فن

أغاني رمضان(٤): والله لسا بدري يا شهر الصيام"... أنشودة الوداع!

تم النشر في 22 أيار 2020 | 00:00


زياد سامي عيتاني*


تم البدر بدري..والأيام بتجري..والله لسة بدري والله ياشهر الصيام..

حيانا هلالك..ردينا التحية.. سهانا جمالك..بالطلعة البهية..

بفرحة سلامك..ولا وداع صيامك..

ياضيف وقته غالي..وخطوة عزيزة.. حبك حب عالي..في الروح والغريزة

أيامك قليلة..والغيبة طويلة..ع الصبر الجميل..لسه بدري حبة..يتملا الأحبة

والله لسه بدري والله ياشهر الصيام.

أشهر أغنية وداع للشهر الكريم للفنافة شريفة فاضل على الإطلاق، والتي تحولت إلى أنشودة توديع شهر رمضان، مصحوباً بمشاعر الأسى والحزن على فراقه، عكس مشاعر الفرح والسرور التي تصاحب أغاني إستقباله، خصوصاً وأنها لخصت من خلالها مشاعر الحزن التى يشعر بها الجميع لإنتهاء شهر رمضان...

فكلما شارف الشهر الفضيل على نهايته، يأتى صوت شريفة فاضل فى أيامه الأخيرة، ليقدم نشيد وداع للأيام الطيبة المباركة التي مضت، بكلمات بسيطة ومعبرة وقريبة من الروح، وصوت صريح عذب، ولحن مميز...

**



•شريفة فاضل غنتها بالصدفة:

كشفت الفنانة الراحلة شريفة فاضل مقابلة مع صحيفة (المصري اليوم) أنه لم يكن مخططاً أن تغني أغنية "والله لسا بدري يا شهر الصيام"، مؤكدة أن وقت غناء هذه الأغنية كانت الإذاعة توزع الأغانى على المطربين، وأهي كانت مطربة جديدة، وجاءت الأغنية من نصيبها بالصدفة، وكذلك أغنية "مبروك عليك يا معجبانى يا غالي"، من تلحين سيد مكاوى، التي كانت من نصيبها بالطريقة نفسها أيضاً.

وأوضحت أن الأغانى الدينية لم يكن ينفق عليها أحد من حسابه، ولذلك كانت الإذاعة تقوم بإنتاجها وتحدد الموسيقيين، ونذهب نحن لتسجيلها وتدفع لنا حق الإلقاء، وحتى الآن لا يوجد هناك ما ينافسها فى وداع رمضان..."

**

•غناءٌ دون أجر:

الطريف في الأمر أن شريفة فاضل لم تحصل على مقابل نظير غنائها، لأنها كانت نادراً ما تقدم أغاني للإذاعة، وكانت ترى أن وجود أغنية لها في شهر رمضان على الخريطة الإذاعية أمر يسعدها. لذلك رفضت شريفة فاضل أن تتقاضى أجراً عن الأغنية قائلة: «يكفيني أن تكون لي أغنية دينية شهيرة يرددها الناس في هذا الشهر الكريم»، بينما حصل الشاعر عبد الفتاح مصطفى عن الأغنية على 15 جنيهاً تنازل عنها حباً في انتشار الأغنية، وإنجازها.

**

•كلماتها أقرب إلى الصوفية:

تميزت كلمات "تم البدر بدري" للشاعر عبد الفتاح مصطفى، بأنها لم تتعمق في وصف طقوس رمضان ومظاهره، من فوانيس، وقطائف، وفرحة الأطفال، مثلما حدث في أغلبية الأغنيات الرمضانية، قدر توصيفها للحالة الصوفية والروحانية، وما يمثله الشهر الكريم للصائمين وتشبيهه بالضيف الذي ليس لديه من الوقت الكثير للبقاء فترة طويلة.

يذكر أن الشاعر عبد الفتاح مصطفى إشتهر بكتابة الأغاني الدينية شديدة التأثير في قلوب المسلمين، ومن أشهر أغانيه "رمضان يابو المواكب" التي

غناها إسماعيل شبانة من تلحين شوقي إسماعيل، يقول فيها:

"أبطال زي الكواكب سيرتها تهز مصر،

هات يابو المديح وقول الله أكبر عليك يابو المواكب...

ونجاح هذه الأغنية، دفعه لكتابة أغنية الفنانة شريفة فاضل " والله لسه بدري يا شهر الصيام"،

**

•فكرة الأغنية:

إستمد عبد الفتاح مصطفى فكرة الأغنية من جملة شعبية تردد على كل ألسن العامة، كلما أسدى شخص بخدمة لشخص آخر، الذي يشكره عليها، فيجيبه: "إحنا في رمضان، ده واجب".

بعدها إلتقط الملحن عبد العظيم محمد الورقة التي تحتوي الكلمات، وعندما بدأ يقرأها، يقطع آذان العصر أفكاره، فيطوي الورقة في جيبه، ويتحرك تجاه مسجد الحسين ليصلي فيه العصر كعادته، بعد الصلاة وفي مسجد الحسين كان اللحن قد أكتمل في ذهنه.

وبذلك كتبت ولحنت سجلت الأغنية ببضعة أيام، بسبب ضيق الوقت الفاصل عن عيد الفطر، ومع ذلك بدأت الإذاعة المصرية تبثها قبل أربعة أيام من حلول العيد...

وقد كتبت مجلة "روز اليوسف" عام 1960، عن كيفية نشأة الأغنية:

"جلس الشاعر عبد الفتاح مصطفى مع نفسه، وخرجت من بين يديه كلمات الأغنية التي قدمها إلى وجدي الحكيم، الذي كان يعمل مراقبًا للموسيقى والغناء بالإذاعة، واتفق وجدي الحكيم مع كاتب الأغنية أن يلحنها الموسيقار عبد العظيم محمد، الذي تجلت عبقريته في التلحين، وأنه جعل من الوداع بهجة وفرحة، كما اتفق على أن تغنيها المطربة شريفة فاضل، التي حفظتها في ثلاثة أيام، ليتم تسجيلها باستوديو 46 بالإذاعة".

**



•نجاحها مهد لأنشودة "مولاي":

ومن المعروف أن عبد الفتاح مصطفى كتب بعد ذلك عدة أغنيات بمناسبة رمضان، منها أغنية "كريم المعاني يا شهر الصوم" وغنتها فايزة أحمد، كما غنى له النقشبندي "مولاي إني ببابك"، وشريفة فاضل (يا سامع الدعوات)، وغيرها...

**

وهكذا يفارقنا الشهر الكريم الذي تمضي أيامه المباركة بشكل يفوق الوصف، يغادرنا على أمل اللقاء، ولا تنتهي دعواتنا (اللهم بلغنا رمضان). نودعه وأغنية شريفة فاضل ترن في القلوب وتدمع لها الأعين "ياهالل بفرحة ومفارق بفرحة، والله لسة بدري والله يا شهر الصيام"...

-إنتهى.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.