زياد سامي عيتاني*
يقبل الصائمون في رمضان علي تناول المشروبات االباردة والدافئة لتعويض ما فقدوه طوال فترة الصيام.. فالمشروبات الرمضانية مثل القمر الدين، العرقسوس والخروب والتمرهندي والكركدية ومنقوع التمر، وغيرها من مشروباتنا الشعبية ستظل دائما جميعها في رمضان شفاء ودواء!
**
•التمر الهندي:
" يا حنه يا تمر هندي يا أطيب مشروب عندي ".
شراب التمر الهندي مشروب رئيسي على مائدة رمضان ففيه حلاوة ولذة وحموضة بسيطة تطفىء عطش الصائم وظمأه وتمنحه الحيوية والنشاط، خصوصاً عندما يصادف شهر رمضان المبارك خلال فصل الصيف بجوه الحار.
والتمر الهندي هو لب ثمار قرنية الشكل لنبات شجري دائم الخضرة وأوراقه مركبة الأزهار عنقودية صفراء اللون .
والموطن الأصلي للتمر الهندي هو أفريقيا الإستوائية. وعرف منذ القدم في مصر والهند وإنتشر الى جزر الكاريبي وأغلب بقاع العالم بما فيها أوروبا عن طريق العرب الذين حملوا معهم التمر الهندي أثناء الفتوحات الإسلامية .
ويعرف التمر الهندي بأسماء أخرى " مثل اللوز الهندي " أو اللألوب. ويحتوي التمر الهندي على نسبة كبيرة من الأحماض مثل حمض المماليك والفسفور والمغنيسيوم والحديد والمنجزنيز والكالسيوم والصوديم، كما يحتوي على فيتامين ب وعلى زيوت طياره ومضادات حيوية .
ومن فوائده الصحية إنه ُيسكن آلام المرارة والصراع وُيقوي القلب والمعدة ويزيل الحموضة الزائدة. وقد أشارت الدراسات أن ثمار التمر الهندي لها قدرة على التأثير على فيروس إلتهاب الكبد البائي .
يجهز شراب التمر الهندي من خلال نقع معجونه، وبعد ذلك ُيفرك باليد ويوضع مع مائه على النار ويترك حتى يغلي لمدة خمسة دقائق ويصفى جيداً ويُضاف إليه السكر للتحلية ويُترك على نار هادئة ويُحرك جيداً حتى يصبح الخليط سميكاً، ثم يبرد ويصبح جاهزاً للشراب .
**
•القمر الدين:
أسعد مني يبـقى مـيـن قـمـر الدنيـا وقـمـر الديـن
الشـتـا بـدون تـيـن والصيـف بدون قـمـر الديـن
شراب "القمر الدين" هو ملك عصائر المائدة الرمضانية دون منازع. فهو شراب مستخرج من شرائح ذات اللونين الأصفر الذهبي والبني الفاتح والمصنوع من المشمش بعد هرس حباته ليتجمع العصير في الحوض ويصب بعد ذلك على ألواح ملساء ويترك ليجفف في الشمس ويقطع بعدها إلى قطع مستطيلة.
وهذا الشراب هو دمشقي المنشأ والصناعة حيث أنه من أقدم وألذ ما قدموه الدمشقيون للمائدة الرمضانية والذواقة.
وكما أشرنا فإن شراب القمر الدين يستخرج من المشمش الذي تعود أصوله إلى غرب الصين وآسيا الوسطى، حيث بدأت الزراعة المنظمة والمكثفة للمشمش في الهند منذ 300 سنة قبل الميلاد.
ويرتبط إسم المشمش في الصين تراثياً بالطب والتعليم، إذ تعني تسميته في اللغة الصينية بـ "حلقة التعليم"، حيث كان أحد الفلاسفة يتحدث إلى أتباعه وصحيه فيحديقة من شجر المشمش.
نشير في هذا السياق وعلى سبيل الطرفة أن المشمش يستخدم في أمثالنا الشعبية حتى اليوم، حين تقول العامة عند التهرب من إلتزام ما "عالمشمش"، وذلك للدلالة على إستحالة حصول أمر ما، لأنه موسم المشمش قصير وما إن يبدأ حتى ينتهي.
وقد سمى بـ " القمر الدين " نسبة إلى صانعه "قمر الدين" الذي كان يشبه القمر في جماله، وكان يملك بستاناً من المشمش في دمشق، وهو الذي صنع العصير في رمضان.
إلا أن الروايات إختلفت حيال ذلك وتعددت. فهناك رواية تقول إنه كان يطرح في الأسواق مع رؤية هلال رمضان فسمي " قمر الدين" . وهناك رواية أخرى تنسبه إلى مدينة في الشام إشتهرت ببساتين المشمش إسمها "أمر الدين"، ومع تدارج الكلمة على الألسن صارت تلفظ "قمر الدين".
وكذلك إختلف في تاريخه، فهناك من يقول أنه يعود إلى العصر الأموي وآخرون إلى العصر العباسي، مع الأرجحية أنه أموي إنتقل وإنتشر في عصرهم من بلاد الشام إلى سائر انحاء الدولة الإسلامية وصولاً إلى الأندلس. وكان المشروب المفضل لدى العلماء والفقهاء والشعراء.
ولهذا الشراب فوائد صحية كثيرة. فهو ملين للمعدة وفاتح للشهية ويحتوي على الكاروتينات التي تتحول داخل الجسم إلى فيتامين A، كما يحتوي على فيتامين B وفيتامين C المهم لكفاءة الجهاز المناعي، وهوغني أيضاً بالبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم والفسفور.
إذاً شراب "قمر الدين" اسم على مسمى لمذاقه الطيب وفوائده الغذائية والصحية المتنوعة، فهـو يلازم البيوت طوال الشهر المبارك ويقدم على الموائد الرمضانية مثلجاً. وقد تُضاف إليه بعض حبات الزبيب واللوز والفستق المقشور.
**
-يتبع: السواس.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.