هايد بارك

عن تسمية رئيس الحكومة من أهل بيته - دموع شرقاوي

تم النشر في 31 آب 2020 | 00:00

كتبت دموع شرقاوي: 

منذ أن خرج الرئيس السنيورة معلناً بإسم رؤساء الحكومات السابقين تسميتهم السفير مصطفى أديب لرئاسة الحكومة، حتى انهالت التحليلات والمعلومات الصحفية من كل حدبٍ وصوب حول أسباب وأهداف هذه التسمية وصولاُ إلى توصيفها بعكس ما هي عليه من أهمية سياسية، دستورية وميثاقية.


كش ملك

فعلها الرئيس سعد الحريري و قطع الطريق على كل محاولات التدخل في تأليف الحكومة من حيث شكلها و أعضاءها حتى وإن لم يكن هو المرشح لرئاسة الحكومة. و بعد التشاور مع رؤساء الحكومات السابقين بوصفهم القيادات السياسية السنية السيادية، اتفقوا فيما بينهم على تكليف السيد مصطفى أديب وهو ابن طرابلس لتشكيل حكومة جديدة. و أتت التسمية بعد العديد من الاجتماعات لنادي رؤساء الحكومات السابقين والذي لم يصدر أي تصريح عنهم أو تسريب لمشاوراتهم ومداولاتهم، كما أدت هذه اللقاءات نتيجتها لجهة الضغط على رئاسة الجمهورية بتنفيذ دورها والدعوة الى الاستشارات النيابية أولاً التي أتت مستعجلة بعد مماطلة طويلة وقبل البحث في مسار التشكيل. و في النتيجة فإن هذه التسمية أتت من قبل الكتل السنية الوازنة وحقها في تكليف رئيس حكومة يحظى بالميثاقية " السنية" أسوةً بغيره من المواقع الرئيسية والموزعة ميثاقياُ و دستورياُ.


عدم استنساخ حسان دياب آخر

من التجني والظلم محاولة المقارنة بين حسان الدياب وبين السفير أديب. وللأخير نقاط قوة عديدة جعلت منه مكلفاً لتشكيل حكومة جديدة. وبالإضافة إلى سيرته الذاتية والعلمية، للرجل خبرة كبيرة في العمل السياسي ولديه علاقات خارجية مع الدول الأوروبية. فهو قد شغل سابقاً موقعاُ أكاديمياً مهماً في بلجيكا سمح له بتكوين علاقات مع مسؤولين ومؤسسات سياسية أوروبية، انطلق بها من بروكسل وصولاً إلى تعيينه سفير لبنان في ألمانيا وهو حسن السيرة لناحية عمله كسفير ويؤدي دوراً دبلوماسياً مميزاً انعكس حسن علاقات مع السيدة ميركل وقد بدا ذلك واضحاً من خلال مشاريع التعاون التي قدمتها بين لبنان وألمانيا لجهة ملف الكهرباء وغيرها.


حتماً إن الرئيس المكلف أديب ليس بحسان دياب آخر، فالفرق كبير بين طالب المنصب وبين من يسميه أهله لشغل منصب ما، و هونموذج مختلف عنه ويشبه نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين تميزوا بخاصيات جعلت منهم رؤساء حكومات مقبولين ومعتدلين. إضافة إلى ما سبق فإن أديب هو شخصية غير حزبية لاينتمي لأي حزب سياسي، ورجل اختصاص وكفاءة دستورية وسياسية و يلبي مواصفات الرئيس التي حددها اللبنانيين منذ 17 تشرين حتى الآن. ومن يعرفه جيداً للسيد أديب، يدرك أنه شخصية غير مستفزة سياسياً ويسهل التعامل معه بعيداً عن عامل المنافسة التقليدية للزعامات السياسية في لبنان.


الحريري محدداً أولوياته

لم يفاجئنا صراحة موقف الرئيس سعد الحريري الذي نعرفه جيداً. فهو سبق وحدد أولوياته في الفترة الحالية، مكرراً في أكثر من مناسبة منذ استقالته في أكتوبر 2019 أنه لن يعود إلى رئاسة الحكومة إلا وفق الشروط التي حددها والتي أبلغها للأطراف الداخلية والخارجية. وهي شروط واضحة هدفها نقل البلاد الى حالة أخرى من العلاقة بين الناس والسلطة من جهة وإنقاذ البلد من الجحيم الاقتصادي والمعيشي الذي يعيشهم ن جهة ثانية. وفي الحلقة الأخيرة من برنامج صار الوقت عبر محطة mtv اللبنانية، روت السيدة مي شدياق عن لسان الرئيس سعد الحريري أنه لا يريد أن يكون رئيساً للحكومة بل رئيس تيار. 


إذاُ، حدد الرئيس سعد الحريري أولوياته منذ خروجه الإرادي من الحكومة. ومن ضمنها حتماً إعادة ترتيب البيت الداخلي ليس فقط في تيار المستقبل بل سنياً أيضاُ وظهر ذلك في مشاوراته مع رؤساء الحكومات السابقين المستمرة، و من كان ينتقده سابقاً بالاستفراد بقراراته هو نفسه اليوم ينتقده لمشاركته وتشاوره مع الكتل السنية الأخرى. 


في الخلاصة، لم يحدث يوماٌ في تاريخ لبنان وما شهِده من أزمات أن وقف "السنة" في وجه أية مبادرة أو محاولة للحل وهذا الاعتدال السياسي هو من أهم ما ميّز رؤساء الحكومات المتعاقبين.و من الوضوح الشديد وجود مسعى ومبادرة فرنسية للحل السريع في لبنان ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهذا الجهد مدعوم عربياً ودولياً لأسباب مختلفة. ولكن من السهل على الأطراف والأقلام الداخلية دائما القول بوجود أجندة خارجية وعلى الجميع تنفيذها. وهذا بعيد عن الواقع. فالتدخلات أو المساعي الخارجية موجودة دائما وجدلية العلاقة بين الداخل والخارج لم تنتهي منذ نشوء الدول، ومن الجنون بمكان ما القول عن عدم وجود شخصيات قانونية ومعنوية للكيانات والحكومات وللأطراف الداخلية. وبالتالي فإن التعاون الذي أبداه الرئيس سعد الحريري مع الطرف الفرنسي هو صحيح وغير خارج على أدبياته السياسية، لاسيما وأنه لابد من فك عزلة لبنان التي بدت جريمة فشلت تجربة دياب في خرقها.

وأودّ هنا أن أسرد ما رويَ على مسمعي ذات يوم من شخصية سياسية عما حصل بين الرئيسين رفيق الحريري وعمر كرامي. في التسعينات وبعد تشكيل حكومة الرئيس عمر كرامي، وكان الأخير متواجداً في منزله في بيروت، تلقى اتصالاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري عند الساعة العاشرة والنصف مساءً يطلب منه رؤيته ولكن خارج منزله. وصل الأخير إلى مدخل بيت الرئيس كرامي وأخذه بسيارته في جولة ضمن بيروت وقال له حينها: ( أنا سعيد جدا انك رئيس حكومة لبنان وشايف حجم الدمار في بيروت شو كبير ومن المعيب والمهين بحقنا أن نترك بيروت. فهي عاصمة السنة وشوف مركز رئاسة الحكومة وين موجود. أنا أريد أن أزيل كل هذا الدمار و أريد مساعدتك. أنا أقدم المشاريع والتمويل وأقننع الدول والجهات المانحة وأنت تساعدني في المراسيم والقوانين التي يجب أن تقر في مجلس الوزراء". وافق حينها الرئيس عمر كرامي وعند عودته الى منزله سرد ما حصل لضيفين شماليين كانا بانتظاره. 


واليوم وبعد انفجار 4 آب، فإن الأولوية هي بيروت وإعادة إعمارها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهكذا فعل سعد الحريري.