إقتصاد

"النقد الدولي" يحذر لبنان

تم النشر في 14 تموز 2020 | 00:00

المصدر: الشرق الأوسط 


‎حذر صندوق النقد الدولي، الاثنين، السلطات اللبنانية من أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات ‏الضرورية، وكذلك من محاولات تقليل الخسائر المالية، في وقت يبدو فيه أن المفاوضات ‏بين الطرفين تراوح مكانها، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية‎.‎

‎ ‎

ويتخبط لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وقد خسر عشرات آلاف اللبنانيين ‏وظائفهم، أو جزءاً من رواتبهم، وتآكلت قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار ‏لاستيراد مواد حيوية مدعومة، كالقمح والأدوية والوقود‎.‎

‎ ‎

وتخلف لبنان في مارس (آذار) الماضي، للمرة الأولى في تاريخه، عن تسديد مستحقات ‏سندات "اليوروبوندز"، التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 30 مليار دولار، ثم طلب مساعدة ‏صندوق النقد. ومنذ شهرين، وبناء على طلب من لبنان، عقدت 17 جلسة تفاوض بين ‏صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، آخرها الجمعة، لبحث ملف الكهرباء، لكن مصادر ‏مطلعة عدة قالت لوكالة الصحافة الفرنسية، الأسبوع الماضي، إن المفاوضات تراوح ‏مكانها‎.‎

‎ ‎

وخلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت، قال نائب مدير صندوق النقد لـ"الشرق الأوسط" ‏وشمال أفريقيا، أثناسيوس أرفانيتيس: "من أجل أن تتواصل المناقشات المثمرة في هذه ‏المرحلة، من المهم جداً أن تتوحد السلطات حول خطة الحكومة. ونحن على استعداد للعمل ‏معها لتحسين الخطة في حال الضرورة‎".‎

‎ ‎

وتدارك: "لكننا نشعر بالقلق أيضاً من أن محاولات تقديم قيمة أقل للخسائر، وتأجيل ‏الإجراءات الصعبة، لن يؤدي إلا لزيادة تكلفة الأزمة، من خلال تأخير التعافي، وإيذاء الفئات ‏الأكثر ضعفاً‎".‎

‎ ‎

وبدا خلال جلسات التفاوض التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لإجمالي خسائر الدولة ‏والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف‎.‎

‎ ‎

وقدرت الحكومة هذه الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل البرلمان عبر لجنة تقصي حقائق ‏قالت إن الخسائر تراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة، لكن صندوق النقد يعد أرقام الحكومة ‏أقرب إلى الواقع‎.‎

‎ ‎

ويعتمد لبنان في مفاوضاته مع الصندوق على خطة تقشفية أقرتها الحكومة نهاية أبريل ‏‏(نيسان) الماضي، وتمتد على 5 سنوات، وتقترح إصلاحات على مستويات عدة، بينها ‏السياسة المالية، وميزان المدفوعات، والبنى التحتية، وإعادة هيكلة الديون والمصارف. كما ‏تنص على إصلاحات أساسية في البنى التحتية، بينها في قطاع الكهرباء المترهل الذي ‏يشكل العبء المالي الأكبر‎.‎

‎ ‎

ولاقت خطة الحكومة انتقادات من أطراف سياسية عدة، كما من المصارف التي يعود إليها ‏القسم الأكبر من ديون الدولة‎.‎

‎ ‎

والأزمة الاقتصادية الحالية هي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء ‏إصلاحات بنيوية، وترهل المرافق العامة، وتفشي الفساد‎.‎

‎ ‎

ويطالب الصندوق الحكومة باتخاذ تدابير سريعة، بينها تحرير سعر الصرف، والتدقيق ‏الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وتقييد الرساميل بشكل رسمي، بحسب المصادر ‏المطلعة‎.‎

‎ ‎

ومنذ بدء المفاوضات، ارتفع سعر الصرف من 4 آلاف إلى 9 آلاف ليرة مقابل الدولار في ‏السوق السوداء، قبل أن يتراجع إلى نحو 7 آلاف في الأيام الأخيرة، فيما تفرض المصارف ‏قيوداً مشددة على الودائع، وتمنع الزبائن من سحب دولاراتهم. ولا يزال سعر الصرف ‏الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات‎.‎

‎ ‎

ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأسبوع الماضي، إلى الإسراع في ‏الإصلاحات، وقال: "على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور… نحن حقاً مستعدون ‏لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم‎".‎

‎ ‎

‎ ‎

قضية تهريب الأموال من لبنان

‎ ‎

وعلى صعيد آخر، استعادت قضية الأموال المحولة من المصارف اللبنانية إلى الخارج، في ‏الفترة التي تلت اندلاع موجات الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام ‏الماضي، بعضاً من حيويتها، رغم عدم غيابها عن مسرح التجاذبات السياسية والاتهامات بين ‏الأطراف الداخلية‎.‎

‎ ‎

فقد وجه المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان كتاباً إلى هيئة التحقيق الخاصة ‏في مصرف لبنان، طلب بموجبه التوسع بالتحقيق حول التحويلات المصرفية إلى الخارج ‏التي جرت بين 17 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019 و31 ديسمبر (كانون الأول) من العام ‏نفسه، والتي بلغ مجموعها 160 مليوناً و441 ألف دولار، بحسب ما أفادت به الوكالة الوطنية ‏للإعلام الرسمية‎.‎

‎ ‎

وطلب سليمان من الهيئة التأكيد على المصارف بالتحقيق حول هذه الحسابات، ولا سيما ‏كل حساب يعادل أو يزيد على المليون دولار أميركي، وذلك عملاً بالمادة (4) من قانون ‏مكافحة تبييض الأموال رقم (44-2015). كذلك الطلب من المصارف إبلاغ رئيس هيئة ‏التحقيق الخاصة عن كل حساب مصرفي مشبوه من الحسابات المحولة إلى الخارج، عملاً ‏بالمادة (7) من القانون المذكور‎.‎

‎ ‎

وسبق للهيئة أن امتنعت عن تزويد القضاء بأسماء أصحاب التحويلات إلى الخارج، كونه لا ‏توجد أي شبهة حول حسابات هؤلاء الأشخاص، وفق الجواب الذي ورد للهيئة من المصارف. ‏كما تلقى القضاء جواباً سلبياً من سويسرا حول هذه المسألة، على اعتبار أن التحقيق فيها ‏يتطلب وجود جريمة أصلية، فضلاً عن أن الأموال التي تم تحويلها إلى حسابات مصرفية ‏في سويسرا "هي أموال نظيفة إلى أن يثبت العكس‎".‎

‎ ‎

وفي السياق عينه، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مدير عام وزارة المال المستقيل ‏ألان بيفاني قوله إن البنوك اللبنانية "هربت" ما يقرب من 6 مليارات دولار منذ أكتوبر ‏‏(تشرين الأول)، رغم حجب التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية، علماً بأن ‏القانون لا يمنع حتى الساعة إجراء مثل هذه التحويلات‎.‎

‎ ‎

وقال بيفاني: "إن ما بين 5.5 مليار و6 مليارات دولار جرى تهريبها خارج البلاد" من قبل ‏‏"مصرفيين (لا يسمحون) للمودع بسحب 100 دولار"، مبيناً أن "هذا التقييم من واقع فهمه ‏لبيانات القطاع المصرفي، ومشاورات مع سلطة الرقابة المصرفية‎".‎

‎ ‎

واتهم السياسيين والمصرفيين بمحاولة "الاستفادة من النظام، دون تحمل أدنى خسارة، ‏بينما يجعلون اللبنانيين يدفعون ثمن الانهيار‎".‎

‎ ‎

وكان الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمود، قد كشف في تقرير عن ‏تحويل نحو 2.3 مليار دولار من الجهاز المصرفي إلى سويسرا خلال الفترة عينها. لكنه بين ‏حينها أن "ما ورد من معلومات، عن أن التحويلات بمبلغ تعود إلى أصحاب المصارف في ‏لبنان، هو كلام غير دقيق ومغلوط، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة"، مضيفاً أن "المعلومات ‏لدى اللجنة تؤكد أن المصارف كلها، وليس 5 منها فقط، حولت ما يقرب من هذا المبلغ إلى ‏مصارف في سويسرا، خلال الفترة الممتدة من 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 حتى 10 يناير ‏‏(كانون الثاني) 2020، لكن لا يحق للجنة قانوناً معرفة أصحابها، وبالتالي لا أسماء معروفة ‏على الإطلاق‎".‎

‎ ‎

وبالمثل، ردت هيئة التحقيق الخاصة على طلب ورد إليها من مدعي عام التمييز غسان ‏عويدات، مؤكدة أن "كل المصارف التي نفذت التحويلات (خلال الفترة عينها) قد أفادت ‏بعدم وجود أي شبهة بالعمليات، أو بمصدر الأموال المودعة في الحسابات، وبالتالي فإن ‏الأسماء التي أجرت التحويلات غير موجودة لدى الهيئة، ويتعذر عليها قانوناً اتخاذ أي قرار ‏في خصوص هذه الحسابات، أو الطلب من المصارف تزويدها بالأسماء، لعدم وجود ‏شبهات عليها، مع الإشارة إلى أنه في حال تم تجاوز القانون في هذه القضية، فإن ذلك ‏سيفسر بأن الهيئة تقوم بتنفيذ قرار سياسي، ما يضرب الاستقلالية التشغيلية للهيئة التي ‏يفترض ألا تتأثر بقرارات طابعها سياسي، وفقاً للمعايير الدولية التي ترعى عمل وحدات ‏الإخبار المالي