كتبت صحيفة "النهار" تقول ماذا بعدما أحدثت رمية الرئيس سعد الحريري اختراقا كبيرا في جدار المماطلة التي طبعت مسار الاستحقاق الحكومي من خلال التأخير المتمادي في تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف؟ وهل يؤدي قطع الحريري الطريق على المناورات والمواقف المتصلة به تأييدا لترشيحه او تحفظا عنه او رفضا له الى دفع الاستحقاق قدما ام الى زيادة تعقيداته؟ وأين سيقف المجتمع الدولي أيضا من الأسماء التي قد تبدأ تظهر تباعا في بورصة المرشحين لتولي رئاسة الحكومة الجديدة باعتبار انه من غير الواقعي تجاهل الرصد الدولي القوي للمشهد السياسي الداخلي فيما ممثلو هذا المجتمع يتزاحمون على التوافد الى بيروت منذ أسابيع؟
هذه التساؤلات المتدافعة بدت منطقية للغاية في ظل واقع لا بد من الاعتراف به كما هو ويتمثل في ان الرئيس سعد الحريري نجح من خلال مبادرته المفاجئة بعد ظهر امس الى اعلان عدم ترشحه لتولي رئاسة الحكومة الجديدة ودعوته الجميع الى سحب اسمه من التداول في هذا الصدد في قلب المعادلة التي حكمت المناخ السياسي منذ ما بعد استقالة حكومة حسان دياب وتحولها حكومة تصريف اعمال. ذلك ان حسم الحريري خياره بإخراج نفسه واسمه من معترك تسمية الرئيس المكلف حاصر في المقام الأول رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال تسليط الضوء على ما بات يشكل تجاوزا دستوريا عبر التباطؤ في تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة وربط هذه المواعيد ضمنا ومباشرة بالتأليف قبل التكليف. كما ان الحريري من حيث أراد عمداً ام عفواً حشر جميع القوى السياسية، حتى القوى الحليفة سابقا وحاليا، لدفعها الى بت مواقفها نهائياً وعدم التلطي وراء التجاذب على اسمه بما سيضع هذه القوى امام محك حاسم لفرز المواقف السياسية وهو الامر الذي سيزيد تضييق الحصار على العهد للاحتكام الى الأصول الدستورية بأسرع ما يمكن وقبل الأول من أيلول موعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت.
الخروج من البازار
وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ"النهار" ان الحريري اقدم على خطوة ذكية واخرج نفسه من بازار عقيم رافضا اجراء أي تسوية على شروطه من اجل رئاسة حكومة مستقلة وراميا الكرة في ملعب السلطة وافرقائها الذين يجدون انفسهم امام إشكالية استحالة تكرار تجربة حسان دياب لجهة استحضار أسماء غير مقبولة او الأخذ بالمرشح الذي يمكن ان تذكيه كتلة "المستقبل" والطائفة السنية. وتاليا فان على العهد ان يقبل بالتسمية التي سترشحها الطائفة السنية او الاستجابة لها او انه سيكون امام انكشاف كبير. وتضيف المصادر نفسها ان تسمية السفير السابق نواف سلام بعدما سارع في الأيام الأولى للاستحقاق الحكومي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الى تسريب تأييد ترشيحه، في اطار رفضه مع رئيس الجمهورية ترشيح الحريري وعودته الى السلطة، ستضع ترشيح سلام في مواجهة مع "حزب الله" الذي يرفضه. وهذه مشكلة سيتعين على قوى السلطة الحالية ان تجد حلا لها في ما بينها. ويبدو واضحا ضمن المعطيات الجديدة عقب اعلان الحريري قراره عدم قبول الترشح، انه ليس في وارد ترشيح أي اسم الا في الاستشارات النيابية الملزمة، ولو ان بعض حلفائه يرددون خيار نواف سلام، اذ ان الرئيس فؤاد السنيورة الذي يدعم ترشيح نواف سلام يرجّح ان يتجه رؤساء الحكومة السابقين الأربعة الى تزكية ترشيحه. ومع ذلك فان أوساطاً معنية بالاستحقاق لم تستبعد ليلا حصول تطور مهم لم تكشف طبيعته من شأنه ان يحرك الجهود للخروج من مأزق التكليف وذلك قبل موعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في اول أيلول. واختصر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الموقف الفرنسي بقوله امس ان "الرئيس ماكرون سيكرر دعوته الى التغيير عندما يزور لبنان مجددا". وقال لودريان "ان كارثة بيروت يجب الا تكون ذريعة لإخفاء حقيقة ان لبنان على شفا الانهيار".
بيان الحريري
في أي حال لم يترك الرئيس الحريري مسافات غموض في بيان إعلانه العزوف عن الترشح داعيا الجميع الى سحب اسمه من التداول في هذا الصدد . وتميز البيان على اقتضابه بانه توجه مباشرة الى رئيس الجمهورية داعيا إياه الى "احترام الدستور والدعوة فورا الى الاستشارات النيابية الملزمة عملا بالمادة 53 والإقلاع نهائيا عن بدعة التأليف قبل التكليف". وفي ما بدا انتقادا حادا للعهد ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حمل الحريري على "بعض القوى السياسية الذي ما زال في حال من الانكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين ويرى ذلك فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة ان هدفه الوحيد التمسك بمكاسب سلطوية واهية او حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة" .
وإذ بدا واضحا أن موقف الحريري أدى الى خلط أوراق جديد وعاد التفاوض الحكومي الى النقطة الصفر مضى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم في مهمته بالتنسيق مع رئيس الجمهورية وقام بجولة تشاور جديدة مع القيادات، على أن يبدأ التفاوض مجدداً مع الحريري على المرشح الذي يسميه وكتلته.
وأكدت معلومات ان الثنائي الشيعي ليس في وارد البحث في مرشح بعد ولا الدخول في سيناريو حكومي شبيه بحكومة الرئيس حسان دياب والمحسوبة على طرف واحد. واوضحت مصادر الرئيس الحريري انه لم يطرح اي اسم لترؤس الحكومة وبيانه واضح بضرورة الذهاب الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف. اما رئيس الجمهورية فيعطي وفق أوساطه فرصة جديدة للمشاورات ولتتفق الكتل على مرشح للحكومة لئلا تأتي الاصوات هزيلة لمرشحين غير قادرين على تشكيل حكومة مطلوب منها اجراء اصلاحات وبالتفاف نيابي حولها يلاقي تشريعياً هذه الاصلاحات.
وبالنسبة الى موعد الاستشارات فهناك سقف لهذه المهلة هو يوم الاثنين اي قبل وصول ماكرون وليس واضحاً بعد اذا كان الرئيس عون سيدعو الى الاستشارات ام لا، علما ان التحضيرات اللوجستية لاستقبال الرئيس ماكرون قائمة وستصل مفرزة سباقة من قصر الاليزيه اليوم الى قصر بعبدا تحضيراً لها.
التعبئة أي مصير؟
الى ذلك يفترض أن يحسم اليوم الاشتباك المتسع بين السلطة وعدد من القطاعات التجارية والسياحية حول إجراءات الاقفال الجزئي بعد التفلت الواسع ورفض استمرار هذه القطاعات في التزام الاقفال بدءا من اليوم بما يضع الحكومة امام محك بالغ الدقة. وقد دعا رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع اليوم لدرس تطورات موضوع التعبئة العامة في ظل تطورين وصفا بانهما خطيرين للغاية: العصيان على إجراءات التعبئة وتحدي الدولة والقوانين الامر الذي أرغم وزير الداخلية على توجيه تحذير الى القطاعات المخالفة، والاتساع الخطير في تمدد وباء كورونا بحيث يستمر تسجيل ارقام قياسية في الإصابات. وهذان العاملان سيحددان مسار الإجراءات التي ستقرر في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع.
النهار