عرب وعالم

كيف استغل "حزب الله" ألمانيا كـ"ملاذ" لعناصره؟

تم النشر في 6 أيلول 2020 | 00:00

في نيسان 2020، أصدرت ألمانيا قانونًا يحظر على "حزب الله" القيام بأي نشاط في ألمانيا. تعد ‏تلك الخطوة بالغة الأهمية، حيث إن الحظر يشمل كامل أجنحة تنظيم "حزب الله"، بعكس القرار ‏السابق الذي اتبعت فيه ألمانيا موقف الاتحاد الأوروبي في حظر "الجناح العسكري" للتنظيم فقط. ‏ولكن مازال هناك اعتقاد وهمي سائد لدى بعض الدول بأن حزب الله له أجنحة مختلفة، على ‏الرغم من أن حزب الله نفسه يقول إنه لا يوجد سوى منظمة واحدة متكاملة بالكامل تحت قيادة ‏واحدة، وفقا لما جاء في مقال الدكتور ريتشارد بورشيل، كبير الباحثين في معهد "بوصلة" في ‏بلجيكا، الذي نشره موقع مبادرة "عين أوروبية على التطرف‎".‎






الوضع القانوني في ألمانيا

يأتي حظر ألمانيا لتنظيم حزب الله بموجب قانون الشراكة‎ Das Vereinsgesetz ‎لعام 1964 ‏‏(بصيغته المعدلة). وينص هذا التشريع على أنه من الممكن حظر أنشطة الجمعيات إذا كانت تلك ‏الجمعيات تتصرف بشكل مخالف للقانون الجنائي أو النظام الدستوري أو فكرة التفاهم الدولي ‏‏(على النحو المنصوص عليه في المادة 9 (بند 2) من القانون الأساسي الألماني). ويسمح قانون ‏الجمعيات بفرض حظر على المنظمات الأجنبية إذا كانت أنشطتها تتعارض مع المادة 9 (بند 2) ‏من القانون الأساسي، وستنطبق على أي أفراد مرتبطين بالمنظمة الأجنبية العاملة داخل ألمانيا. ‏كما يسمح حظر المنظمة بموجب قانون الجمعيات بمصادرة الأصول من الكيانات التي يُعتقد أنها ‏مرتبطة بها، ويمنع ظهور رموز تلك المنظمة في الأماكن العامة وفي الوسائل الإعلامية‎.‎

"يأتي الحظر على "حزب الله" كنتيجة لأيديولوجيته وأفعاله العلنية التي تتعارض مع النظام ‏الدستوري لألمانيا وفكرة التفاهم الدولي. وتتعارض كل مواقف "حزب الله على وجه التحديد مع ‏القانون الأساسي للدولة. كما أنه من منظور حماية الدستور الألماني، فإن اعتقاد حزب الله ‏بضرورة إدارة الحكومة وفقًا لولاية الفقيه المطلقة يتعارض مع أي مفهوم للسيادة الشعبية ‏والمساءلة، وبالتالي يتعارض مع الدستور الألماني‎.‎

إن المصدر الرئيسي للمعلومات حول "حزب الله" في ألمانيا (والذي بُني عليه جزء كبير من هذا ‏المقال) يأتي من مكاتب حماية الدستور في كل من الحكومة الفيدرالية الألمانية وفي الدولة ‏الألمانية، والتي تعد جزءا من أجهزة المخابرات الداخلية الوطنية المعنية بمراقبة أنشطة المنظمات ‏المتطرفة في ألمانيا‎.‎

وتستند هذه التقارير إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر بالإضافة إلى تدابير أخرى يوافق ‏عليها القانون ولديها مسؤولية قانونية لإبقاء الجمهور على اطلاع لضمان وجود وعي حول ‏التهديدات المحتملة للنظام الدستوري في ألمانيا. ونظرًا لأن هذه أجهزة استخباراتية، فإن التقارير ‏لا تحتوي على تفاصيل أو تفاصيل مهمة حيث يجب الحفاظ على السرية لضمان فعالية العمل ‏الجاري‎.‎

يوضح مكتب حماية الدستور الاتحادي بوزارة الداخلية أن حزب الله يستخدم ألمانيا كـ"ملاذ‎" ‎‎(Rückzugsraum). ‎يُستخدم هذا التوصيف لشرح كيف تمكن حزب الله، رغم عدم عمله رسميًا ‏في ألمانيا، من القيام بأعمال داعمة - مثل جمع الأموال وتنظيم الأنشطة وتجنيد الأعضاء وجمع ‏المعلومات لدعم أنشطته - مع عدم مواجهة أي تدقيق موضوعي. إن المنظمة قادرة على ‏الاستفادة من المجتمع المفتوح الموجود في ألمانيا من أجل حشد الدعم لأنشطته وتنفيذ أيديولوجيته ‏المتطرفة. ويستطيع حزب الله استغلال الحريات السياسية والاقتصادية لألمانيا، إلى جانب ‏المواقف المتسامحة بشكل عام في المجتمع لتعزيز أيديولوجية شديدة التقييد والقمع لا تحمل أيًا ‏من نفس القيم مثل ألمانيا. إن الرسالة المستمرة في التقارير الواردة من أجهزة المخابرات في ‏ألمانيا هي أن أنصار حزب الله في ألمانيا منظمون جيدًا لضمان عدم إخضاع جهودهم للتدقيق، ‏مما يسمح لهم بتنفيذ الأنشطة بأقل ضغط. كما القول بأن حزب الله يستخدم ألمانيا كـ"ملاذ" هو ‏وصف دقيق‎.‎

تاريخ "حزب الله" في ألمانيا

تعود جذور "حزب الله" في ألمانيا وعبر أوروبا إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي. ‏ويوضح ماثيو ليفيت، محلل استخبارات وزارة الخزانة الأميركية السابق، في دراسته لحزب الله: ‏‏"نظر حزب الله إلى أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص على أنها بيئة عمل متساهلة". وفي ‏عام 1987، ألقت السلطات الألمانية القبض على محمد علي حمادي، أحد المتهمين الذين شاركوا ‏في عملية اختطاف طائرة "تي دبليو إيه 847". وتم ضبطه أثناء محاولته نقل مواد كيميائية من ‏ألمانيا للمشاركة في تنفيذ المزيد من الهجمات الإرهابية. ويبدو أن حمادي كان يستخدم ألمانيا ‏كقاعدة ونقطة انطلاق لتنفيذ ممارساته كجزء من شبكات إجرامية في ألمانيا وأوروبا‎.‎

وفي عام 1992، كان "حزب الله" مسؤولاً عن هجوم على مقهى مايكنونوس في برلين حيث ‏قُتل 4 إيرانيين أكراد منفيين. وقام أعضاء تابعون لحزب الله بتنفيذ العملية الإجرامية بالنيابة عن ‏إيران، الداعم الأساسي لحزب الله. وتولى التخطيط والتدبير لهذا الهجوم الإرهابي كاظم درابي، ‏وهو مواطن إيراني كان يعيش في ألمانيا منذ عام 1980، والذي تم كشف صلاته بجهاز ‏المخابرات الإيراني وحزب الله. وكانت هناك محاولة لترحيله عام 1982، ولكن بتدخل من ‏النظام الإيراني، سمحت له الحكومة الألمانية بالبقاء، مما سمح له بمتابعة الدراسة وتكوين أسرة. ‏بقي داربي في ألمانيا واستغل وجوده كناشط في الجمعيات الطلابية وفي أنشطة مسجد برلين، ‏حيث تمكن من تجنيد أربعة أفراد آخرين موالين لحزب الله لتنفيذ الهجوم‎.‎

اصطياد وتجنيد الشباب

وهناك المزيد من الأدلة على وجود حزب الله ونشاطه في تجنيد العناصر لتنفيذ عمليات إرهابية. ‏فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتنق ستيفن سمريك الإسلام وجنده حزب الله في هانوفر في ‏أوائل التسعينيات. سافر إلى لبنان لمزيد من التدريب من قبل حزب الله. واعتقل في إسرائيل ‏وأدين بتهمة دعم منظمة إرهابية (حزب الله) بناء على معلومات بحوزته وكانت فيما يبدو ذات ‏علاقة بهجمات إرهابية محتملة. كما أن هناك أيضًا حالة مماثلة وهي خالد ك.، وهو فلسطيني ‏يحمل جواز سفر إسرائيليًا، جنده حزب الله في أوائل عام 2000 عندما كان طالبًا في كلية الطب ‏في غوتنجن. وعاد إلى إسرائيل ثم قام بجمع معلومات ونقلها إلى حزب الله فيما يتعلق بأهداف ‏مستقبلية محتملة‎.‎

ازدياد عناصر التنظيم في الآونة الأخيرة

وفي السنوات الأخيرة، شهد "حزب الله" دعمًا متزايدًا في الكثير من أنحاء ألمانيا. وتنص النسخة ‏الفيدرالية‎ VsB ‎لعام 2007 من التقرير الاستخباراتي على وجود 900 مؤيد معروف لحزب الله ‏في جميع أنحاء البلاد. وقدرت‎ VsB ‎الفيدرالية لعام 2019 العدد بـ 1050 مؤيدًا‎.‎

وعلى مستوى ألمانيا، يوجد عدد أكبر من أنصار حزب الله في برلين، إذ يقدر عددهم بـ250 ‏عضوا وفي ساكسونيا نحو 160، أما شمال الراين وستفاليا فيقدر عددهم بحوالي 115. كما أن ‏هناك أيضًا مستويات ملحوظة من المؤيدين في بادن ووتنبرغ حيث يصل عدد أعضاء حزب الله ‏هناك إلى 75 وفي راينلاند بالاتينات 55 عضوًا وأخيرًا في بريمن 50 عضوا. تُعد هذه الأرقام ‏دلالية بشكل أساسي، لأنها تستند إلى منهجية التقييمات الأمنية والاستخبارية، وربما لا تشمل ‏بالضرورة الشبكات الأوسع من المتعاطفين أو جمعيات الأعمال التي تعمل عن علم أو عدم دراية ‏نيابة عن أنشطة حزب الله. كما ثبت أن دعم حزب الله في ألمانيا جزء من الشبكات العالمية ‏الأوسع للأنشطة الإجرامية والإرهابية التي يمارسها التنظيم‎.‎

المساجد والمراكز الثقافية

يُشتبه في أن هناك ما يقرب من 30 مسجدًا وجمعية ثقافية مرتبطة بـ"حزب الله" أو متحالفة معه. ‏تتمتع هذه الكيانات بوضع قانوني في ألمانيا وتقوم بعدد من الأنشطة النموذجية لهذه الجمعيات. ‏ومن خلال جمعيات المساجد المحلية يتم توليد الكثير من الدعم والتعاطف مع حزب الله وجمع ‏التبرعات. وتوضح تقارير‎ VsB ‎الاستخباراتية أن جمعيات المساجد تعزز أيديولوجية حزب الله ‏وإيران فيما يتعلق بكل من الدين والسياسة، بهدف تجنيد المزيد من المؤيدين ومحاولة تنظيم ‏أيديولوجية حزب الله" بشكل عام"‎.‎

وفي حين أنه من المرجح أن تقل الأنشطة العلنية والعامة لرابطات المساجد بعد الحظر، سيكون ‏هناك دعم مستمر لحزب الله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. بل إن هناك تقارير عن ‏مركز الإمام رضا الإسلامي في برلين، تتحدث عن إعلان أئمة ورواد للمساجد دعمهم لحزب الله ‏على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدون الثناء على زعيم حزب الله حسن نصر الله، وينشرون ‏صورا لشعار وعلم حزب الله. يشير تقرير‎ VsB ‎الاستخباراتي بشأن بايرن وبرلين أيضًا إلى ‏استخدام وسائل التواصل الاجتماعي محليًا للترويج لرسائل قيادة حزب الله وتكريم الشخصيات ‏القيادية. كما تستضيف جمعيات المساجد هذه قادة حزب الله وأنصاره القادمين من لبنان حيث يتم ‏إلقاء المحاضرات، التي تجتذب أعدادا كبيرة من الحضور‎.‎

ولا تقدم تقارير‎ VsB ‎تفاصيل أكثر بكثير فيما يتعلق بما يحدث في جمعيات المساجد أو مؤشرات ‏لشبكة أوسع من أنصار حزب الله خارج نطاق جمعيات المساجد. وكما هو موضح أعلاه، فإن ‏الكثير من الأنشطة الرسمية لجمعيات المساجد تقع ضمن القانون. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن ‏الرسالة الموجهة من قيادة حزب الله إلى أنصاره في ألمانيا هي عدم التعرض للشرطة وإبقاء ‏مظاهر الدعم الخارجية لحزب الله محدودة. ومن المحتمل أن يكون هذا نتيجة مباشرة لإغلاق ‏منظمة‎ Farben für Waisenkinder eV ‎عام 2014، وهي منظمة غير حكومية، مقرها في ‏إيسن وتولت جمع تبرعات تبلغ حوالي 3.3 مليون يورو بين عامي 2007 و2013. وتم تحويل ‏الأموال التي تم جمعها إلى مؤسسة شهداء حزب الله (شهيد) في لبنان، وهي منظمة تدعم علانية ‏أيديولوجية حزب الله وتمجد استخدام العنف‎.‎

ومما لا شك فيه أن جمعيات المساجد المعروفة التي تدعم "حزب الله" ستخضع لمزيد من التدقيق ‏حيث تم الآن حظر الأعمال العلنية وإظهار الدعم لـ"حزب الله". قد يكون لهذا تأثير غير مباشر ‏فيما يتعلق بالشبكات الإجرامية المعروفة والأنشطة التجارية التي تدعم الوجود العالمي الأوسع ‏لحزب الله، ولكن نظرًا لأن هذه الشبكات غير المشروعة راسخة جيدًا، فربما يكون التأثير ‏ضئيلًا‎.‎

ويؤمل أن يحد الحظر من مظاهر الدعم العلني لـ"حزب الله". في الوقت نفسه، من غير المحتمل ‏إجراء أي تغيير فوري في عمليات وأنشطة جمعيات المساجد، بالنظر إلى الوجود الراسخ لحزب ‏الله ووعي القيادة بضرورة استراتيجية عدم لفت الانتباه إلى الأنشطة غير المشروعة‎.‎

وستكون أبعاد الدعم على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم التعبير عنها لحزب الله منطقة ‏حساسة للمضي قدمًا لأجهزة المخابرات، حيث سيتمكن حزب الله من الاستفادة من الحريات ‏المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. كما أنه من المحتمل أن تستمر الاجتماعات ‏وجهًا لوجه والأنشطة الأخرى خلف الأبواب المغلقة‎.‎

إن التنظيمات المتطرفة مثل "حزب الله" تعمل وفق نظام جيد وقادر على التكيف مع الظروف ‏التي يواجهها. كما أنه لا شك في أن أنصار "حزب الله" سيستمرون في استغلال الإطار ‏الدستوري مستفيدين من التسامح والحريات التي يتمتعون بها في استخدام ألمانيا كـ "ملاذ وملجأ‎".‎





العربية.نت