أخبار لبنان

اتهام بـ"تعمّد" إهمال ‏الإصلاحات

تم النشر في 2 كانون الأول 2020 | 00:00

المصدر:"لشرق الأوسط "



استبق البنك الدولي لقاء وفد من إدارته الإقليمية مع رئيس الجمهورية ميشال ‏عون أمس، بتوجيه اتهامات مباشرة إلى "صانعي السياسات اللبنانيين"، ‏وتحميلهم مسؤولية "الكساد المتعمد" للاقتصاد الوطني، وهو العنوان الذي ‏اختاره لتقرير مسهب عممه مبكراً، وتوجه بخلاصة صادمة جزمت بربط أي ‏تمويل للانتعاش الاقتصادي، بوجوب استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين، ‏وبين الحكومة والمستثمرين، وبين الحكومة والمانحين. واتهم التقرير السياسيين ‏اللبنانيين بأنهم "تعمدوا" التأخر في اتخاذ إجراءات إصلاحية فعالة؛ ما أدى إلى ‏تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل‎.

وأكد ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، أن ‏‏"غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على ‏تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل". موضحاً أنه "يتعين على الحكومة ‏الجديدة أن تنفذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار ‏في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، واتخاذ تدابير ‏متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية‎".

ونظراً للصعوبات التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطيات كافية من النقد ‏الأجنبي، يعتبر التقرير أن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ‏ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين. لكنه ينبه إلى أن تعبئة ‏المعونات والاستثمارات ومداها وسرعتها، تتوقف على ما إذا كان بإمكان ‏السلطات والبرلمان العمل سريعاً على إصلاحات المالية العامة وإدارة الحكم ‏والإصلاحات المالية والاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها. إذ إنه من دون تلك ‏الإصلاحات، لا يمكن أن يتحقق تعاف مستدام ولا إعادة إعمار، وسيواصل ‏الوضعان الاجتماعي والاقتصادي تدهورهما‎.

ومع التركيز على الشرط المسبق بالتزام صانعي السياسات اللبنانيين بإعادة بناء ‏اقتصاد أكثر إنتاجية وإنصافاً ومرونة، يطرح التقرير خريطة طريق إصلاحية ‏شاملة للمناقشة. وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية. وتضع ‏إصلاحات الحوكمة والمساءلة في مركز الصدارة، إلى جانب تحقيق الاستقرار ‏في الاقتصاد الكلي في إطار سعيها إلى إعادة بناء الثقة. وتتضمن الخطة خمس ‏ركائز أساسية تتضمن: برنامجاً لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وحزمة ‏إصلاحات الحكم والمساءلة، ومجموعة إصلاحات تطوير البنية التحتية، إصلاح ‏الفرص الاقتصادية وحزمة إصلاحات لتنمية رأس المال البشري‎.‎

وفي معرض التشخيص الذي تضمنه التقرير، ورد "أن الافتقار المقصود إلى ‏إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد ‏شاق وطويل، عقب مرور عام على نشوب الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، ‏والذي يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث ‏باتت هجرة العقول تمثل خياراً يائساً على نحو متزايد. ويتركز عبء التعديل ‏الجاري في القطاع المالي بشكل خاص على صغار المودعين الذين يفتقرون إلى ‏مصادر أخرى للادخار، والقوى العاملة المحلية التي تحصل على مستحقاتها ‏بالليرة، والشركات الصغيرة‎".

ويضيف "اختلفت السلطات فيما بينها حول تقييم الأزمة وتشخيصها وحلولها. ‏وكانت النتيجة عدداً كبيراً من التدابير غير المنسقة وغير الشاملة وغير الكافية ‏في مجال السياسات العامة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية ‏والاجتماعية. وأخفقت الحكومة في وضع سياسة للمالية العامة تتسق مع إطار ‏متوسط الأجل للاقتصاد الكلي ذي مصداقية‎".

كما لفت إلى أن دعوة القطاع المصرفي إلى إنقاذ القطاع المالي من قبل القطاع ‏العام لا تتفق مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي دافعي الضرائب. بينما فشلت ‏السلطات النقدية في معالجة أزمة أسعار الصرف وارتفاع التضخم. ولم تتخذ ‏الحكومة بعد التدابير اللازمة للتخفيف من حدة الفقر عبر معالجة الآثار ‏الاجتماعية للأزمات على الأسر الفقيرة والمحرومة من خلال تعزيز شبكات ‏الأمان الاجتماعي‎.

ومن المرجح، بحسب ترقبات معدي التقرير، "أن تستمر معدلات الفقر في ‏التفاقم، لتغطي أكثر من نصف السكان. حيث إن انكماش نصيب الفرد من الناتج ‏المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية وارتفاع التضخم سيؤديان إلى زيادة كبيرة في ‏معدلات الفقر وسيؤثران على السكان من خلال قنوات مختلفة مثل فقدان فرص ‏العمل المنتجة، وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية، وتوقف التحويلات الدولية. ‏ومن المرجح أن تغتنم اليد العاملة العالية المهارة الفرص المحتملة في الخارج؛ ‏مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد‎".

وتوقع تقرير البنط الدولي أن يتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ‏بشكل حاد يصل إلى 19.2 في المائة العام الحالي، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في ‏المائة في العام الماضي، في حين أدى انهيار العملة إلى معدلات تضخم ‏تجاوزت حد 100 في المائة. ويعمل التضخم بمثابة ضريبة تنازلية شديدة، تؤثر ‏على الفقراء والمحرومين بشكل غير متناسب، وكذلك الأشخاص ذوو الدخل ‏الثابت مثل المتقاعدين. وأدى التوقف المفاجئ في تدفق رؤوس الأموال الوافدة ‏إلى استنفاد احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. ولا يزال تحويل ‏الودائع بالدولار إلى الليرة اللبنانية والاقتطاع من الودائع بالدولار جارياُ على ‏الرغم من التزام مصرف لبنان والبنوك التجارية بحماية الودائع‎