يصل البابا فرنسيس الى بغداد غدا الجمعة في زيارة للعراق تستمر أربعة أيام تشمل النجف وسهل أور واربيل وقرقوش والموصل.وسيلتقي المرجع الأعلى للطائفة الشيعية السيد علي السيستاني وعدد من العلماء والفاعليات.
وفي ظل الأوضاع التي يعيشها العراق في هذه المرحلة،توقّع كثيرون أن يلغي البابا رحلته، وعدّها آخرون مخاطرة، مع تفشّي الوباء، والتفجيرين الانتحارين في ساحة االطيران وسط بغداد في كانون الثاني الماضي، وسقوط قتلى خلال قمع الأمن لاحتجاجات في محافظة ذي قار قبل أيام. يضاف إلى ذلك، الإعلان عن إصابة السفير البابوي في العراق، ميتجا ليسكوفار، بفيروس كورونا. وهو من الشخصيات المحورية في التحضير للزيارة على المستويات الدبلوماسية واللوجستية.
كلّ ذلك، لم يدفع الفاتيكان إلى التأجيل، إذ يبدو أنّ فرنسيس مصر على الذهاب إلى مطار روما صباح غد الجمعة، والتوجه إلى بغداد، ومنها، خلال الأيام اللاحقة، إلى كل من النجف وسهل أور واربيل وقرقوش والموصل.
فما هي أسباب هذا الإصرار؟ وما الذي يجعل هذه الرحلة بالذات، “تاريخية”، خصوصاً أنّ هناك بلداناً كثيرة لم يزرها أي بابا بعد، وقد يكون لها أهميّة وازنة مثل روسيا والصين وغيرهما؟
موقع “بي بي سي” كتب في هذا المجال:
حين تدوس قدماه أرض العراق، يحقّق البابا فرنسيس حلماً قديماً لسلفه البابا يوحنا بولس الثاني الذي خطّط عام 2000 لزيارة مماثلة، بهدف الحج إلى مسقط رأس النبي إبراهيم، ضمن رحلته إلى الأراضي المقدسة، مطلع الألفية.
لكن النظام العراقي السابق أعلن، في تلك الفترة، عن عدم قدرته على تنظيم الزيارة، بسبب ظروف الحصار الذي كان مفروضاً على البلاد.
كذلك، أثارت نية البابا الجدل حينها، إذ كتب معارضون لنظام البعث السابق رسالة إلى الحبر الأعظم، طلبوا منه “عدم المضي في مسعاه لزيارة بلاد تقبع تحت حكم ديكتاتوري”.
وبعد نحو عشرين عاماً، نجحت مبادرات لشخصيات كنسية عراقية بإحياء الفكرة، ووجه الرئيس العراقي، برهم صالح، دعوة رسمية للبابا لزيارة البلاد.
رسالة مسبقة
وقد وجه البابا فرنسيس أمس الأربعاء، رسالة إلى الشعب العراقي قبيل زيارته المرتقبة داعياً إلى تشديد روابط الأخوة وبناء مستقبل يسوده السلام.
وجاء في رسالة البابا: “
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء في العراق. وأخيراً سوف أكون بينكم في غضون أيام قليلة. إني أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم، مهد الحضارة العريق والمذهل”. إني أوافيكم حاجاً تائباً. لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب، ولأسأل الله عزاء القلوب وشفاء الجراح”.
وأضاف: “أوافيكم حاجاً يشوقني السلام لأكرر “أنتم جميعاَ إخوة”. أجل أوافيكم حاجاً يشوقني السلام، وأسعى خلف الأخوة، وتدفعني الرغبة في أن نصلي معاً ونسير معاً، ومع الإخوة والأخوات من التقاليد الدينية الأخرى أيضاً، تحت راية أبينا إبراهيم، الذي يجمع في عائلة واحدة المسلمين واليهود والمسيحيين.
وتابع: “أيها الإخوة والأخوات المسيحيون الأعزاء الذين شهدتم لإيمانكم بيسوع في خضم المحن القاسية للغاية، أتوق لرؤيتكم بفارغ الصبر. يشرفني أن ألتقي بكنيسة تميزت بالشهادة: شكراً لشهادتكم، عسى أن يساعدنا الشهداء الكثيرون الذين عرفتم على المثابرة في قوة المحبة المتواضعة. لا تزال في أعينكم صور البيوت المدمرة والكنائس المدنسة، وفي قلوبكم جراح فراق الأحبة وهجر البيوت”.
وأردف في رسالته: “أود أن أحمل لكم عناق الكنيسة بأسرها المفعم بالحنان، الكنيسة التي هي قريبة منكم ومن الشرق الأوسط المتألم، وأن أشجعكم على المضي قدماً. لا تسمحن للمعاناة الفظيعة التي عشتموها والتي تؤلمني كثيراً بأن تنتصر. لا تستسلمن في وجه انتشار الشر، لأن منابع الحكمة العريقة في أرضكم توجهنا لنتخذ سبيلاً آخر، لنفعل مثل إبراهيم الذي فيما ترك كل شيء، لم يفقد الرجاء أبداً، بل وضع ثقته بالله فصار أباً لذرية يعادل عددها عدد نجوم السماء”.
وذكر البابا: “أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلننظر إلى النجوم، وفيها نرى ما وعدنا به الله. إخوتي وأخواتي الأعزاء، لقد فكرت فيكم كثيراً طيلة هذه السنين. فيكم أنتم الذين عانيتم الكثير لكنكم لم تشعروا بالإحباط. فكرت فيكم مسيحيين ومسلمين، وفيكم أنتم الشعوب، مثل الشعب الإيزيدي. فكرت في الإيزيديين الذين عانوا الكثير الكثير. جميعنا إخوة، جميعنا”.
وخلال الرسالة قال: “الآن أوافي أرضكم المباركة والمجروحة، حاجاً يشوقني الرجاء. من وسطكم في نينوى، تردد صدى نبوة يونان التي حالت دون دمار المدينة وحملت رجاء جديداً، رجاء الله. فليملأنا هذا الرجاء الذي يمنح الشجاعة من أجل إعادة الإعمار والبدء من جديد”.
وأوضح “في فترة الجائحة العصيبة هذه، لنساعد بعضنا البعض فنشدد روابط الأخوة ونبني معاً مستقبلاً يسوده السلام. معاً إخوة وأخوات من مختلف التقاليد الدينية. منذ آلاف السنين بدأ إبراهيم مسيرته، وعلينا اليوم أن نواصل هذه المسيرة بالروح نفسها ونجوب دروب السلام معاً”.
وختم رسالته: “لذا فإني ألتمس لكم جميعاً السلام وبركة الله العلي، وأطلب من جميعكم أن تقتدوا بإبراهيم، أي أن تسيروا بالرجاء وألا تتوقفوا عن النظر إلى النجوم. وأطلب منكم جميعاً، من فضلكم، أن ترافقوني في صلاتكم”.