مجتمع

كورونا وتأثيره الاجتماعي على البشر.. مفاجآت صادمة

تم النشر في 23 آذار 2021 | 00:00

بعد وقت قصير من ظهور فيروس كورونا المستجد، كان واضحاً للجميع أن الحياة على وشك أن ‏تتغير، وربما بأسلوب لا عودة فيه لحياتنا الماضية.‏

في التفاصيل، انتشرت مناقشات حول الوضع الجديد للبشرية على وسائل التواصل الاجتماعي، ‏وفي الصحافة والإعلام والمنشورات العلمية، إلا أنه لم يكن واضحاً كيف ستبدو الحياة.‏

فإلى جانب التباعد الاجتماعي أو العمل والتعليم من المنزل، قدّم النقاد والسياسيون والمشاهير ‏على حد سواء تنبؤاتهم ووصفاتهم، وكذلك فعل بعض علماء السلوك والاجتماع.‏

كما قامت مجموعة من العلماء تضم كلاً من مايكل فارنوم، أستاذ في قسم علم النفس بجامعة ‏ستيت أريزونا، وسيندري هاتشيرسون، أستاذة مساعدة ورئيسة أبحاث في قسم علم النفس ‏بجامعة تورنتو الكندية، وإيغور غروسمان أستاذ مشارك في قسم علم النفس بجامعة واترلو ‏الكندية، والذين يتشاركون الاهتمام بفهم كيف يمكن للعلوم الاجتماعية والسلوكية أن تساعد على ‏توفير النتائج العلمية لدعم السياسة العامة على أفضل وجه، باغتنام الفرصة الذهبية لاختبار مدى ‏دقة وصحة ما ذهب إليه الخبراء في تحليلاتهم.‏

إلى أن بدأ مشروع واسع النطاق في أبريل/نيسان من عام 2020، يهدف إلى تتبع مدى توقع ‏علماء الاجتماع والسلوك بما في ذلك علماء النفس الاجتماعي والسريري، وخبراء الأحكام ‏واتخاذ القرار، وعلماء الأعصاب، والاقتصاديون، وعلماء السياسة، بدقة توقع تأثيرات كوفيد-‏‏19 على مجموعة من المجالات النفسية والسلوكية - بدءًا من الرضا عن الحياة والشعور بالوحدة ‏إلى التمييز والتحيز والجرائم العنيفة في الولايات المتحدة كنموذج.‏

كما قام العلماء بتكليف مواطنين أميركيين عاديين بالإعراب عن آرائهم وتوقعاتهم أيضا، وتم ‏تقييم دقة هذه التوقعات والتحليلات بعد انقضاء نحو نصف عام.‏

نتائج مثيرة للدهشة

وكان الأمر المثير للدهشة أن التدفق المستمر لنتائج الأبحاث يشير إلى أن تغيرا أقل بكثير مما ‏يمكن أن يتوقعه المرء، وفي دراسة ممولة من مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية شارك فيها أكثر ‏من 15000 متطوع في البحث من جميع أنحاء العالم، أظهر الدافع فقط لتجنب الأمراض المعدية ‏تحولًا ذا مغزى من خطوط الأساس السابقة للوباء.‏

فيما يعد هذا التطور طبيعي وغير مفاجئ، وبالإضافة إلى تلك الأدوات توافرت طرق أخرى ‏لتقييم التغيير بصورة مماثلة، من بينها استخدام بيانات المسح من عينات كبيرة، والتي كشفت أنه ‏لم يكن هناك تغيير يذكر في 10 مجالات متنوعة لعلم النفس والسلوك البشري، بدءًا من الرفاهية ‏الذاتية ووصولًا إلى الرفاهية التقليدية، والتي ربما كان من المتوقع أن تظهر حركة دراماتيكية.‏

توقعات غير دقيقة

كانت هذه النتائج غير متوقعة من قبل الكثيرين، بما في ذلك الخبراء في السلوك البشري ‏والديناميكيات الاجتماعية في دراساتنا، والذين تبين أن تنبؤاتهم غير دقيقة بشكل عام. تم استبعاد ‏‏20% من المشاركات، نظرًا لاعتبارها خارج السياق حيث احتوت على آراء متطرفة، فيما توقع ‏أقل من نصف المشاركين بشكل صحيح اتجاه التغييرات. وجاءت النتائج مغايرة للتوقعات في ‏مجال جرائم العنف، حيث لوحظ زيادة بنسبة 20% من الربيع إلى أواخر الخريف. ومن ‏المفارقات أن هذا كان مجالًا لم يتوقع فيه المشاركون أي تغيير تقريبًا.‏

وأشارت نتائج دراسة مجموعة العلماء الأميركيين والكنديين إلى أداء الخبراء والمتخصصين لم ‏يكن أفضل من الأشخاص العاديين في المجموعة الضابطة، حيث قدموا تنبؤات متطابقة تقريبًا، ‏وغير دقيقة بنفس الدرجة لتأثيرات الجائحة على مجموعة واسعة من الظواهر. حتى المقاييس ‏الأكثر دقة للخبرة، مثل مقدار تدريب الفرد في العلوم الاجتماعية أو الخبرة في دراسة الظاهرة ‏المحددة التي يتم توقعها، لم تُظهر أي علاقة بالدقة.‏

بأثر رجعي

كما ذهب العلماء إلى احتمال أن الخبراء ربما كانوا أفضل في الحكم على الاتجاهات موضوع ‏الدراسة بأثر رجعي، لذا لجؤوا إلى استيفاء هذا الاحتمال، حيث تم في أواخر أكتوبر وأوائل ‏نوفمبر تكليف عينات من العلماء الاجتماعيين والسلوكيين والأشخاص العاديين بالقيام بعمل تقدير ‏لمدى التغيير الذي حدث في مجموعة متنوعة من المجالات بسبب كوفيد-19 على مدار الأشهر ‏الستة الماضية.‏

ومن المثير للاهتمام أن هذه التقديرات بأثر رجعي كانت مشابهة جدًا للتنبؤات، التي تم إجراؤها ‏في الربيع، ولكن مثل تلك التوقعات كانت أيضًا النتائج بعيدة كل البعد عن الاتجاهات الفعلية، ‏حتى مع الاستفادة من الإدراك المتأخر، لا يزال الجميع، بمن فيهم الخبراء، يخطئون في تقدير ‏تأثيرات كوفيد-19.‏

السر وراء أخطاء الخبراء

ببساطة، كانت عملية التكهن أو التوقع صعبة للغاية بشكل خاص على مستوى الخبراء.‏

وترجح الدراسة أن السبب ربما يرجع إلى عدد من العوامل، من أهمها الثقة المفرطة وإهمال ‏المعدل الأساسي وهو الميل إلى رؤية كل حدث على أنه فريد من نوعه على حساب النظر في ‏كيفية حدوث أحداث مماثلة في الماضي.‏

على نفس المنوال، حدد دانيال كانيمان وزملاؤه العديد من التحيزات المعرفية التي تدفع الخبراء ‏إلى وضع توقعات سيئة خاطئة، من بينها المبالغة في التأكيد على دور الأحداث الجارية البارزة، ‏والسرعة الشديدة في إصدار الأحكام، والبطء الشديد في تغيير رأيهم في ظل ظهور مجموعة من ‏الأدلة الجديدة.‏

فريسة للاستدلالات المتحيزة

لا يقدم الشخص العادي أو غير المتخصص أيضًا توقعات أفضل أو دقيقة، لأنه يقع فريسة لعدد ‏من الاستدلالات والتحيزات في منطقه، كما أوضح كانيمان ومساعده منذ فترة طويلة عاموس ‏تفيرسكي في مشروع بحثي حصلا على جائزة نوبل تكريمًا عليه.‏

ويفتقر الأشخاص بما فيهم الخبراء بشكل خاص إلى القدرة على التنبؤ بمشاعرهم المستقبلية، أو ‏سوء تقدير شدة ومدة ردود أفعالهم العاطفية تجاه أحداث مثل الفوز في اليانصيب أو التعرض ‏لانفصال مؤلم.‏

إلى ذلك، تشير الدراسة إلى أنه على الرغم مما تم رصده من أخطاء في التوقعات فإن هذا لا ‏يعني أنه يجب على الناس تجاهل نصيحة علماء السلوك والاجتماع. ويشير الباحثون إلى أن ‏هناك أمثلة لا حصر لها للتطبيق الناجح للنظرية والبحوث من مجالات علم السلوك والاجتماع إلى ‏مشاكل العالم الحقيقي. إن التنبؤ أو التوقع هو مجرد مجموعة فرعية واحدة من الخبرات - وربما ‏هو الأصعب.‏

وعندما يتعلق الأمر بالتوقعات، يبدو أن هؤلاء الخبراء في السلوك البشري والديناميكيات ‏الاجتماعية يتمتعون بميزة واحدة على الأقل، وهي أنهم أكثر وعيًا بحدودهم الخاصة. في مجال ‏علم السلوك والاجتماع، على حد قول الباحثين، لم يكن الخبراء متنبئين متفوقين، لكنهم كانوا أكثر ‏تواضعًا، إذ كانت مجموعات العلماء والخبراء الذين شاركوا في الدراسة أقل ثقة بكثير في ‏توقعاتهم من الأشخاص العاديين، مما يدلل على أنهم يعرفون أن تنبؤاتهم المحددة يجب أن تؤخذ ‏بعين الاعتبار.‏

كيفية تحسين الأداء

تجعل استراتيجيات التفكير المتشابهة الناس أفضل في التنبؤ بمشاعرهم المستقبلية، كما أن ‏التدريب على أخذ وجهة نظر المراقب المنفصل يمكن أن يعزز احتمالية هذا النوع من التفكير.‏

علاوة على ذلك، أظهر العمل الأخير لبروفيسور فيليب تيتلوك، أستاذ علم النفس بكلية أنينبيرغ ‏بجامعة بنسلفانيا والذي شارك في تأليف كتاب التنبؤ الفائق، ومعاونيه أن تدريبا قصيرا في ‏التفكير الاحتمالي يحسن قدرة الأشخاص على التنبؤ بالأحداث الجيوسياسية.‏

إلى ذلك، تعد الممارسة أحد الطرق الرئيسية الأخرى لتحسين دقة التوقعات والتنبؤات، وبصرف ‏النظر عن التدريب على طرق التفكير، فإن المزيد من الممارسة في التنبؤ تعزز دقة التنبؤ، إلا أن ‏ما يحدث هو أنه يتم تدريب خبراء العلوم السلوكية والاجتماعية بشكل عام على التفسير أكثر من ‏التنبؤ والتوقع.‏





العربية.نت ‏