أخبار لبنان

الحريري يخلط أوراق التكليف ويحشر الحكم

تم النشر في 26 آب 2020 | 00:00

كتبت صحيفة "النهار" تقول‎ ‎ماذا بعدما أحدثت رمية الرئيس سعد الحريري اختراقا كبيرا في ‏جدار المماطلة التي طبعت ‏مسار الاستحقاق الحكومي من خلال التأخير المتمادي في تحديد ‏مواعيد الاستشارات النيابية ‏الملزمة لتسمية الرئيس المكلف؟ وهل يؤدي قطع الحريري الطريق ‏على المناورات ‏والمواقف المتصلة به تأييدا لترشيحه او تحفظا عنه او رفضا له الى دفع ‏الاستحقاق قدما ام ‏الى زيادة تعقيداته؟ وأين سيقف المجتمع الدولي أيضا من الأسماء التي قد تبدأ ‏تظهر تباعا ‏في بورصة المرشحين لتولي رئاسة الحكومة الجديدة باعتبار انه من غير الواقعي ‏تجاهل ‏الرصد الدولي القوي للمشهد السياسي الداخلي فيما ممثلو هذا المجتمع يتزاحمون ‏على ‏التوافد الى بيروت منذ أسابيع؟

هذه التساؤلات المتدافعة بدت منطقية للغاية في ظل واقع لا بد من الاعتراف به كما هو ‏ويتمثل ‏في ان الرئيس سعد الحريري نجح من خلال مبادرته المفاجئة بعد ظهر امس الى ‏اعلان عدم ‏ترشحه لتولي رئاسة الحكومة الجديدة ودعوته الجميع الى سحب اسمه من ‏التداول في هذا الصدد ‏في قلب المعادلة التي حكمت المناخ السياسي منذ ما بعد استقالة ‏حكومة حسان دياب وتحولها ‏حكومة تصريف اعمال. ذلك ان حسم الحريري خياره بإخراج ‏نفسه واسمه من معترك تسمية ‏الرئيس المكلف حاصر في المقام الأول رئيس الجمهورية ‏ميشال عون من خلال تسليط الضوء ‏على ما بات يشكل تجاوزا دستوريا عبر التباطؤ في ‏تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة ‏وربط هذه المواعيد ضمنا ومباشرة بالتأليف قبل ‏التكليف. كما ان الحريري من حيث أراد عمداً ام ‏عفواً حشر جميع القوى السياسية، حتى ‏القوى الحليفة سابقا وحاليا، لدفعها الى بت مواقفها نهائياً ‏وعدم التلطي وراء التجاذب على ‏اسمه بما سيضع هذه القوى امام محك حاسم لفرز المواقف ‏السياسية وهو الامر الذي ‏سيزيد تضييق الحصار على العهد للاحتكام الى الأصول الدستورية ‏بأسرع ما يمكن وقبل ‏الأول من أيلول موعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت‎.‎‎

الخروج من البازار‎

وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ"النهار" ان الحريري اقدم على خطوة ذكية واخرج ‏نفسه ‏من بازار عقيم رافضا اجراء أي تسوية على شروطه من اجل رئاسة حكومة مستقلة ‏وراميا ‏الكرة في ملعب السلطة وافرقائها الذين يجدون انفسهم امام إشكالية استحالة تكرار ‏تجربة حسان ‏دياب لجهة استحضار أسماء غير مقبولة او الأخذ بالمرشح الذي يمكن ان تذكيه ‏كتلة "المستقبل" ‏والطائفة السنية. وتاليا فان على العهد ان يقبل بالتسمية التي سترشحها ‏الطائفة السنية او ‏الاستجابة لها او انه سيكون امام انكشاف كبير. وتضيف المصادر نفسها ‏ان تسمية السفير السابق ‏نواف سلام بعدما سارع في الأيام الأولى للاستحقاق الحكومي ‏رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ‏جبران باسيل الى تسريب تأييد ترشيحه، في اطار رفضه ‏مع رئيس الجمهورية ترشيح الحريري ‏وعودته الى السلطة، ستضع ترشيح سلام في مواجهة ‏مع "حزب الله" الذي يرفضه. وهذه مشكلة ‏سيتعين على قوى السلطة الحالية ان تجد حلا ‏لها في ما بينها. ويبدو واضحا ضمن المعطيات ‏الجديدة عقب اعلان الحريري قراره عدم ‏قبول الترشح، انه ليس في وارد ترشيح أي اسم الا في ‏الاستشارات النيابية الملزمة، ‏ولو ان بعض حلفائه يرددون خيار نواف سلام، اذ ان الرئيس فؤاد ‏السنيورة الذي يدعم ‏ترشيح نواف سلام يرجّح ان يتجه رؤساء الحكومة السابقين الأربعة الى ‏تزكية ترشيحه. ومع ‏ذلك فان أوساطاً معنية بالاستحقاق لم تستبعد ليلا حصول تطور مهم لم ‏تكشف طبيعته ‏من شأنه ان يحرك الجهود للخروج من مأزق التكليف وذلك قبل موعد زيارة ‏الرئيس ‏الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في اول أيلول. واختصر وزير الخارجية الفرنسي ‏جان إيف ‏لودريان الموقف الفرنسي بقوله امس ان "الرئيس ماكرون سيكرر دعوته الى التغيير ‏عندما ‏يزور لبنان مجددا". وقال لودريان "ان كارثة بيروت يجب الا تكون ذريعة لإخفاء حقيقة ‏ان ‏لبنان على شفا الانهيار‎".‎‎

بيان الحريري‎

في أي حال لم يترك الرئيس الحريري مسافات غموض في بيان إعلانه العزوف عن ‏الترشح ‏داعيا الجميع الى سحب اسمه من التداول في هذا الصدد . وتميز البيان على اقتضابه ‏بانه ‏توجه مباشرة الى رئيس الجمهورية داعيا إياه الى "احترام الدستور والدعوة فورا ‏الى ‏الاستشارات النيابية الملزمة عملا بالمادة 53 والإقلاع نهائيا عن بدعة التأليف قبل ‏التكليف". ‏وفي ما بدا انتقادا حادا للعهد ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ‏حمل ‏الحريري على "بعض القوى السياسية الذي ما زال في حال من الانكار الشديد لواقع ‏لبنان ‏واللبنانيين ويرى ذلك فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة ان هدفه الوحيد التمسك ‏بمكاسب ‏سلطوية واهية او حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة‎" .‎‎

وإذ بدا واضحا أن موقف الحريري أدى الى خلط أوراق جديد وعاد التفاوض الحكومي ‏الى ‏النقطة الصفر مضى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم في مهمته بالتنسيق ‏مع ‏رئيس الجمهورية وقام بجولة تشاور جديدة مع القيادات، على أن يبدأ التفاوض مجدداً ‏مع ‏الحريري على المرشح الذي يسميه وكتلته‎.‎

وأكدت معلومات ان الثنائي الشيعي ليس في وارد البحث في مرشح بعد ولا الدخول في ‏سيناريو ‏حكومي شبيه بحكومة الرئيس حسان دياب والمحسوبة على طرف واحد. واوضحت ‏مصادر ‏الرئيس الحريري انه لم يطرح اي اسم لترؤس الحكومة وبيانه واضح بضرورة ‏الذهاب الى ‏الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف. اما رئيس الجمهورية ‏فيعطي وفق أوساطه ‏فرصة جديدة للمشاورات ولتتفق الكتل على مرشح للحكومة لئلا ‏تأتي الاصوات هزيلة لمرشحين ‏غير قادرين على تشكيل حكومة مطلوب منها اجراء ‏اصلاحات وبالتفاف نيابي حولها يلاقي ‏تشريعياً هذه الاصلاحات‎.‎‎

وبالنسبة الى موعد الاستشارات فهناك سقف لهذه المهلة هو يوم الاثنين اي قبل وصول ‏ماكرون ‏وليس واضحاً بعد اذا كان الرئيس عون سيدعو الى الاستشارات ام لا، علما ان ‏التحضيرات ‏اللوجستية لاستقبال الرئيس ماكرون قائمة وستصل مفرزة سباقة من قصر ‏الاليزيه اليوم الى ‏قصر بعبدا تحضيراً لها‎.‎‎

التعبئة أي مصير؟‎

الى ذلك يفترض أن يحسم اليوم الاشتباك المتسع بين السلطة وعدد من القطاعات ‏التجارية ‏والسياحية حول إجراءات الاقفال الجزئي بعد التفلت الواسع ورفض استمرار هذه ‏القطاعات في ‏التزام الاقفال بدءا من اليوم بما يضع الحكومة امام محك بالغ الدقة. وقد ‏دعا رئيس الجمهورية ‏المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع اليوم لدرس تطورات موضوع ‏التعبئة العامة في ظل تطورين ‏وصفا بانهما خطيرين للغاية: العصيان على إجراءات ‏التعبئة وتحدي الدولة والقوانين الامر الذي ‏أرغم وزير الداخلية على توجيه تحذير الى ‏القطاعات المخالفة، والاتساع الخطير في تمدد وباء ‏كورونا بحيث يستمر تسجيل ارقام ‏قياسية في الإصابات. وهذان العاملان سيحددان مسار ‏الإجراءات التي ستقرر في اجتماع ‏المجلس الأعلى للدفاع‎.‎



النهار ‏