاجلاً أم آجلاً، إستعداداً لجولة جديدة من الانقضاض على ما تبقى من مؤسسات أو إزاحة باقي المعترضين على تفلت سلاحه الإيراني.
الانقلاب على حكومات الوحدة الوطنية لاطاحة نتائج الانتخابات النيابية كان في صميم الهدف الأساسي لتبديل موازين القوى السياسية، تعطيل الانتخابات الرئاسية لأكثر من سنين متتاليين بقوة السلاح وقطع الطريق على أي مرشّح مشكوك بالتزامه السكوت عن تفلت السلاح وتسلط الحزب هو الأساس، معاداة العرب وحرف لبنان نحو المحور السوري الإيراني وتكريسه منصة مفتوحة ومستباحة لهذا المحور في مواجهة الغرب والدول الصديقة، على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين من ضمنه أيضاً.
بعد السيطرة على الرئاسة الأولى وضمان منع كل محاولات طرح موضوع السلاح غير الشرعي على الطاولة والتغاضي عن الارتكابات على اختلافها، من تجاوز القوانين بالعبور للقتال في سوريا، استباحة التهريب على انواعه، فتح معسكرات التدريب على أنواعها، استغلال لبنان كمنصة سياسية واعلامية ضد العرب والخارج، كان الهدف التالي السيطرة على الأكثرية في المجلس النيابي من خلال التعديلات على قانون الانتخابات القديم، بتعديلات جديدة أوصلت إلى هذه النتيجة الكارثية.
اليوم، أكثر من أي يوم مضى، يعيش اللبنانيون في صميم تداعيات ونتائج السابع من أيّار الماثلة في واقع الحياة السياسية المأزوم، تركيبة السلطة اللامتوازنة، حالة الفوضى وعدم الاستقرار، عزلة لبنان عن محيطه العربي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخه وعلاقاته مع الأشقاء، إنكفاء الدول الصديقة تاريخياً للبنان عن مدّ يد المساعدة له في ازمته، انهيار الواقع الاقتصادي والمعيشي للبنانيين وضعف القطاع المصرفي جرّاء الاستنزاف المتواصل والانتهاك المبرمج للقوانين والاستباحة المنظمة لمرتكزات الدولة اللبنانية منذ ذلك التاريخ المشؤوم.
ولعل أبرز مؤثرات وبصمات استعمال «حزب الله» لسلاحه في السابع من أيّار الدموي بإمتياز، تشكيلة حكومة الرئيس حسان دياب، التي سميت بحكومة اللون الواحد وحكومة «حزب الله» على جدارة، يأتمر وزراؤها بتعليمات الحزب في السياسة بالدفاع عن ممارساته وارتكاباته بالخارج وفي الاقتصاد باستهداف ما تبقى من القطاع المصرفي ورموزه أو الاقتصاص من خصومه وخصوم حلفائه بالادارة والمواقع بالدولة، كما يحصل حالياً، أو بالاستنكاف عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي في بداية الأزمة، استجابة لرفض الحزب علناً لهذا الخيار الذي يتعارض مع تسلطه واستباحته للدولة واقتصادها وقوانينها.
سلاح السابع من أيّار نثر بذور الفتنة المذهبية بين المسلمين في لبنان بعدما نجح اللبنانيون جميعاً في وأدها بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري المتهم بارتكابها عناصر معروفة من «حزب الله» والنظام السوري، وأوجد هوّة كبيرة بين الوطنيين اللبنانيين من جهة و«حزب الله» من جهة ثانية وما زالت تداعياتها تشكّل حاجزاً من الخصومة يباعد بين الطرفين حتى اليوم بالرغم من كل أساليب التطويع والترهيب والتفاهمات المزيفة.
انتفاضة السابع عشر من تشرين الأوّل الماضي الشعبية العارمة المطالبة باستقالة كل الطاقم السياسي جرّاء ما وصلت إليه حال البلاد من تردٍّ سياسي واقتصادي وانتشار الفساد والهدر، كانت البداية الجدية للثورة على المفاعيل السياسية والسلطوية الهشة المفروضة بسطوة السلاح الترهيبي لحزب الله في السابع من أيّار وما تلاه بعد ذلك، من مسلسلات التفجيرات والعراضات المسلحة لتعطيل ومصادرة مؤسسات وإدارات الدولة الأساسية وتطويعها خدمة لمصالح واهداف الحزب وإيران على حساب اللبنانيين كلهم.
المفارقة المبكية في ذكرى غزوة بيروت المشؤومة لهذا العام وقبله، مداومة طيران العدو الإسرائيلي بالتحليق دورياً فوق مراكز وسيطرة «حزب الله» داخل لبنان، وقصفه انطلاقاً منها قواعد «قوات الحرب الثوري الايراني» والحزب التي امعنت في قتل وتدمير المدن والقرى السورية على مدى السنوات الماضية على طول الأراضي السورية، في حين يلاحظ ان منظومة «الردع» و«توازن الرعب» التي تتصدر باستمرار خطب واطلالات الأمين العام لحزب الله، تقتصر مفاعيلها على تخويف وترهيب اللبنانيين وفرض الوصاية عليها لحساب إيران.
مهما يكن، سيبقى اجتياح بيروت العسكري بسلاح «حزب الله» في السابع من أيّار عام 2008 علامة سوداء فاقعة ووصمة عار موسومة في سجل الحزب الدموي الأسود ضد أبناء العاصمة ولن تنفع معها كل محاولات التعمية وتزوير الوقائع في محوها مهما طال الزمن.
اللواء - معروف الداعوق