حسين أيوب-موقع 180
ضاع لبنان بين أقدام هذه الطبقة السياسية. مئة سنة من التكاذب اللبناني، عاش اللبنانيون خلالها فصولاً جميلة وقبيحة، لكن حتماً لم يعش من غابوا ولن يعيش من سيأتون ولا من هم على قيد الحياة "أرغد" من هذه الأيام الكالحة السواد!
يكاد العاقل أن يفترض الآتي؛ أما وأن رئيس البلاد قد قرر مخاطبة اللبنانيين في هذه الليلة الظلماء، فإنه قد أخضع خطابه للتمحيص والتدقيق والدرس، وقرر ـ طبعاً مع فريق المستشارين، القديم منهم والجديد ـ أن يفاجىء الجميع: أنا ميشال عون، لا أريدُ شيئاً لنفسي. ليتحمل الرئيس المكلف أوزار التأليف من ألفها إلى يائها وأنا مستعد للتوقيع على التشكيلة الحكومية فوراً. بالمقابل، على من سمّى سعد الحريري وحمى تكليفه وأعطى حكومته الثقة أن يتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور. اللهم إشهد إنني قد بلغت. قد يقول البعض هذا إستسلام وهذا ما يريده الأميركي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي، لكن حقيقة الأمر أن هذا ما يريده الناس. الناس الذين تعبوا وأصابهم القرف ويريدون ترك البلد لهذه السلطة كلها وصارت خياراتهم إما معدومة أو مستحيلة. ميشال عون كان في مرحلة ما بعد 17 تشرين يمارس الإنكار يومياً. ميشال عون إنتقل مؤخرا من الإنكار إلى الإنفصال الكلي عن الواقع. بقي امامنا أن ننتظر المرحلة الثالثة ولن تكون طويلة على الأرجح: سلوك درب الإنتحار. مجدداً، أطل علينا خطاب العام 1989. خطاب التحرير والإلغاء ومن بعبدا بفارق 32 سنة. قال رئيس الجمهورية بالفم الملآن: على رئيس الحكومة المكلف أن يأتي إلى بعبدا وأن يشكل الحكومة بشروطي أنا وإلا عليه أن يعتذر عن التأليف فوراً. رسالة بسيطة جداً وتليق بمقام رئاسة الجمهورية. حرام ميشال عون. ليخرج من يختبىء وراء خطابه ويريد أن يصوّره بأنه “فرعون لبنان”. ليس هكذا يُنهي رجلٌ عسكريُ سيرته وليس هكذا يُخاطب الناس إلا إذا كان هناك من يوهم ميشال عون بأن شعبيته تتصاعد بشكل صاروخي عند المسيحيين، وأنه قبل أن يختم بكلمة “عاش لبنان”، سيُمسي القصر الجمهوري، قصراً للشعب “يجتاحه” جمهور مليوني من كل مناطق وطوائف لبنان ينادي بحياة الرئيس.. ويطالب به رئيساً إلى الأبد.
هكذا تمخض جبل أفكار المستشارين، فكانت ولادة هذا الخطاب الذي لا يمت بصلة إلى الواقع. خطاب يستفز العاقلين. خطاب يحرج الحلفاء قبل الخصوم. ماذا سيقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لجمهوره أو للبنانيين غداً؟ هل سيدافع عن التفاهم مع التيار الوطني الحر وعن خطاب رئيس الجمهورية؟ هل يعلم أن فريقاً كبيراً من اللبنانيين يحمله مسؤولية صمته المريب؟ لم يعد مقبولاً أن يُدفع حزب الله دفعاً وبالقوة إلى إشتباك غصباً عنه هنا أو هناك، وصولاً إلى إتهامه بالإستقواء على البلد كله. لماذا يصر البعض على دفع الحزب إلى لعبة الشوارع وقطع الطرقات؟ من سيكون المستفيد من الإنهيار عندما تكون ضريبته الأولى في الشارع الشيعي نفسه وفي الشارع السني الشيعي ثانياً وفي الشارع المسيحي الإسلامي ثالثاً؟ ماذا تكون قيمة أي تفاهم إذا سقط البنيان على رؤوس الجميع؟ ماذا تكون قيمة أي مشروع إذا أضعنا بلداً إستوجب إستمراره عشرات آلاف الشهداء اللبنانيين ومئات آلاف الجرحى والمهجرين والمهاجرين، منذ مئة سنة حتى يومنا هذا.. والنتيجة صفر، أي ضياع البلد. إنها دعوة صادقة إلى حزب الله أن يغيّر قواعد اللعبة. أن يفاجىء الجميع بخطابه. أن يقول شيئاً يطمئن اللبنانيين.. وإلا ماذا يضمن أن تكون نتيجة خطاب رئاسي كالذي سمعناه الليلة أن نستفيق غداً على دولار بعشرين ألف ليرة.. وهناك من يُصر على التمسك بثلث معطل وحقيبة داخلية ووزارة طاقة؟ معيب ما يجري في هذا البلد، خصوصاً أن الوعد بالشارع والعنف سيجعل الفقراء يقاتلون الفقراء أو الفقراء يواجهون الفقراء في المؤسسات العسكرية والأمنية. بكل الأحوال، سيكون الفقراء هم الخاسرون. ولسعد الحريري نصيحة عفوية: إذهب غدا إلى القصر الجمهوري. قدّم تشكيلة حكومية مختلفة عن تلك التي سلمتها سابقاً، فالبلد لا يتحمل مُزاحاً ثقيلاً، ولتكن تشكيلة جدية لا تتضمن الثلث المعطل لأحد. لتكن حصتك فيها هي الأقل. حتى المقاعد السنية وزّعها على إختصاصيين من غير المنتمين إلى تيار المستقبل. أنت لست بحاجة إلى الثلث المعطل. موقعك هو أكثر من هذا الثلث. بادر وقدّم التشكيلة وعمّمها على الإعلام فور خروجك من القصر الجمهوري. لن يُصدقك أحد إذا لم تبادر إلى شيء من هذا القبيل. إما أنك تريد تأليف حكومة ولا شروط خارجية تكبلك أو فليكن التأليف بأفضل شروط لمصلحة البلد من أجل لجم هذا الجنون.. إذا لم يكن هذا أو ذاك، فليكن الإعتذار، بدل أخذنا إلى معركة رئاسية مبكرة ستُحرق البلد والليرة والأسعار.. وقصور كل المسؤولين.