اجتازت الكويت امتحانا آخر. تؤكد الكويت مرّة تلو الأخرى قدرتها على السير الى امام في منطقة تحيط بها العواصف من كلّ جهة. تكشف تسمية الشيخ مشعل الأحمد وليّا للعهد ان الكويت دولة مؤسسات قبل ايّ شيء آخر.
اختارت الكويت بعد وفاة الشيخ صُباح الأحمد الاستمرارية والاستقرار. بسهولة وسلاسة صار الشيخ نوّاف الأحمد اميرا. بسهولة وسلاسة صار هناك وليّ جديد للعهد. بسهولة وسلاسة سيوافق مجلس الامة على خيار العائلة الذي وقع على الشيخ مشعل.
تسير الكويت الى امام بخطى ثابتة بعيدا عن الخضات بعدما استطاع الشيخ صُباح الأحمد بحكمته وبعد نظره تمكين الكويتيين من تجاوز الكابوس الذي خلّفه الاحتلال العراقي في العام 1990. اظهر الشيخ صُباح من خلال الممارسة على ارض الواقع ان الكويت لا يمكن ان تبقى أسيرة الماضي وعقده، خصوصا بعدما استطاعت الدفاع عن نفسها وتأكيد انّها دولة تستحق الحياة.
من بين اهم ما حقّقه الشيخ صُباح تمكين الكويت من الانطلاق مجددا في لعب دور على الصعيد الإقليمي من منطلق تعزيز الوحدة الوطنية أوّلا. لم يكتف بذلك، بل استخدم الحزم عندما دعت الحاجة الى ذلك وعندما راح مزايدون من جماعة الاخوان المسلمين يتجاوزون الحدود المسموح بها وتحدي المؤسسات في دولة تمتلك تجربة ديموقراطية عريقة. كانت هناك مناسبات عدّة اكدت قدرة الشيخ صُباح على الحسم والمرونة في الوقت ذاته. من بين هذه المناسبات طمأنة الكويتيين انّهم جميعا أبناؤه عندما حصل اعتداء دموي على احدى الحسينيات وعندما كشف الامن خليّة العبدلي الإرهابية التي تقف خلفها ايران.
لا شكّ ان الشيخ مشعل الاحمد المعروف بصرامته وحزمه سيلعب دورا مهمّا، برعاية من امير الدولة في منع أي تجاوز يؤدي الى المسّ بهيبة السلطة وما يفرضه الدستور والقوانين السارية. الكويت دولة القانون ولا مجال لايّ اعتداء على هذا النهج.
ستستمرّ النهضة العمرانية التي شهدتها الكويت في السنوات الأخيرة التي تغيّرت فيها ملامح العاصمة نحو الأفضل وبشكل حضاري يتسم بالذوق الرفيع. ستستمر الكويت في لعب دور الدولة المتزنة التي تستفيد من تجارب الماضي القريب، على رأسها تجربة الغزو العراقي.
هناك شوارع كبيرة شقت وهناك متنزهات فتحت وهناك دار اوبرا واحياء جديدة تنشأ. تتطور الكويت بهدوء. اهم ما في التطورات الاخيرة ان انتقال الحكم وترتيب بيت الحكم تما بسلاسة منقطعة النظير. اثبتت هذه الدولة ان المؤسسات فيها حارسة حقيقية للاستقرار وان السرعة التي تم فيها تنصيب الامير الجديد وتزكية الولي الجديد للعهد كانت الرد الحاسم على أطنان التحليلات التي غاصت في بحور التكهنات ووصلت الى ان أقطابًا بعينهم سيفرضون أجنداتهم على ترتيب بيت الحكم.
في النهاية، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأخ غير الشقيق للأمير الشيخ نواف الأحمد تمت مبايعته بالإجماع وليًا للعهد وهو كان يشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني، وهو الرجل الذي رافق مسيرتي الأميرين الراحلين جابر الأحمد وصباح الأحمد عن قرب وبقي معهما في أيامهما الاخيرة. كذلك، هو الرجل الذي لعب دورا كبيرا في بناء المؤسسات الأمنية الكويتية، ولذلك فهاجس الاستقرار أولويّة لديه.
اسبوع واحد فقط فصل بين وفاة الامير الشيخ صباح الأحمد ومراسم تنصيب الامير الجديد وتعيين ولي العهد مرورًا باستقبال الوفود المعزية بالراحل الكبير. اسبوع واحد دل على ان الكويت فيها أسرة حكم تعرف كيف تنظم أمورها بسلاسة واقتدار وهو ما سينعكس حكما ايجابيات في القادم من الأيام. سيكشف المستقبل القريب ان الكويت المستقرّة ستساعد في استقرار المنطقة كلّها في ظل تحديات كبيرة تواجه كلّ دولة من دولها. من ابرز هذه التحديات العدوانية الإيرانية والتركية في ظلّ ازمة اقتصادية تسبب بها هبوط سعر برميل النفط في عالم غارق في ازمة كورونا (كوفيد – 19).
مرّة أخرى، استطاعت الكويت اظهار وجهها الحضاري والديموقراطي وانها دولة مؤسسات تستطيع التعاطي مع التغييرات الإقليمية بذكاء ومرونة كما تستطيع الدفاع عن نفسها عن طريق حماية امنها الداخلي اوّلا وأخيرا.
لا شكّ ان تحديات كبيرة تنتظر الكويت في مقدّمها التحدّي الاقتصادي، لكنّ مما لا شك فيه أيضا انّ هناك املا في المستقبل، وهذا ما سيكشفه تشكيل حكومة جديدة تضم عددا لا بأس به من الكفاءات. الكويت مليئة بالكفاءات التي لن تتردد في وضع معرفتها وخبراتها في خدمة بلد يستحق الحياة فعلا.