كتب خيرالله خيرالله

الكويت تجتاز امتحانا آخر

تم النشر في 7 تشرين الأول 2020 | 00:00

اجتازت الكويت امتحانا آخر. تؤكد الكويت مرّة تلو الأخرى قدرتها على السير الى امام في ‏منطقة تحيط بها العواصف من كلّ جهة. تكشف تسمية الشيخ مشعل الأحمد وليّا للعهد ان الكويت ‏دولة مؤسسات قبل ايّ شيء آخر.‏

‏ اختارت الكويت بعد وفاة الشيخ صُباح الأحمد الاستمرارية والاستقرار. بسهولة وسلاسة صار ‏الشيخ نوّاف الأحمد اميرا. بسهولة وسلاسة صار هناك وليّ جديد للعهد. بسهولة وسلاسة سيوافق ‏مجلس الامة على خيار العائلة الذي وقع على الشيخ مشعل‎.‎

تسير الكويت الى امام بخطى ثابتة بعيدا عن الخضات بعدما استطاع الشيخ صُباح الأحمد بحكمته ‏وبعد نظره تمكين الكويتيين من تجاوز الكابوس الذي خلّفه الاحتلال العراقي في العام 1990. ‏اظهر الشيخ صُباح من خلال الممارسة على ارض الواقع ان الكويت لا يمكن ان تبقى أسيرة ‏الماضي وعقده، خصوصا بعدما استطاعت الدفاع عن نفسها وتأكيد انّها دولة تستحق الحياة‎.‎

من بين اهم ما حقّقه الشيخ صُباح تمكين الكويت من الانطلاق مجددا في لعب دور على الصعيد ‏الإقليمي من منطلق تعزيز الوحدة الوطنية أوّلا. لم يكتف بذلك، بل استخدم الحزم عندما دعت ‏الحاجة الى ذلك وعندما راح مزايدون من جماعة الاخوان المسلمين يتجاوزون الحدود المسموح ‏بها وتحدي المؤسسات في دولة تمتلك تجربة ديموقراطية عريقة. كانت هناك مناسبات عدّة ‏اكدت قدرة الشيخ صُباح على الحسم والمرونة في الوقت ذاته. من بين هذه المناسبات طمأنة ‏الكويتيين انّهم جميعا أبناؤه عندما حصل اعتداء دموي على احدى الحسينيات وعندما كشف الامن ‏خليّة العبدلي الإرهابية التي تقف خلفها ايران‎.‎

لا شكّ ان الشيخ مشعل الاحمد المعروف بصرامته وحزمه سيلعب دورا مهمّا، برعاية من امير ‏الدولة في منع أي تجاوز يؤدي الى المسّ بهيبة السلطة وما يفرضه الدستور والقوانين السارية. ‏الكويت دولة القانون ولا مجال لايّ اعتداء على هذا النهج‎.‎

ستستمرّ النهضة العمرانية التي شهدتها الكويت في السنوات الأخيرة التي تغيّرت فيها ملامح ‏العاصمة نحو الأفضل وبشكل حضاري يتسم بالذوق الرفيع. ستستمر الكويت في لعب دور ‏الدولة المتزنة التي تستفيد من تجارب الماضي القريب، على رأسها تجربة الغزو العراقي‎.‎

هناك شوارع كبيرة شقت وهناك متنزهات فتحت وهناك دار اوبرا واحياء جديدة تنشأ. تتطور ‏الكويت بهدوء. اهم ما في التطورات الاخيرة ان انتقال الحكم وترتيب بيت الحكم تما بسلاسة ‏منقطعة النظير. اثبتت هذه الدولة ان المؤسسات فيها حارسة حقيقية للاستقرار وان السرعة التي ‏تم فيها تنصيب الامير الجديد وتزكية الولي الجديد للعهد كانت الرد الحاسم على أطنان التحليلات ‏التي غاصت في بحور التكهنات ووصلت الى ان أقطابًا بعينهم سيفرضون أجنداتهم على ترتيب ‏بيت الحكم‎.‎

في النهاية، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأخ غير الشقيق للأمير الشيخ نواف الأحمد تمت ‏مبايعته بالإجماع وليًا للعهد وهو كان يشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني، وهو الرجل ‏الذي رافق مسيرتي الأميرين الراحلين جابر الأحمد وصباح الأحمد عن قرب وبقي معهما في ‏أيامهما الاخيرة. كذلك، هو الرجل الذي لعب دورا كبيرا في بناء المؤسسات الأمنية الكويتية، ‏ولذلك فهاجس الاستقرار أولويّة لديه‎.‎

اسبوع واحد فقط فصل بين وفاة الامير الشيخ صباح الأحمد ومراسم تنصيب الامير الجديد ‏وتعيين ولي العهد مرورًا باستقبال الوفود المعزية بالراحل الكبير. اسبوع واحد دل على ان ‏الكويت فيها أسرة حكم تعرف كيف تنظم أمورها بسلاسة واقتدار وهو ما سينعكس حكما ‏ايجابيات في القادم من الأيام. سيكشف المستقبل القريب ان الكويت المستقرّة ستساعد في استقرار ‏المنطقة كلّها في ظل تحديات كبيرة تواجه كلّ دولة من دولها. من ابرز هذه التحديات العدوانية ‏الإيرانية والتركية في ظلّ ازمة اقتصادية تسبب بها هبوط سعر برميل النفط في عالم غارق في ‏ازمة كورونا (كوفيد – 19‏‎).‎

مرّة أخرى، استطاعت الكويت اظهار وجهها الحضاري والديموقراطي وانها دولة مؤسسات ‏تستطيع التعاطي مع التغييرات الإقليمية بذكاء ومرونة كما تستطيع الدفاع عن نفسها عن طريق ‏حماية امنها الداخلي اوّلا وأخيرا‎.‎

لا شكّ ان تحديات كبيرة تنتظر الكويت في مقدّمها التحدّي الاقتصادي، لكنّ مما لا شك فيه أيضا ‏انّ هناك املا في المستقبل، وهذا ما سيكشفه تشكيل حكومة جديدة تضم عددا لا بأس به من ‏الكفاءات. الكويت مليئة بالكفاءات التي لن تتردد في وضع معرفتها وخبراتها في خدمة بلد ‏يستحق الحياة فعلا‎.‎