أخبار لبنان

‏"عاصفة البطريرك"… هل تسقط التعطيل؟

تم النشر في 1 آذار 2021 | 00:00

كتبت صحيفة " النهار " تقول : مع ان ذهاب بعض الأوساط الى إدراج يوم الدعم الشعبي ‏لبكركي السبت الماضي وخطاب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امام ‏الحشد في اطار “الاستقلال الثالث” قد ينطوي على مغالاة الى حد معين، فان ذلك لا يقلل الأهمية ‏المفصلية والاستثنائية لدلالات هذا الحدث وما سيليه من تفاعلات داخلية معه سواء عند الضفة ‏المؤيدة او المعارضة لطروحات البطريرك‎.‎

والواقع ان “عاصفة البطريرك” التي حملت مواقفه في الخطاب سواء منها التي استفاض فيها في ‏شرح موجبات طرحيه للحياد الناشط او عقد مؤتمر دولي من اجل لبنان، او المواقف الأخرى ‏البارزة والتي اتسمت بصراحة تامة حيال واقع الدولتين والسلاحين والمحاولة الانقلابية التي ‏تهدف الى السيطرة الكاملة على السلطة لم تكن حدثا عابرا او تطورا يمكن القفز فوقه غدا ‏وتجاهله وطمسه لمجرد مرور الزمن. اذ ان ترددات هذه المواقف بدت بأهمية مضمونها ولن ‏يسع العهد ولا السلطة برمتها ولا “حزب الله ” المضي بعد يوم 27 شباط كما لو ان شيئا لم يكن ‏لان المفاعيل المتدحرجة لهذا الحدث لن تقف عند حدود موعده الزمني فقط. فثمة مناخ ضاغط ‏الى اقصى الحدود انطلق مع هذا اليوم من خلال اجتذاب جمهور معارض بقوة لاستمرار الامر ‏الواقع القسري الذي يمنع أي محاولة انقاذية للبلاد من الانهيارات الكبيرة الماثلة بقوة مفزعة في ‏الفترة القصيرة الاتية‎.‎

ويجزم عارفون ومطلعون بان عاصفة بكركي لن تكون الا الانطلاقة لاعادة تظهير شكل جديد ‏من أشكال الاعتراضات وتصعيد موجات الاحتجاج بعدما تعمد البطريرك الراعي مجددا تثبيت ‏رعاية بكركي لفعل الانتفاضة والثورة كحق طبيعي بديهي للشعب اللبناني. فلم يكن امرا يقل ‏أهمية عن طرحي الحياد والمؤتمر الدولي ان يطلق البطريرك نفير الانتفاضة مجددا من خلال ‏تكراره عبارة “لا تسكتوا” 17 مرة وهو يحض اللبنانيين على مناهضة الامر الواقع القاهر ‏لحقوقهم. لذا يعتقد المطلعون ان محاولات تمييع هذا الحدث او الرهان على عودة رتابة الواقع ‏وطمس كل الترددات التي اثارها وسيثيرها تباعا سيكون بمثابة مضي عبثي في سياسة الانكار ‏وطمر الرؤوس في الرمال كما لن تجدي نفعا سياسة المناهضة الانفعالية لمواقف البطريرك من ‏خلال النفخ بالنزعة الطائفية واستغلالها كما بدأ يحصل مساء امس بتسيير تظاهرة مناهضة ‏للبطريرك في الضاحية الجنوبية او من خلال مضي المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان ‏في رفع شعارات التخوين المستهلكة والتي تثير في وجهه الاستغراب عن سكوته على تبعية ‏فريقه لإيران. ويضيف هؤلاء ان الاحراج الكبير الذي يستشعر الافرقاء الذين طاولتهم حقائق ‏‏“المحاولة الانقلابية” التي تحدث عنها البطريرك يحمل على الاعتقاد بان الطريق الوحيد الذي ‏يمكن سلوكه للحؤول دون تحول عاصفة بكركي الى واقع تصاعدي يهدد بتداعيات كبيرة هو ‏استعجال تأليف الحكومة الجديدة وإزالة المعطلات والتعقيدات التي تمنع ولادتها. اذ ان الكلفة التي ‏ستترتب على التحالف الحاكم والسلطوي عن وضع حد نهائي لتعطيل الحكومة ستكون اقل ‏خطورة من تفلت الوضع وسط التحفز لمحاولات تدويل الازمة من جهة واشتعال الانتفاضة ‏الاحتجاجية على نطاق أوسع هذه المرة من جهة أخرى‎.‎

تحرّك متواصل

وفي السياق نقل عن مصادر قريبة من بكركي انها لن تقف فقط عند مستوى الكلام والمواقف بل ‏تتحضّر لتحرّك ناشط مواكب لمبادرة البطريرك الماروني ويبدأ التحرك محلياً من خلال شرح ‏مبادرة الراعي للمرجعيات السياسية، للوصول الى أكبر تأييد داخلي ممكن لطرح البطريرك. أما ‏في المرحلة الثانية فبكركي ستنظّم مجموعات لبنانية من بين المغتربين لتفسير المبادرة ‏البطريركية في الخارج. ولفتت الى أن البطريرك الراعي لم يكن أبداً مكتوفا في قضية تشكيل ‏الحكومة بل زار معظم السياسيين، لكن تبين له أن فئة معينة اتخذت قرارا بمقاطعة الصرح. ‏وقالت المصادر انه بعد 27 شباط ليس كما قبله والبطريرك سائر الى النهاية في طرحه ‏ومبادرته على الرغم من الضغوط على أمل أن يوصل هذا الحراك إلى خواتيم مرضية للخروج ‏من الأزمات الخانقة التي تعصف بلبنان‎ .‎

وغداة السبت الكبير في بكركي تحدث البطريرك الراعي عن “إحتشاد خمسة عشر ألف شخص ‏لدعم موقف البطريركيّة المطالبة المجتمع الدولي بإعلان حياد لبنان الإيجابيّ الناشط، لكي ينقيّ ‏هويّته ممّا إنتابها من تشويهات، كما إحتشدوا لدعم المطالبة بعقد مؤتمر دوليّ خاص بلبنان ‏برعاية الأمم المتّحدة، بسبب عجز الجماعة السياسيّة عندنا عن اللقاء والتفاهم والحوار وتشخيص ‏المرض الذي شلّ الدولة بمؤسّساتها الدستوريّة وخزينتها واقتصادها وماليتها، فتفكّكت أوصالها، ‏ووقع الشعب الضحيّة جوعًا وفقرًا وبطالة وقهرًا وحرمانًا. فكان لا بدّ للمجتمع اللبنانيّ الراقي ‏والمستنير من أن يشخّص هو بنفسه أسباب هذا الإنهيار وطرق معالجته، بالإستناد إلى ثلاثة: ‏وثيقة الوفاق الوطنيّ والدستور وميثاق العيش معًا، استعدادًا لهذا المؤتمر‎”.‎

‎“‎الحالة الانقلابية‎”‎

وكان ابرز ما تضمنته مواقف البطريرك الراعي في كلمته أمام الوفود الداعمة لمواقفه تشديده ‏على “اننا طالبنا بمؤتمر دولي لأن كل الطروحات رفضت حتى تسقط الدولة ويتم الإستيلاء على ‏مقاليد السلطة”. واعلن “اننا نواجه حالة إنقلابية بكل معنى الكلمة على كل ومختلف الميادين ‏الحياة العامة وعلى المجتمع اللبناني وعلى ما يمثل وطننا من خصوصية حضارية في هذا ‏الشرق”، وقال” نريد من المؤتمر الدولي أن يثبت الكيان اللبناني المعرض جدياً للخطر وأن يعيد ‏تثبيت حدوده الدولية، وأن يجدد دعم النظام الديموقراطي الذي يعبر عن تمسك اللبنانيين بالحرية ‏والعدالة والمساواة،وإعلان حياد لبنان كي لا يعود ضحية الصراعات والحروب وأرض ‏الإنقسامات ويتأسس على قوة التوازن لا على موازين القوى التي تنذر دائما بالحروب. حررنا ‏الأرض فلنحرر الدولة من كل ما يعيق سلطتها وأدائها، والدولة هي الكيان الأسمى ولذلك لا تتقبل ‏الإلتباس والإزدواجية والإستضعاف، فلا يوجد دولتان أو دول على أرض واحدة ولا يوجد ‏جيشان أو جيوش على أرض واحدة ولا يوجد شعبان أو شعوب في وطن واحد، أن أي تلاعب ‏بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة، ونحن هنا نطرح مشاريع حلول لا مشاريع مشاكل، وهي لكل ‏لبنان ولكل اللبنانيين، لأن الحل الحقيقي هو حل لكل الشعب لا لفئة دون سواها “. وإذ اكد تفهمه ‏‏“لصرختكم وغضبكم وإنتفاضتكم وثورتكم” قال ” لا تسكتوا عن تعدد الولاءات ولا تسكتوا عن ‏الفساد ولا تسكتوا عن سلب أموالكم ولا تسكتوا عن الحدود السائبة ولا تسكتوا عن خرق أجواء ‏لبنان ولا تسكتوا عن فشل الطبقة السياسية ولا تسكتوا عن الخيارات الخاطئة ولا تسكتوا عن ‏الانحياز وفوضى التحقيق في جريمة المرفأ ولا تسكتوا عن تسييس القضاء ولا تسكتوا عن ‏السلاح غير الشرعي وغير اللبناني ولا تسكتوا عن سجن الأبرياء وإطلاق المذنبين ولا تسكتوا ‏عن التوطين الفلسطيني ودمج النازحين أو عن مصادرة القرار‎ …”.‎




النهار