(مقال د. مروان اسكندر في صحيفة "النهار" 15 أيار 2020):
يظن فريق السلطة ان المواطنين لا يملكون معارف علمية وفهماً اقتصادياً ويزيد الإيهام بان الخطة – الوحيدة في تاريخ لبنان - كما قال رئيس الوزراء حسان دياب، وهي في الواقع الرابعة او الخامسة، ولم تحظَ اي خطة بالتنفيذ سوى خطة شركة "بكتل" التي نفَّذ بعض توصياتها رفيق الحريري رغم كل العراقيل ومحاولات فريق السيطرة السورية حصر المنافع به سواء كان اعضاؤه سوريين أم لبنانيين.
القول بان الخطة تحمل معالم مُرضية لصندوق النقد الدولي والمجموعة التي اجتمعت في باريس لاقرار برنامج مساعدات لانجاز مشاريع التجهيز البنيوي في لبنان، غير صحيح اطلاقا.
موافقة صندوق النقد الدولي ومجموعة "سيدر" التي انعقدت في باريس عام 2018 معلّقة على اصلاح الكهرباء وليس على خطط خفض العجز – الذي سينخفض هذه السنة بسبب انهيار اسعار النفط موقتاً – بل المطلوب اصلاح جذري يطيح صلاحيات وزراء الطاقة ويحل محلها دراسات وتقويمات وتوصيات هيئة الاشراف التي اوصى بها البنك الدولي منذ عام 1996، كما اوصى بانشاء مجلس ادارة لمؤسسة الكهرباء، وتجهيز غرفة تحكّم بتوزيع الطاقة، وشركات اختصاصية في المحاسبة. ماذا نرى من كل ذلك؟
نرى هرطقة مستمرة وأعذارا واهية حول الوقت المطلوب لانجاز الهيئة وانتقاد اعضاء مجلس الادارة، وكل ذلك يجري ووزيرة الطاقة السابقة تدّعي انها ليست مسؤولة عن وصول شحنة من الغاز اويل مستوردة لمعملَي الطاقة في الزوق والجنوب. وهي تعلن انها لم تكن تدري بتوافر اموال لتحسين مواصفات المعملين منذ سنوات، وان الحاجات المادية لمعمل الزوق، الذي يشكو سكان المنطقة من انبعاثاته المسمومة، متوافرة على مستوى 221 مليون دولار من الصندوق الكويتي منذ عام 2016 لهذا الغرض.
الوزيرة نفسها التي تعلن جهلها بتوافر الاموال لتحسين مواصفات معمل الزوق هي التي عقدت اتفاقا مع شركة غير معروفة الاصل والفصل لادارة معملي الزوق والجية، وقد سمعنا من مدير شاب لهذه الشركة كلاما لا يصدَّق بسبب سطحيته.
حضرة السادة المتحمسين للحكم، عليكم ان تدركوا ان معونة صندوق النقد الدولي لن تتوافر وكذلك التزامات مؤتمر "سيدر" في باريس ما لم تخرج السيطرة على انتاج الكهرباء وتوزيعها من وزارة الطاقة التي ساهمت منذ إسنادها الى ممثلي "التيار الوطني الحر" في ارتفاع الدين العام عبر المعونات لتغطية عجوزات كهرباء لبنان اكثر من 42 مليار دولار تشكل مع الفوائد ما نسبته 65 في المئة من الدين العام. واذا اضفنا فوائد بنسبة 7.5 في المئة، يرتفع الدعم الكامل للكهرباء الى مستوى 65 مليار دولار.
المسؤولون عن شؤون الكهرباء، وزراء ومديرين، منذ 2008 وحتى تاريخه، يتحملون مسؤولية ازمة عدم توافر النقد الاجنبي لتعويض المودعين عن اموالهم من جهة، وتأمين استمرارية قدرة لبنان على استيراد ما يحتاج اليه من مستلزمات الحياة الحضرية، اي مشتقات النفط، والادوية، والقمح. بضعة وزراء ومديرين افقدوا قدرة لبنان على الايفاء بديونه.
يجب ان يعلم اللبنانيون ان مستوردات المشتقات النفطية تضاعف حجمها من 4.8 ملايين طن عام 2012 الى 8.8 ملايين طن عام 2013، وهكذا دواليك، وفارق الـ4 ملايين طن ندفع ثمنه لتأمين اعتمادات الاستيراد من الاحتياط النقدي، ونصفه يسوّق لمنفعة شركات تغطية، منها شركة "اوف شور" اسسها قريب للرئيس السوري بشار الاسد الذي هو على خلاف واضح معه.
هل يعلم اللبنانيون اننا مدى 7 سنوات تمتد من 2013 حتى اليوم، دفعنا ثمن استيراد 8 ملايين طن من المشتقات النفطية سنويا، في حين كان استهلاكنا 4 ملايين طن، وعجز المازوت وحده يساوي 500 مليون دولار سنويا، بينما عجز البنزين وكاز الطيران وحده يتجاوز الـ3 مليارات دولار سنويا، فنكون قد تكبدنا لمصلحة شركتين لبنانيتين او ثلاث مع شركة قريب الاسد اكثر من 27 مليار دولار على مر السنوات المذكورة، وارباح هذه الصادرات المخفية الهوية تجاوزت الـ 5-6 مليارات دولار يمكن اخضاعها لضريبة الارباح لو كان لدينا نواب ووزراء يحملون مصلحة لبنان في قلوبهم، والمأساة ان القضية لا تنحصر باستيراد ومن ثم تصدير المشتقات. وحاكم مصرف لبنان اوضح هذه القضية وأبعادها لكنه لا يتحكم بالتوجه السياسي الخدماتي لفئات ودول، وهذه التوجهات اجهضت قدرات لبنان.
افلاس لبنان على صعيد توافر النقد الاجنبي لكفاية حاجات الاستيراد وسداد القروض، يعود اولاً واخيرا الى وزراء "التيار الوطني الحر" منذ عام 2008، ومحاولة الصاق تزوير محتويات شحنة الفيول الاخيرة التي تعاقدت عليها الوزيرة ندى البستاني، ولا تزال تحاول اخفاء مسؤوليتها، لا يعود باي شكل من الاشكال الى شركة "سوناتراك" الجزائرية، ولا الى وزير النفط قبل عام 2008 اي محمد فنيش الذي كان ولا يزال مثال الالتزام بالاخلاق ومصلحة البلد، والمسؤولية عن تزوير الحمولة تعود الى المستوردين الذين يفرغون بعض الحمولة في البحر في سفن تُحمَّل الى سوريا ويعوضون عن نقل الحمولة الصافية بشحنات موبوءة كأخلاقهم.
ليس النفط ومشتقاته السبب الوحيد لعجز لبنان عن الدفع لاستيراد القمح الذي يحظى بدعم على مستوى 150 دولارا للطن من اجل تأمين الرغيف للبنانيين باسعار معقولة. فقبل الازمة السورية وانحسار انتاج القمح في سوريا 400 الف طن سنويا، ارتفعت واردات لبنان الى 1.5 مليون طن، سنفترض ان منها تزايد الطلب المحلي بمقدار 600 الف طن للمواطنين اللبنانيين، فيبقى 900 الف طن تصدَّر الى سوريا على حساب مخزون النقد الاجنبي في لبنان، والمصرف المركزي يتحمل كلفة الاستيراد ودعمه بـ150 دولارا للطن، فنكون نحن قد ساهمنا في خفض كلفة استهلاك السوريين او التجار السوريين بـ135 مليون دولار سنويا، وبالتالي على مستوى المشتقات النفطية والقمح، يتحمل لبنان عن سوريا نحو 4 مليارات دولار سنويا، وحساب هذه الخسائر مدى 7-8 سنوات يبين مع حسابات خسائر الكهرباء ان عجز لبنان من استمرار خسائر الكهرباء والتهريب الذي ندفع ثمنه، ادى الى خسائر تفوق الـ80 مليار دولار خلال السنوات المنقضية، وعند اضافة الفوائد بمعدل 6.5 في المئة تكون الخسارة مع الفوائد قد تجاوزت قيمة الدين العام البالغة 92 مليار دولار، ولولا هذه الخسائر التي تعود من جهة الى تعامي المسؤولين عن التهريب نحو سوريا وهدر المستوردات لتوليد الكهرباء، لكان لبنان بالف خير ولا يحتاج الى معونات خارجية كالتي تسعى للحصول عليها من دون حجة اقناع لاسبابها.
وبعد كل هذا يحاول الحكم ان يوهمنا بان لبنان سيصبح بعد انتهاء العهد افضل مما كان. ايها اللبنانيون، صدقوا هذه الاقوال ولا تناقشوا، فالحكم مكتفٍ بخبرات رجالاته ولا يقبل النصيحة ولو كانت امام اعين قادته منذ عشر سنين. فنتيجة السياسات الخاطئة التي استنفدت الاحتياط من النقد الاجنبي، لن تستطيع المصارف اللبنانية تأمين الاعتمادات للاستيراد، وبالتالي، وقريبا لن نستطيع استيراد المواد الاساسية. وداعا الاقتصاد اللبناني.