كتب جورج بكاسيني
يدأب التيار "الوطني الحرّ" منذ فترة على الاستعانة بـ"طربوش" إسمه "التدقيق الجنائي" لفبركة الأضاليل وتغطية "السموات بالقبوات .
أما اليوم ،وبعد دقائق قليلة من انتهاء خطاب الرئيس المكلف سعد الحريري ، فقد أفرغ كل ما يملك من "طرابيش "تحت العنوان نفسه ،من دون أن يكلّف نفسه عناء الإجابة ولو على واحدة من الحقائق الواضحة والصادمة للرأي العام اللبناني التي وردت في خطاب الحريري .
تجاوز التيار كل الوقائع المتعلَقة بأسباب تعثّر تشكيل الحكومة ، وصولاً الى "كبسة الزرّ" ، وعنوانها في بعبدا ، الكفيلة بفتح الباب أمام وقف الانهيار . وصبّ جام غضبه على الرئيس المكلف متّهماً إياه برفض تشكيل حكومة من أجل تجنّب التدقيق الجنائي ، ما يثير المزيد من الشكوك والسخرية في آن ، ذلك أن خطاب الحريري نفسه الذي ألقاه اليوم الواقع فيه ١٤ شباط ٢٠٢١ تضمّن فقرة كاملة تثبت تمسّكه بالتدقيق الجنائي .
من باب التذكير جاء في الخطاب ما حرفيته : "من حقوق المسيحيين واللبنانيين إجراء تدقيق جنائي في المصرف المركزي وفي كل المؤسسات والإدارات والوزارات في الكهرباء والاتصالات وفي السدود والصناديق وفي كل شيء منذ سنة ١٩٨٩ وحتى اليوم ".
معنى ذلك أن إصرار الرئيس الحريري على التدقيق الجنائي هو المشكلة بعينها لسببين :
-الأول أنه طالب بالتدقيق في كل مؤسسات الدولة وإداراتها ،بما في ذلك ملف الكهرباء ، ولم يحصر هذه المطالبة بمصرف لبنان وحده وفقاً لرغبات "الوطني الحرّ".
- والثاني وهو الجرم الأكبر الذي ارتكبه في هذا الخطاب، ويتّصل بدعوته الى إجراء هذا التدقيق منذ العام ١٩٨٩ وليس من العام ١٩٩٢ ،كما يدعو التيار المذكور ، لإبقاء العماد ميشال عون فوق المحاسبة والتدقيق باعتباره واحد من الأنبياء المرسلين .
ليست المرة الأولى التي يطلق فيها "التيار الجنائي" الأحكام قبل التدقيق ، أو المطالبة بمكافحة الفساد على قياسه . مع العلم أن التيار المذكور لم يبدأ بالتدقيق منذ سنة وأكثر رغم أن الحكومة الحالية قامت على قياسه .
إن الرئيس المكلف وتيار "المستقبل" يريدان التدقيق المذكور حتى النهاية ،منذ العام ١٩٨٩ وحتى اليوم . والأسباب بديهية أبرزها :
-أن من حق المسيحيين واللبنانيين عموماً معرفة كلفة الحروب التي تكبّدوها منذ ما قبل اتفاق الطائف.
-أن من حقوق المسيحيين واللبنانيين الإطلاع على كلفة استخدام الجيش اللبناني في الحروب الداخلية .
- ان من حقوق المسيحيين واللبنانيين الوقوف على أثمان الهيمنة على مؤسسات الدولة.
- ان من حقوق المسيحيين واللبنانيين تحديد حجم خسائرهم جراء تعطيل الدولة لمدة عامين ونصف العام لانتخاب رئيس ، وكلفة ضياع أكثر من خمس سنوات في عرقلة تشكيل الحكومات .
- ان من حقوق المسيحيين واللبنانيين الدخول الى مغارة الكهرباء والطاقة والمياه والسدود ، وكيف صُرفت أموال الدعم بعد حرب ٢٠٠٦،والى من ذهبت التعهّدات .
- ومن حق اللبنانيين ، كل اللبنانيين، معرفة أين ذهبت الملايين والتبرّعات التي جمعها جنرال الحروب والإلغاء ميشال عون باسم الشرعية ونقلها معه الى باريس.
من حق اللبنانيين وضع اليد على ملف التهريب وملف التهرّب الضريبي..وأخيراً وليس آخراً كلفة السياسات التي تسبّبت بتخريب علاقات لبنان مع العرب ومع المجتمع الدولي لتضعه في عزلة غير مسبوقة حتى في أوج الحرب الأهلية .
سامح الله الرئيس سعد الحريري لو تجنّب شمول بعض الوزارات والإدارات في التدقيق المنشود ،ولو أخّر موعد انطلاقته عاماً واحداً على الأقل ، لكان وفّر على أغرار التيار الميامين بعضاً الحبر الذي تضاعفت كلفته أيضاً في هذا العهد الميمون .