أخبار لبنان

إعلاميّو القصر يردّون على الراعي

تم النشر في 28 شباط 2021 | 00:00

ردّ أحد الإعلاميين المقرّبين من القصر الجمهوري الزميل داوود رمال على خطاب البطريرك ‏الذي ألقاه (أمس) خلال التجمّع الشعبي الحاشد في بكركي وجاء في مقاله: ‏

في مشهدية بكركي و"المهرجان" الذي إلتف حول البطريرك الماروني بشارة الراعي بطروحاته ‏من الحياد الى التدويل، لا بد من طرح أسئلة وتسجيل ملاحظات من حيث الشكل والمضمون.‏

أولاً، في الشكل:‏

‏– لو كان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير حياً وما زال بطريركاً، هل كان ليسمح ‏بالتعرض وتوجيه الاهانات لموقع رئيس الجمهورية بغض النظر عمن هو شخص رئيس ‏الجمهورية؟ لنتذكر ما حصل في محلة الكحالة قرب عاليه اثناء عودة صفير من احتفال ‏‏“مصالحة الجبل” في المختارة في صيف العام 2001، حيث احتشد معارضون لعهد الرئيس ‏العماد اميل لحود، ورددوا هتافات ضده، فكان أن إنتفض صفير بشدة رافضاً هذه الشعارات.‏

‏– هل كان البطريرك صفير ليسمح بالتعرض لدولة شقيقة او صديقة مهما كانت درجة الخلاف ‏معها، وكيف كان يتصرف عندما تستقبل بكركي وفودا وحشوداً تحاول رفع شعارات ضد سوريا ‏أو غيرها من الدول؟

‏– هل كان البطريرك صفير ليقبل بالتعرض لحزب او طائفة لبنانية، مؤثرة وفاعلة وفي ساحة ‏بكركي، وهو يصغي ويبتسم، وكيف كانت ردة فعله الغاضبة عند سماع هكذا هتافات؟

‏– هل كان البطريرك صفير الذي قاد الانقلاب على الراي العام الذي كان رافضا للطائف ومن ‏ثم قاد المواجهة مع الوجود السوري بعد اندحار اسرائيل عن معظم الاراضي اللبنانية في العام ‏‏2000، هل كان ليرضى ان يحوّل الصرح في بكركي الى ساحة لمهرجان سياسي حزبي؟

هل البطريرك الراعي هو الثائر وعلى ماذا؟ وهل يقبل برفع شعار اسقاط النظام؟ وهل ‏البطريركية المارونية التي تعتبر نفسها “ام الصبي” تريد اسقاط هذا النظام؟ وهل تسنى لها أن ‏تفكر بالبديل؟ وهل إستشار بطريرك الموارنة “الأم” الفرنسية و”الأب” الفاتيكاني؟

‏– هل مطلوب من البطريرك الراعي ان يحوّل موقعه الى لاهوت تحرر بحيث تتقدم الاغنية ‏الخاصة به على الصلاة، وهل يكون لاهوت التحرر بهذا المنطق؟

‏– هل البطريرك الراعي هو الثائر وعلى ماذا؟ وهل يقبل برفع شعار اسقاط النظام؟ وهل ‏البطريركية المارونية التي تعتبر نفسها “ام الصبي” تريد اسقاط هذا النظام؟ وهل تسنى لها أن ‏تفكر بالبديل؟ وهل إستشار بطريرك الموارنة “الأم” الفرنسية و”الأب” الفاتيكاني، قبل أن يشاور ‏‏“الإخوة” و”الأخوات”؟

‏– هل يمكن للبطريرك الراعي أن يطلب من أقرب مستشاريه في هذه الأيام، أن يطلعوه على ‏روزنامة مواعيدهم اليومية المزدحمة باللقاءات مع السفراء والقناصل (على سيرة الحياد)، وهل ‏هذا هو مفهوم الحياد؟

ثانيا، في المضمون:‏

‏– جميل طرح الحياد، انما قبلاً، فليشرح البطريرك الراعي بالعلم الديبلوماسي والعلوم السياسية ‏ان كان يوجد ما يسمى “حياد ناشط” و”حياد فاعل” و”حياد ايجابي”؟

‏– الا يقتضي الحياد موافقة الدول المحيطة بلبنان على هذا الحياد، وان تكون معترفة اساسا ‏بلبنان، هل تم ترسيم الحدود مع سوريا؟ هل يقبل البطريرك الراعي الاعتراف باسرائيل وهل ‏تعترف اسرائيل بلبنان؟ وهل تقبل اسرائيل ترسيم الحدود مع لبنان وفق الخرائط الموجودة في ‏الامم المتحدة؟ وماذا عن موقف بكركي من خرائط حدود البحر التي قدمتها قيادة الجيش اللبناني ‏خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية؟

‏– هل تشاور البطريرك الراعي بكل ما أدلى به مع بطاركة الروم الكاثوليك والروم الارثوذكس ‏والارمن، ام يعتبر نفسه مرجعية المسيحيين الحصرية في لبنان؟

‏– هل تشاور البطريرك الراعي مع المرجعيات الاسلامية، ليعرف ان كان السنة والشيعة ‏والدروز والعلويون يقبلون بهذا الطرح؟

‏– في طرح الحياد، ماذا يصبح لقب البطريرك الراعي، هل يبقى بطريرك انطاكيا وسائر ‏المشرق، ام بطريرك بكركي والمسيحيين من كفرشيما الى المدفون وصولا الى بشري؟

‏– هل سها عن بال “المستشارين” كيف رفض البطريرك صفير أن يرافق البابا يوحنا بولس ‏الثاني في زيارته إلى سوريا.. وقتذاك قيل لصفير من أهل الفاتيكان “لسنا ذاهبين لاجل النظام ‏‏(السوري) انما لاجل رعيتك الموجودة في سوريا”!‏

عندما يقول البطريرك الراعي ان اتفاق الطائف جاء وليد مؤتمر دولي، هل كانت نتائجه ‏لمصلحة المسيحيين وتحديداً الموارنة؟ وهذا سؤال كبير لانه يفتح ابواب النقاش واسعا كون ‏الامور تحولت الى اشبه بما حصل في عهد الرئيس شارل الحلو الذي توفي وهو يبرر بأنه لم ‏يكن على علم باتفاق القاهرة

‏– اليس البطريرك الراعي الذي بدأ بطريركيته بشعار الانفتاح وذهب الى فلسطين المحتلة مستفزا ‏مشاعر مكونات لبنانية اخرى، وذهب الى تركيا وجلس على كرسي مار بطرس في انطاكيا، في ‏اشارة عملية ان كل هذا لنا، والان اصبح بطروحاته في موقع التخلي عنهم عبر الحياد؟

‏– هل سيعلن بطريرك انطاكية وسائر المشرق حياده في أي حرب قبرصية ـ تركية أو سورية ـ ‏إسرائيلية أو حتى لبنانية (أو بين فريق لبناني) ـ إسرائيلية؟

‏– هل هناك من يوثق للبطريرك الراعي أن إسرائيل ومنذ إحتلالها أرض فلسطين في العام ‏‏1948، قضمت قرى لبنانية، بعضها مسيحية (من بين القرى السبع) وإرتكبت مجازر ذهب ‏ضحيتها لبنانيون من كل الطوائف. هل سمع البطريرك مثلاً بإسم الطبيب الشهيد شكرالله كرم إبن ‏بلدة الخيام؟

‏– لو أن مقر البطريركية المارونية في مرجعيون أو رميش أو عين إبل، هل كانت نظرة ‏البطريرك الراعي لتكون هي ذاتها بالنسبة إلى “الخطر الإسرائيلي”؟

‏– لقد استشهد البطريرك الراعي بكلام البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان الرسالة وانه اطلقه من ‏لبنان، وهو اطلقه في 7 ايلول/ سبتمبر 1989 عندما قال “لبنان اكثر من وطن، هو رسالة حرية ‏وعيش معا للشرق كما للغرب”، وذلك في رسالة بعثها الى كل اساقفة العالم حول الوضع في ‏لبنان، وهذه دعوة ورسالة الموارنة عبر التاريخ التي تقوم على الحرية والعيش معاً، وعندما زار ‏البابا يوحنا بولس الثاني لبنان في العام 1997 لم يأت اطلاقا على ذكر عبارة “لبنان الرسالة”، ‏لانه اعتبر انه اعطى اللبنانيين ولا سيما المسيحيين، ما هو اقوى من الرسالة وهو “الارشاد ‏الرسولي” والذي لم يترجم عملياً، مما اضطر لاحقا البابا بنديكتوس السادس عشر، ولم يكن قد ‏انتخب حبرا اعظما الى قول كلام قاسٍ في اجتماعات الجمعية العمومية للسينودوس من اجل ‏لبنان عندما تحدث عن الخلط بين ما هو منسوب للأب بأنه للإبن وما هو منسوب للإبن تقولون ‏انه للروح القدس وما هو منسوب للروح القدس تقولون انه لمريم العذراء، وهذا يسري على ما ‏نسمعه ونشاهده اليوم.‏

‏– للمرة الاولى في “الارشاد الرسولي”، يحدّد البابا يوحنا بولس الثاني جغرافيا امتداد الكنيسة في ‏لبنان عبر الشرق الاوسط: من ايران الى تركيا فالسودان وشمال افريقيا، وبالتالي لا يمكن التخلي ‏عن هؤلاء كلهم والذهاب الى حياد كما يريد البعض ويشتهي، خلافاً لروحية وقيمة بطريركية ‏أنطاكيا وسائر المشرق.‏

‏– وعلى سيرة “المؤتمر الدولي”، يكفي ان يقرأ البطريرك الراعي كتاب هنري كيسينجر تحت ‏عنوان “الديبلوماسية” ليتبين انه من مؤتمر 1814- 1815 الذي عقد في فيينا، وهو اول مؤتمر ‏دولي اسّس وارسى العلاقات الديبلوماسية الحديثة، ليس هناك من مؤتمر دولي عقد من حينه الى ‏يومنا وجاءت نتائجه لمصلحة الدولة او الدول التي انعقد من اجلها!‏

‏– عندما يقول البطريرك الراعي ان اتفاق الطائف جاء وليد مؤتمر دولي، هل كانت نتائجه ‏لمصلحة المسيحيين وتحديداً الموارنة؟ وهذا سؤال كبير لانه يفتح ابواب النقاش واسعا كون ‏الامور تحولت الى اشبه بما حصل في عهد الرئيس شارل الحلو الذي توفي وهو يبرر بأنه لم ‏يكن على علم باتفاق القاهرة (1969)، والبطريرك صفير توفي وهو يقول ان اتفاق الطائف لم ‏يطبق، لذلك؛ من الخطيئة ان تتحول عقدة ما سيذكره التاريخ الى سلوك خيارات يمكن البدء بها ‏ولكن لا يمكن التحكم بنتائجها.‏

‏– يكفي البطريرك الراعي امثولة البطريرك بولس بطرس مسعد عندما استنجد في القرن التاسع ‏عشر بالدول الكبرى وتحديدا فرنسا التي حضرت لمساعدته، فكانت النتيجة تقسيم الامارة الى ‏قائممقاميتين وتصغيرها وسلخ اراضٍ منها واعطاء قسم لولاية عكا وقسم لولاية الشام، وليتحول ‏الصراع داخل القائمقاميتين بين القائمقامية الدرزية والقائمقامية المسيحية، ومن ثم تحول الصراع ‏بين المسيحيين.. وهذا ما يقوله التاريخ من القرن التاسع عشر وحتى “حرب الإلغاء” بين ‏المسيحيين في العام 1990!‏

كان حزب الله منفتحاً على أطياف وشخصيات مسيحية قبيل التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، ‏لكن بعد شباط/ فبراير 2006، صارت الشخصيات المسيحية تتوسل إجتماعا ولو مع مسؤول من ‏الصف الثالث في حزب الله. ليس هكذا تدار السياسة ولا الخصومات أو التحالفات

‏– عند الدعوة الى الثورة، يفترض أن تكون البداية من عند المدارس والجامعات الكاثوليكية التي ‏انهكت اولياء التلاميذ والطلبة والهيئات التعليمية مالياً ويسري ذلك أيضاً على المستشفيات ‏الكاثوليكية، فهل يمكن لبكركي أن تفيد بماذا قدمت لهؤلاء ولتدعيم دورة الإنتاج الوطني وحماية ‏أموال المودعين، ومن رسم الخطوط الحمر حول حاكم مصرف لبنان ورئيس واعضاء جمعية ‏المصارف. وعندما استشهد البطريرك الراعي بالبابا فرنسيس، هل طبق ما طلبه من رجال الدين ‏والقادرة الروحيين للتشبه بالفقر ومساعدة الفقراء؟ ولماذا يرفض الفاتيكان أن تأتي مساعداته ‏للمؤسسات الكاثوليكية في لبنان عن طريق الكنيسة المارونية، ولماذا يريدها أن تأتي حصراً عبر ‏مؤسسات المجتمع المدني؟

‏– السؤال التاريخي الى اي نتيجة انتهت الثورة التي دعا اليها البطريك مسعد وعندما دعم ثورة ‏الفلاحين كيف انتهت؟ اليس بمجازر مارونية ودرزية ومن ثم صراع ماروني – ماروني بين ‏يوسف بك كرم الذي انتهى بالمنفى وطانيوس شاهين الذي عاد ليعمل اجيرا عند المشايخ؟.‏

‏-عند الدعوة إلى الثورة أيضاً وإرتسام هكذا مشهدية في بكركي، هل يمكن أن يفكر من شجعوا ‏على التظاهرة ماذا إذا قرر حزب الله الدعوة إلى تظاهرة مليونية مضادة في الضاحية الجنوبية ‏بعنوان رفض التدويل، عندها، هل يجوز تحويل بكركي إلى دشمة حزبية سياسية ومن يريد ‏إقحامها في الإستقطابات الحزبية والفئوية، وهل هذا هو مجد لبنان الذي أعطي لبكركي؟

‏– هل قرأ البطريك الراعي تاريخ البطاركة اسلافه قبل توجيه دعواته التي يستمر في اطلاقها؟ ‏وقبل الاستشهاد بالبطريركين عريضة والحويك، لا بد من الانتباه الى ان اكثر من حارب الحويك ‏بمسألة اعطائه لبنان الكبير هي فرنسا التي استمرت بالتفاوض سرا مع الملك فيصل على الرغم ‏من اعطاء الوعد للحويك، ولم يعط لبنان الكبير الا بعد اندلاع ثورة الدروز فكان الحل لدى فرنسا ‏بتقوية الموارنة من خلال لبنان الكبير.‏

في الختام، كلمتان في السياسة.‏

الأولى، ثمة مشكلة بين غبطة البطريرك وحزب الله. تقتضي الصراحة القول إن قيادة حزب الله ‏تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عنها. يسري ذلك ليس على العلاقة مع بكركي بل مع أطياف ‏لبنانية عديدة، يختلف معها حزب الله فيقرر مقاطعتها بالسياسة. هذه حاله أيضا مع وليد جنبلاط. ‏عندما “يُغرم” الحزب بشخصية يفيض عليها “غراماً”. كان حزب الله منفتحاً على أطياف ‏وشخصيات مسيحية قبيل التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، لكن بعد شباط/ فبراير 2006، ‏صارت الشخصيات المسيحية تتوسل إجتماعا ولو مع مسؤول من الصف الثالث في حزب الله. ‏ليس هكذا تدار السياسة ولا الخصومات أو التحالفات. لذلك، على حزب الله أن يبادر بإتجاه ‏بكركي، وأن لا يترك ملعبها مفتوحاً أمام “المفاجآت الدونكيشوتية”!‏

الثانية، لا يجوز لا المبالغة ولا التقليل مما حصل في بكركي. أطلق البطريرك الراحل صفير ‏قاطرة العام 2000، إنطلاقاً من العبارة الشهيرة لمجلس المطارنة الموارنة، “بعد أن خرجت ‏إسرائيل، أفلم يحن الوقت للجيش السوري ليعيد النظر في انتشاره تمهيدا لانسحابه نهائياً”؟ لم يكن ‏صفير وحده. كان معه كل أحزاب المسيحيين وجمهورهم ومعه رفيق الحريري ووليد جنبلاط ‏والفاتيكان. من يقف مع البطريرك الراعي اليوم؟ نصف المسيحيين في أحسن تقدير وبلا شريك ‏مسلم واحد وبلا الفاتيكان حتماً.‏

يا صاحب الغبطة الكلي الطوبى، هناك الكثير والكثير من الملاحظات، ولكن باختصار شديد: ‏ليست كذلك نهاية الموارنة اطلاقا.. ما هكذا يُحمى وجود المسيحيين في لبنان!‏