تعكس الأوضاع في لبنان تفاقم أزمة تشكيل الحكومة وأتى السجال بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ليؤكد حجم المأزق.
ويربط محللون بين الاحتجاجات الأخيرة في طرابلس، بالضغوط السياسية وتحديدا الضغط في الشارع على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لإخضاعه مع استمرار رئيس الجمهورية وصهره النائب جبران باسيل ومن خلفهما حزب الله بالعرقلة وخرق الدستور وفرض شروطهم.
في المقابل يرى آخرون أن ما يحصل في لبنان ليس سوى "مسرحية" لا تقدم ولا تؤخر في ظل القناعة أن الكلمة الأخيرة هي في الخارج وتحديدا في إيران التي تربط الورقة اللبنانية بمصير المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة.
"مسرحية فاشلة"
يرى المحلل السياسي، الأكاديمي مكرم رباح، أن "تشكيل الحكومة اللبنانية ليس موضوعا محليا وكل ما يحصل هو مسرحية فاشلة".
ويضيف رباح في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن "هم يشنون المعارك في ما بينهم ويحاولون استخدام الاحتجاجات في الشمال والفوض لإيجاد فرصة لأنفسهم لكن هذه المواجهة المحلية منفصلة تماما عن القرار الاقليمي بشأن تشكيل الحكومة، وأي أمر ثان في لبنان هو تمرير للوقت بانتظار القرار الايراني"
ويستنتج المحلل اللبناني أنه "لذا محاولة القول أن ما يحصل في طرابلس هو للضغط السياسي أيضا خارج هذا الواقع، والقرار لا يزال في يد طهران التي تعطل بانتظار اتضاح صورة المفاوضات".
في المقابل، يقول المحلل السياسي، محمد نمر، إنه في الموضوع الحكومي من الواضح أن رئاسة الجمهورية لا تقرأ إلا في كتاب النائب جبران باسيل (صهر عون)، صارفة النظر عن الدستور ومنفصمة عن معاناة اللبنانيين، خصوصا أننا لم نشهد حتى أي اهتمام جدي تجاه تطورات طرابلس.
ويوضح في تصريحات لـ"العين الاخبارية" أن "الرئيس ميشال عون وكما ورد في آخر تصريحاته ضمن إحدى الصحف، أثبت مرة جديدة أنه يريد أن يكون رئيساً للمسيحيين فقط، وليس لكل اللبنانيين. كما أيضا أثبت أنه مستمر في ضرب الدستور وفي محاولات تحويل النظام إلى نظام رئاسي، لفرض أجندات تناسب صهره باسيل وحليفه حزب الله. وهذا أمر مرفوض".
"طريق جهنم"
يرى نمر أن "إصرار رئيس الجمهورية على هذه السياسة، يؤكد بما لا يدعو للشك، أنا لبنان سيبقى على طريق جهنم التي عبّدها العهد بتصرفاته، وبحكومته التي يرأسها الرئيس حسان دياب. وفي الوقت نفسه عدم موافقته على تشكيلة مصغّرة ومن اختصاصيين من غير الحزبيين مشهود لهم بالكفاءة، يعني انه لا يزال في حالة ما قبل ثورة 17 تشرين ويريد حكومة سياسية بامتياز، ويسمي فيها كامل الوزراء المسيحيين، وهو ما يخالف أيضاً الدستور".
وينتقد المحلل السياسي اللبناني مطالبة عون بحصة وزارية قائلا "لا حصة وزارية لرئيس الجمهورية، لأن الدستور أعطاه صفة الحكم وحامي الدستور، وليس صفة الطرف. وهو اليوم يريد أن يحصل على حصة وزارية كان ينتقدها سابقا أيام الرئيس ميشال سليمان. ما يثبت بشكل قاطع أن ميشال عون رئيس المحاصصة وتجاوز الدستور والعهد المنهار".
ويقيم "نمر" ما قام به رئيس الحكومة المكلف قائلا قبل ذلك "أما الرئيس الحريري، فهو قام بكل مهامه الدستوري، من استشارات نيابية غير ملزمة، وتنسيق مع رئيس الجمهورية بـ 14 لقاء، وبتسمية 4 وزراء من الذين اختارهم ميشال عون، وبالتالي سلم تشكيلته الوزارية التي تراعي الوضع اللبناني ومزاج اللبنانيين وتناسب المرحلة لتكون حكومة مهمة تبدأ سريعا بالاصلاحات وبالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومصالحة المجتمعين الدولي وعربي، بعدما حوّل فريق العهد وحزب الله الحكومة برئاسة دياب، إلى منصة لتلبية الأجندة الايرانية".
من هنا يرى "نمر" أن "من يطّلع على وضع ايران ومحورها، يدرك تماما أن لبنان بات يشبه حال ايران، وبالتالي الخلاصة الأكيدة اليوم أن ايران تمسك ورقة الحكومة ولا تريد تشكيلها في لبنان فتساهم عبر حزب الله في صرف النظر عن تجاوزات عون. أما جبران باسيل فهو يريد ان ينتقم من المجتمع الدولي الذي أعطاه صفة (فاسد) عبر قانون ماغنتسكي ويعاقب اللبنانيين بتعطيل الحكومة."
وانطلاق من هذه المواقف الواضحة حتى اليوم، من الواضح بحسب نمر "الحريري لن يعتذر عن مهمة تشكيل حكومة توقف الانهيار، والقصر الرئاسي لن يتراجع عن تنفيذ سياسة الانهيار، ما يؤشر إلى اتساع الفوضى في البلد، ومنها ما حصل في طرابلس، ولا يستفيد من الفوضى في أي بلد سوا الميليشيات ومنها حزب الله."
يربط "نمر" ما حصل في طرابلس بالضغط على الحريري قائلا: "لا أرى في ما يحصل في طرابلس سوى رسالة إلى الرئيس المكلف وتهديد بإشعال المناطق السنية للضغط عليه من أجل التنازل لمصلحة محور العهد وحزب الله، وهذا لن يحصل بسبب الوعي الطرابلسي"
ويؤكد : "نعم الافق مسدود. والحل في القصر الرئاسي، وليتحمل عون مسؤولياته أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي.. وسيذكر التاريخ أن لبنان انهار من أجل طموح الصهر وأجندة حزب الله".
حرب البيانات
تجددت السجالات وحرب البيانات بين عون والحريري إثر حديث نشر اليوم الجمعة في إحدى الصحف المحلية لعون، رافضا فيه طرح الرئيس المكلف حكومة من 18 وزيرا ومطالبا بـ 20 وزيرا ومتهما إياه بفرض حكومة غير متوازنة والتعرض لصلاحيات رئاسة الجمهورية وبالاستئثار بالحصة المسيحية."
وأكد عون أنه "يريد أن يوافق على كل اسم يطرح للتوزير وأنه لن يوقع التشكيلة الحكومية اذا لم تراعي وحدة المعايير."
هذه المواقف ردّ عليها الحريري بموقف عالي السقف أيضا، قائلا في بيان له: "البلاد في واد من المعاناة والعهد القوي (الرئاسة) في وادٍ آخر من اللامبالاة"، مجددا تمسكه بموقفه "لا حكومة الا من 18 ونقطة ع السطر!."
وقال الحريري: "دوائر القصر الرئاسي تريد توجيه الاشتباك الحكومي نحو مسارات طائفية، وهي تنزع بذلك عن رئيس الجمهورية صفة تمثيل اللبنانيين بمختلف أطيافهم لتحصر هذا التمثيل بمسؤوليته عن حصص المسيحيين في الدولة والسلطة والحكومة".
وتابع: "ليس سعد الحريري من يفرّط بحقوق المسيحيين ودورهم ومكانتهم في الدولة والسلطة والمؤسسات ، وإلا لما كان العماد ميشال عون في موقع رئاسة الجمهورية الآن . وإن سعد الحريري ابن مدرسة سياسية عبرت الطوائف منذ عقود وآمنت بالعيش المشترك قولاً وفعلاً ونصوصاً دستورية".
وفيما جدد الحريري إشارته إلى أن عون يستدرج التشكيلة تلقائياً إلى خانة الثلث المعطل، رغم نفي عون ذلك، مجددا تأكيده "السعي لتشكيل حكومة من الاختصاصيين بينما القصر يريد حكومة من الحزبيين".
ووصف الحريري دعمه لانتخاب عون لرئاسة الجمهورية بالمغامرة قائلا: "لقد راهن الرئيس الحريري على فتح صفحة جديدة تنقل البلاد إلى مساحات من المصالحة والإنجاز والإنقاذ الاقتصادي، وهو أقدم على مغامرة انتخاب عون رئيساً ، غير أن الرياح جرت مع الأسف بما لا تشتهي النوايا الطيبة وإرادة العيش المشترك والجهد المطلوب لوقف استنزاف الدولة في حلبات الطوائف".
وختم الحريري البيان قائلا: "أية مخيلة تصنع للرئيس كل ذلك لتبرر له أمام اللبنانيين سياسات التعطيل؟ وأي عقل هذا الذي يريد اشتباكاً طائفياً بأي وسيلة تارة مع هذه الجهة وتارة اخرى مع تلك"
واضاف: "أساليبهم لن تقطع معنا بعد اليوم، ولن نعطيهم فرصة الفرحة بأي اشتباك إسلامي - مسيحي. ولكل مقام مقال إذا شاؤوا ".
وفي رد منها على رد الحريري، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا اعتبرت فيه أن البيان الذي صدر اليوم عن مكتب الحريري احتوى على ردود مغلوطة ومعلومات في غير موقعها الحقيقي.
وقالت الرئاسة اللبنانية: "حرصاً على عدم الدخول في سجال لا طائل منه، نكتفي بالإشارة إلى أنّ الرئيس المكلف من خلال ما جاء في ردّه، مصمّم على التفرّد بتشكيل الحكومة رافضاً الأخذ بملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي تجسّد الشراكة في تأليف الحكومة، استنادا إلى المادة ٥٣ من الدستور. وهذه النقطة الأساس في كل ما يدور من ملابسات حول تشكيل الحكومة خصوصاً أنّ التفرد هو نقيض المشاركة ".
وختم قائلا: "في أيّ حال، وبالمختصر المفيد، لن تكون هناك حكومة تناقض الشراكة والميثاقية والعيش المشترك الحقيقي، المبني على التوازن الوطني وحماية مرتكزاته ".
ومجددا، في رد منه على بيان الرئاسة، كتب مسشار الحريري الإعلامي، حسين الوجه على حسابه على "تويتر" قائلا: "تعقيباً على بيان القصر: رئيس الجمهورية مصمم على فرض معايير غير دستورية والعودة بالبلاد إلى ما قبل الطائف. العهد القوي يعاقب نفسه نكاية بالدستور ".
العين الاخبارية