شدد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على أنه في لبنان، بسبب الولاءات للخارج والاستتباعات والخلافات على الحصص، والخروج روحًا ونصًّا عن الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطنيّ التي اُقرَّت في مؤتمر الطَّائف، أصبحنا مشرذمين مفكَّكين وفاقدي الثقة بعضِنا ببعضٍ حتَّى وبالدولة والمسؤولين السِّياسيِّين، كما يُعرِب شبَّان وشابَّات "الثورة".
وقال في عظة الأحد من الديمان: "لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة التي شلَّت عملَ المؤسَّسَات، وأمعنَتْ في الانقسام السِّياسيّ، وأهلَكَتِ الحياة الاقتصاديَّة، وأفرغَت الخزينة، ورمَت الشَّعب في حالة الفقر والبطالة والحرمان. فلا من سبيل إلى الخروج من هذه الحالة إلاَّ بالعودة إلى نظام الحياد الناشط المثلَّث الأبعاد كما سنرى".
وأكد الراعي "أنه من أجل بناء وحدتنا الداخليَّة، وحماية كياننا اللُّبنانيّ، والاستقرار، دعوتُ للعودة إلى نهج الحياد الناشط الذي تأسَّست عليه سياسة لبنان الخارجيَّة منذ الاستقلال الناجز سنة 1943. لهذا الحياد ثلاثة أبعاد متكاملة ومترابطة وغير قابلة للتجزئة:
الأوَّل، هو عدم دخول لبنان قطعًا في أحلاف ومحاور وصراعات سياسيَّة، وحروب إقليميَّة ودوليَّة. وامتناع أيّ دولةٍ عن التدخُّل في شؤونه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكريَّة.
الثاني، هو تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الانسان وحريَّة الشُّعوب ولاسيَّما القضايا العربيَّة التي تُجمِع عليها دولها والأمم المتَّحدة. لبنان المحايد يستطيع القيام بدوره في محيطه العربيّ، وهو درو مميز وخاص وتحقيق رسالته كأرض التَّلاقي والحوار بين الديانات والثقافات والحضارات.
الثالث، هو تعزيز الدولة اللُّبنانيَّة لتكون دولةً قويَّةً عسكريًّا بجيشها، تدافع عن نفسها بوجه أيِّ اعتداءٍ، اكان من إسرائيل أو من أيِّ دولةٍ سواها؛ ولتكون دولةً قويَّةً بمؤسَّسَاتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخليَّة، فتوفِّر الخير العامّ وتعالِج شؤونها الداخليَّة والحدوديَّة بذاتها.
واستطرد قائلاً: "لستُ أدري إذا كان أحدٌ يعنيه حقًا خيرُ لبنان وشعبه، وضمانةُ وحدته، وعودتُه إلى سابق عهده المزدهر، يرفض هذا "الحياد الناشط" أو يُشكِّك فيه أو يدَّعي أنَّه لا يلقى إجماعًا أو يَعتبِر أنَّ تحقيقه صعب. وفي كلِّ حال، إنَّ مَن يَسعى يَصِل دومًا بالاتِّكال على الله.
ووجّه الراعي تحيَّةٍ خاصَّة إلى أساتذة الجامعة اللُّبنانيَّة الحريصين على أن تظلَّ "جامعة وطنيَّة" تجمَعُ في كلِّيَّاتها وفروعها أساتذةً وطلاَّبًا من مختلف المناطق والانتماءات والطَّوائف، وترسم صورةً حقيقيَّةً وواقعيَّةً عن ميزة العيش المشترك في لبنان.
ولكنّه لفت من جهة أخرى الى أن الأمور خرجَت عن إطار هذا التَّعاون مع الرِّئاسة الحاليَّة. فثمَّة حاجةٌ إلى إصلاح بعض الخلل فيها من مثل: غياب سلطة القانون وخضوعها للاستنسابيَّة؛ تغييب دور مجلس الجامعة الذي هو الشَّريك الأساسيّ والأهمّ في إدارتها منعًا لسيطرة فريقٍ على الآخرين، ولتجيير القرارات لمصلحته الشَّخصيَّة أو لمصلحة طائفته أو حزبه؛ تعيين عمداء بالتَّكليف بدل التَّعيين بالأصالة وعلى قاعدة اختيار الأصلح والأكثر نزاهةً وحيادًا وكفاءة؛ إعتماد تأجيل البتّ بقضايا أساسيَّة، وهذا يُنذِر بالانفجار.
واعتبر الراعي أنه أمام هذا الواقع، بات مُلحًّا أن تنظر الحكومة والمجلس النيابيّ بروح المسؤوليَّة في أمور هذه الجامعة الرسميَّة الوحيدة، لترسما لها رؤيةً جديدةً في دورها ووظائفها وحضانتها للمبدعين من مختلف المكوّنات الاجتماعيَّة. فتختار لها أفضل قيادة، رئاسةً ومجلسًا. هذه الجامعة التي تضمُّ تسعةً وسبعين ألف طالبًا، وسبعة آلاف أستاذًا، ونحو أربعة آلاف موظَّفًا، وستَّ عشرة كليَّةً، وخمسين فرعًا جامعيًّا، وثلاثة معاهد عليا للدكتورا، إنَّما تحتاج حقًّا اهتمامًا كبيرًا من الدولة اللُّبنانيَّة وحمايةً وتعزيزًا.
وعن عيد الجيش قال الراعي: "إحتفل الجيش اللُّبنانيّ أمس بيوبيله الماسيّ وقد مرَّت خمسٌ وسبعون سنة على تأسيسه. فيَطيبُ لنا أن نقدِّم معكم أخلص التَّهاني لقائده العماد جوزف عون، وسائر القادة والضُّبَّاط والأفراد، راجين لهذه المؤسَّسة الوطنيَّة دوام التقدُّم والازدهار من أجل حماية لبنان وشعبه.
ودعا اللُّبنانيِّين إلى الإلتفاف حوله، والشَّباب إلى الانخراط في صفوفه، فإنَّا نفاخر بكفاءته وقوَّته وشجاعته التي تؤهِّله ليكون حامي الوطن إلى جانب المؤسَّسات الأمنيَّة الأخرى. ونهيب بالدولة أن تمحضه ثقتها، وتؤمِّن له كلَّ حاجاته وبسخاء.
كما تقدّم الراعي أخيراً بالتهاني الى الإخوة المسلمون بعيد الأضحى المبارك.