صحافة بيروت

"تعاظم" الانتقادات الخارجية.. و ملامح تدهور وتعقيدات!

تم النشر في 14 تموز 2020 | 00:00

المصدر :النهار

مع أن "فورة الذروة" للإنتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان فرضت إيقاعها المقلق ‏كأولوية لا يتقدمها أي ملف طارئ أياً كانت أهميته بعدما استمر عدّاد الإصابات يسجّل ‏لليوم الثالث توالياً أرقاماً قياسية، فإن هاجس تفلت الوباء على خطورته لم يلجم الأخطار ‏الأخرى التي تثقل على البلاد في ظل المراوحة الثقيلة في المعالجات الحكومية لتداعيات ‏الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية. وبدا واضحاً في ظل المعطيات التي تكشفت عنها ‏تطورات الأيام الأخيرة، أن الحكومة بدأت ما يمكن أن يشكّل هجوماً معاكساً في ظل اتساع ‏أخطار الانهيارات وما يمكن أن ينشأ عنها من تهديد لبقاء الحكومة وديمومتها. إذ أن ‏المعطيات المتوافرة تعكس تعاظم الانتقادات الخارجية ولا سيما منها للدول والمنظمات ‏المالية الدولية المعنية بمراقبة الوضع في لبنان للسياسات الحكومية التي لم تقدم حتى ‏الآن أي خطوات عملية حاسمة تؤكد ترجمة التزاماتها الاصلاحية وهو الأمر الذي ردّدته أخيراً ‏وبكثافة مواقف صندوق النقد الدولي من جهة والمسؤولين الفرنسيين من جهة اخرى‎.‎

‎ ‎

لكن المفارقة اللافتة التي طبعت اتجاهات الحكومة في الفترة الأخيرة تمثلت في مضيها ‏في تحدي المناخ الضاغط نحو اتخاذ خطوات إصلاحية بل حولت هذا المناخ برمته الى ميدان ‏صراع علني عنوانه الدفاع عن بقاء الحكومة وتصوير الضغوط عليها للشروع في الخطوات ‏الاصلاحية بإنها استهدافات سياسية خارجية وداخلية يراد منها تصفية الحسابات مع "حزب ‏الله" في الدرجة الأولى. وفي ظل هذا التحوير للواقع الداخلي ووسط تفاقم الازمات ‏المتراكمة برزت مجدداً في الساعات الأخيرة ملامح التدهور الحاصل في المفاوضات بين ‏لبنان وصندوق النقد الدولي كما برزت التعقيدات الداخلية المتجددة حيال ملفات الأزمة ‏المالية، خصوصاً في ظل العودة المفاجئة الى نبش ملف "الكابيتال كونترول" الذي بات ‏عنواناً لملهاة - مأساة متصلة بالتهديد المنهجي لودائع اللبنانيين في المصارف واسترهانها ‏وتآكل قيمتها الى حدود التصفية‎.‎

‎ ‎

وقد حذّر صندوق النقد الدولي أمس السلطات اللبنانية من أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات ‏الضرورية كما من محاولات تقليل الخسائر المالية وقت يبدو أن المفاوضات بين الطرفين ‏تراوح مكانها‎.‎

‎ ‎

ومنذ شهرين، وبناء على طلب من لبنان، عقدت 17 جلسة تفاوض بين صندوق النقد ‏الدولي والحكومة آخرها الجمعة للبحث في ملف الكهرباء، لكن مصادر مطلعة عدة قالت ‏الأسبوع الماضي إن المفاوضات تراوح مكانها‎.‎

‎ ‎

وخلال مؤتمر صحافي عبر الانترنت، صرح نائب مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط ‏وشمال أفريقيا اثناسيوس ارفانيتيس بأنه "من أجل أن تتواصل المناقشات المثمرة في ‏هذه المرحلة، من المهم جداً أن تتوحد السلطات حول خطة الحكومة. ونحن على استعداد ‏للعمل معها لتحسين الخطة في حال الضرورة". وأضاف: "لكننا نشعر بالقلق أيضاً من أن ‏محاولات تقديم قيمة أقل للخسائر وتأجيل الإجراءات الصعبة لن يؤدي إلا الى زيادة تكلفة ‏الأزمة من خلال تأخير التعافي وإيذاء الفئات الأكثر ضعفاً‎".‎

‎ ‎

وبدا خلال جلسات التفاوض التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لمجمل خسائر الدولة ‏والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف‎.‎

‎ ‎

وقدّرت الحكومة هذه الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل مجلس النواب عبر لجنة لتقصي ‏الحقائق قالت إن الخسائر تراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة. لكن صندوق النقد يعتبر أرقام ‏الحكومة أقرب إلى الواقع، ويطالب الحكومة باتخاذ تدابير سريعة بينها تحرير سعر الصرف ‏والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وتقييد الرساميل بصفة رسمية، استناداً الى ‏المصادر المطلعة‎.‎

‎ ‎

ومنذ بدء المفاوضات، ارتفع سعر الصرف من أربعة آلاف الى تسعة آلاف ليرة ازاء الدولار ‏في السوق السوداء قبل ان يتراجع الى نحو سبعة آلاف في الأيام الاخيرة‎.‎

‎ ‎

‎"‎الكابيتال كونترول" مجدداً

‎ ‎

وفيما واصل سعر الدولار في السوق السوداء تراجعه، وبينما يحضر هذا الملف في جلسة ‏مجلس الوزراء اليوم، أكد رئيس لجنة المال والموازنة ابرهيم كنعان أن "مسؤولية تشريع ‏الكابيتال كونترول هي لدى الحكومة"، موضحا أنه بعد التأخير الذي حصل ارتأى النواب ‏تقديم اقتراحات. وصرح بعد جلسة لجنة المال والموازنة: "لسنا على استعداد لزيادة القيود ‏على المودعين من دون خطوات واضحة من المصارف والدولة لاعطاء المودع حقوقه". ‏وشدّد على أن "مقاربتنا للكابيتال كونترول تنطلق من الحفاظ على حقوق المودعين"، ‏معتبراً أن المطلوب من المصارف ومصرف لبنان وضع الحلول الممكنة على الطاولة ‏‏"فمن غير المقبول استخدام الودائع من قبلهم بشكل عرّضها للخطر". وكشف كنعان أن ‏تقرير ديوان المحاسبة عن الحسابات المالية سيصدر في وقت قريب و"أنه سيؤكد ما قالته ‏اللجنة على مدى سنوات من أنه ما في رقم صحيح". وأضاف: "من يدّعي أن أرقام الحكومة ‏صحيحة هو فعلاً حزب المصارف ومن يدافع عن أموال الدولة غير الصحيحة هو من صاغها ‏على مدى سنوات وفيها الكثير من الفجوات". وخلص الى "أن الحكومة مدعوة لتحمل ‏مسؤولياتها تجاه الناس والمودعين فمن غير المسموح رمي العجز وعدم القرار على ‏المجلس النيابي على غرار الكابيتال كونترول‎".‎

‎ ‎

في غضون ذلك، عاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم مساءً من زيارته ‏الرسمية للكويت موفداً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وعقد ابرهيم لقاءات ‏عدة في الكويت توجت بلقائه امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي تسلم ‏منه رسالة من الرئيس عون. وأفادت المعلومات المتوافرة عن نتائج الزيارة أن المسؤولين ‏الكويتيين وعدوا بدرس الطلبات اللبنانية التي قدمت اليهم والمتصلة بمساعدة لبنان في ‏بعض جوانب أزماته، ولكن لم تتضح معالم استجابة هذه الطالبات عمليا بعد‎.‎

‎ ‎

إجراءات لاحتواء كورونا

‎ ‎

أما على صعيد تفاقم الانتشار الوبائي، فواصل عدّاد كورونا ارتفاعه في لبنان، مسجلاً 85 ‏إصابة جديدة، توزعت على 77 حالة بين المقيمين و8 بين الوافدين في المطار. وهذا ‏الارتفاع الذي يسجل لليوم الثالث توالياً وكانت ذروته أول من أمس مع 166 إصابة، استنفر ‏وزارة الصحة العامة ولجنة التدابير الوقائية التي اجتمعت أمس وقررت فرض إجراءات ‏جديدة وتدابير من دون العودة الى الإقفال العام ولا إقفال مطار رفيق الحريري الدولي. ‏ورأس وزير الصحة العامة حمد حسن إجتماعاً للجنة العلمية لمكافحة الأوبئة في وزارة ‏الصحة العامة لتقويم الواقع الوبائي لجائحة كورونا، والبحث في سبل مواجهة تزايد ‏الإصابات، وأوضح أنه "تم اتخاذ قرار عام بفتح البلد لأن أحداً لم يعد يحتمل حال الاختناق ‏الاقتصادي، على الجميع كذلك تحمل المسؤولية في التزام الضوابط وعدم الانزلاق نحو ‏التفشي المجتمعي للوباء‎".‎

‎ ‎

واتخذت اللجنة مجموعة قرارات، وأعطت التوجيهات اللازمة للجنة الفنية لرفع مستوى ‏التدابير والتشدّد بالاجراءات الآيلة الى منع الانتشار، مع وضع غرامات على المخالفين وفقًا ‏للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، منها. تغريم المخالفين للحجر الصحي والمسببين لانتشار ‏الوباء، وضع الكمامة في شكل إلزامي في كل المؤسسات العامة والخاصة والاستشفائية ‏وغيرها، تجنب الاختلاط قدر المستطاع، وجوب توفير أماكن حجر للعمال الأجانب بالتنسيق ‏مع الجهات الأممية، توفير أماكن إلزامية للمصابين في المراكز المخصصة لهم، بوجود أو ‏عدم وجود أعراض في مستشفيات المحافظات‎.‎

‎ ‎

ويُشار في هذا السياق الى أن أزمة النفايات تفاقمت في مختلف أحياء الضاحية الجنوبية ‏أمس وعُزي جانب منها الى اصابة عشرات من عمال التنظيفات بفيروس كورونا، علماً أن ‏المشكلة تتصل أساساً بتسديد مستحقات المقاولين. وأعلن اتحاد بلديات الضاحية مساءً أنه ‏سيبدأ ظهر اليوم عمليات جمع النفايات وكنسها اذا لم تحل الأزمة.‎