"براغماتية، وديمقراطية متقلبة".. بهذه العبارة وصفت صحيفة "نيويوك تايمز" الأميركية، كامالا هاريس التي اختارها المرشح الديمقراطي جو بايدن لتكون نائبته في الانتخابات الرئاسية.
لكن الحزب الجمهوري اعترض على هذه التسمية ووصفها باليسارية المتطرفة.
بدوره، أعرب الجناح اليساري عن استيائه من إعلانها نائبة لبايدن، واستقبل الخبر بنوع من البرودة، كما دعا بعض الديمقراطيين إلى مقاطعة التصويت.
انتقدته بشدة
واختار نائب الرئيس الأميركي السابق، السيناتور كامالا من كاليفورنيا كنائبة له لمنصب نائب الرئيس فجر الأربعاء، محتضنا بذلك منافسة سابقة انتقدته بشدة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لكنها ظهرت بعد انتهاء حملتها الانتخابية كمؤيدة صريحة لبايدن ومدافعة بارزة عن تشريع العدالة العرقية بعد مقتل جورج فلويد في أواخر أيار/مايو.
وتعتبر هاريس، البالغة من العمر 55 عامًا، أول امرأة سوداء وأول شخص من أصل هندي يرشحه حزب رئيسي لمنصب وطني، وهي رابع امرأة في تاريخ الولايات المتحدة يتم اختيارها للحصول على بطاقة رئاسية.
وهي تجلب إلى السباق الرئاسي أسلوباً أكثر قوة بكثير من أسلوب جو بايدن، حيث تمتاز بقوة الحجة على مسرح المناظرات، كما تتمتع بهوية شخصية وقصة عائلية يجدها الكثيرون ملهمة.
وأعلن المرشح المفترض عن الحزب الديمقراطي اختيارها عبر رسالة نصية وفي رسالة بريد إلكتروني إلى مؤيديه كاتباً: "أخبار هامة: لقد اخترت كامالا هاريس كزميلتي في الترشح ومعكم، سنهزم ترمب". ومن المتوقع أن يظهر الاثنان معا فى ويلمنجتون، اليوم الأربعاء.
ولعل السؤال الأهم يبقى: كيف وصلت إلى هذا المنصب؟
بعد أن تلاشت مساعيها الرئاسية العام الماضي، اعتبر العديد من الديمقراطيين أن هاريس ستحاول بالتأكيد خوض جولة أخرى من أجل البيت الأبيض في المستقبل. ومن خلال اختيارها كشريك سياسي له الآن، ضمن بايدن لها في حال فوزه، تزعم الحزب الديمقراطي لأربع أو ثماني سنوات".
أمضت هاريس معظم حياتها المهنية كمدعية عامة في ولاية كاليفورنيا.
وكانت تعتبر طوال عملية البحث عن نائب للرئيس، من بين الخيارات الأكثر أمانا المتاحة. فقد كانت حليفًا موثوقًا للمؤسسة الديمقراطية مع أولويات سياسية مرنة تعكس إلى حد كبير أولويات بايدن.
كما أن مؤيديها يرون أنها تعزز جاذبية بايدن بالنسبة للناخبين السود والنساء دون إثارة معارضة شديدة بشكل خاص من قبل اليمين أو اليسار.
ورغم تعقيدات الاختيار لنائب الرئيس، إلا أن كامالا تعتبر اختيارا نوعيا. فقد اعتُبِرَت شخصية صاعدة في السياسة الديمقراطية منذ مطلع القرن، وممثلة واثقة لمستقبل البلاد متعدد الأعراق.
طوال صعودها، أثارت السيدة الخمسينية التي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالبغيضة، حماس الديمقراطيين بقصة تميزها حتى في ولاية كانت تعتبر بوتقة الانصهار السياسي المتنوع التي هي كاليفورنيا، فهي ابنة اثنين من الأكاديميين المهاجرين، من أم هندية أميركية وأب من جامايكا.
ترعرعت في أوكلاند وبيركلي كاليفورنيا، والتحقت بجامعة هوارد في واشنطن العاصمة، وكرست حياتها المهنية في مجال العدالة الجنائية قبل أن تصبح ثاني امرأة سوداء تنتخب في مجلس الشيوخ على الإطلاق.
قصة المناظرة الصعبة
ومع ذلك، كانت هاريس بعيدة عن الاختيار كنائب لجو بايدن، وكان بعض مستشاريه يخفون تحفظات مستمرة بشأنها بسبب أدائها غير الواضح كمرشحة للرئاسة، والكمين الذي نصبته بدقة ضد بايدن في المناظرة الأولى للموسم التمهيدي.
ففي هجوم ترك بايدن يترنح على المسرح أوجزت هاريس تاريخه في العمل مع اليمينيين في السبعينيات لمعارضة الحافلات المختلطة بين البيض والسود كوسيلة لدمج المدارس العامة.
وذكرت هاريس بحادثة شخصية في حينه، قائلة "كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا وقعت ضحية عملية الفصل العنصري في مدرستها الخاصة.. تلك الفتاة الصغيرة كانت أنا".
لكن بايدن لم يرد في حينه سوى بإجابة ضعيفة وباهتة، ما أدى إلى تراجعه في استطلاعات الرأي لبضعة أسابيع وقتها.
في حين عبر مستشاروه السياسيون عن غضبهم مما اعتبروه خيانة ساخرة، ووصفت زوجة بايدن هجوم هاريس على زوجها بأنه "لكمة في البطن".
شاركت في الاحتجاجات
بعد مغادرتها السباق الرئاسي في كانون الأول/ديسمبر، حولت هاريس انتباهها مرة أخرى إلى مجلس الشيوخ ووجدت هدفا جديدا وسط موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد العنصرية المزعومة ووحشية الشرطة.
وسارت إلى جانب المتظاهرين ودافعت بقوة عن المقترحات لإصلاح أعمال الشرطة واعتبار الإعدام خارج نطاق القانون جريمة فيدرالية، وغالباً ما كانت تتحدث بنوع من الوضوح الذي استعصى عليها في الانتخابات التمهيدية الرئاسية حول القضايا الاقتصادية مثل الرعاية الصحية للجميع ورفع الضرائب وهي لب السياسات اليسارية.
مع ذلك، من المرجح أن تواجه السيدة الخمسينية بعض الشكوك من قبل اليسار، فضلا عن هجمات من ترمب، لا سيما حول سجلها كمدعية عامة في سان فرانسيسكو ومدع عام في كاليفورنيا.
وقد كافحت في الماضي للدفاع عن موقفها من بعض القضايا الحساسة للغاية، بما في ذلك قرارها الدفاع عن عقوبة الإعدام في كاليفورنيا في المحكمة على الرغم من معارضتها المعلنة لعقوبة الإعدام.
ومن المتوقع أن يقابل اختيار بايدن لهاريس ببرودة من قبل اليسار، إلا أنه قد يدفع السود لاحتضانها، إذ يعتبرون أهم قوة انتخابية لبايدن داخل الحزب الديمقراطي.
في الواقع، يعكس اختيار كامالا هاريس اعترافا أكيدًا بتنوع التحالف السياسي الديمقراطي والدور التأسيسي الذي تلعبه النساء السود على وجه الخصوص داخل الحزب.
وبدون دعمهن الساحق، يكون من غير المرجح أن يؤمن بايدن ترشيح الحزب الديمقراطي له.
ومن خلال ترشيح امرأة سوداء لمنصب وطني، يبدو أن بايدن يعترف بضخامة ذلك الدين السياسي.
أرقام انتخابية ضعيفة
ويبقى السؤال مفتوحاً إلى أي مدى ستساعد السيناتورة كامالا هاريس جو بايدن وحزبه فيما يتعلق بالخريطة الانتخابية؟
ففي العام الماضي لم تحصل أبداً على دعم قوي في ولايتي كارولاينا الجنوبية ونيفادا المتنوعة، وأشارت أبحاث الرأي التي أجراها فريق بايدن في الأسابيع الأخيرة إلى أنها لم تكن مقنعة بشكل خاص للناخبين السود.
ويمكن أن يكون الأثر السياسي المباشر لاختيار هاريس صامتا نسبيا في حملة تشكلها بشدة قوى على نطاق غير عادي، والأهم من ذلك كله وباء عالمي عطل حياة الملايين.
مع ذلك، كان من الواضح منذ أشهر أن قرار بايدن لمنصب نائب الرئيس سيكون له آثار واسعة على الحزب الديمقراطي، وعلى السياسة الوطنية بشكل عام.
يذكر أنه في حال فوزه في تشرين الثاني، سيصبح بايدن أكبر رئيس على الإطلاق يشغل هذا المنصب، ويعتقد عدد قليل من كبار الديمقراطيين أنه من المرجح أن يسعى إلى الحصول على فترة ولاية ثانية تبدأ بعد عيد ميلاده الثاني والثمانين، ونتيجة لذلك عندما يوافق الديمقراطيون رسمياً على أن تكون السيناتورة كامالا هاريس هي نائبة السيد بايدن هذا الشهر، فقد يكونون قد قاموا بتثبيتها كمفضل قوي لقيادة حزبهم في السباق الرئاسي لعام 2024.
العربية.نت