منوعات

‏ للعام الثاني.. كورونا يحرم المغاربة من احتفال "شعبانة‎"‎

تم النشر في 29 آذار 2021 | 00:00

للسنة الثانية على التوالي، تتسبب جائحة كورونا في تغييب العديد من الطقوس التي ‏اعتاد عليها المغاربة في شهر شعبان، ومن بينها طقس "شعبانة"، الذي دأبت العديد ‏من الأسر المغربية، والمؤسسات، والزوايا والمساجد، بل وحتى المسارح، على ‏تنظيمه في منتصف شهر شعبان‎.‎

ويقام طقس "شعبانة" مع قرب شهر رمضان، وتحرص العائلات على تبادل ‏الزيارات لأجل تجسيد اللحمة الاجتماعية والدفء العائلي والترويح عن النفس‎.‎

ولأن التجمعات العائلية الكبيرة، لم يسمح بها بعد، والمسارح والمؤسسات الثقافية ‏والفنية ما زالت أبوابها مغلقة بسبب جائحة كورونا، فقد استعاض الفنانون والأفراد ‏عن الحفلات الواقعية بالحفلات الافتراضية عن بعد، عبر تقديم وصلات موسيقية ‏صوفية، ولقطات من حفلات سابقة جمعت العائلات مع بعضها، في انتظار الانتهاء ‏من حالة الطوارئ المفروضة بسبب هذا الوباء، الذي غير من إيقاع حياة المغاربة، ‏ومن عاداتهم واحتفالاتهم‎.‎

وقد تختلف طقوس الاحتفال بـ "شعبانة" من منطقة إلى أخرى في المغرب، لكنها ‏كلها تظل موروثا شعبيا اجتماعيا تقليديا توارثته الأجيال، واحتفالات دينية يتخللها ‏الذكر والمديح النبوي، وتلاوة القرآن، والسماع الصوفي، فيقوم الرجال بإحيائها في ‏المساجد والزوايا الصوفية، بينما تحتفل النساء في البيوت في حفل بهيج تتخلله ‏الموسيقى والرقص والأغاني والأهازيج، وترتدي فيه النساء أحلى ما لديهن من ‏ألبسة تقليدية مغربية، ويتزين بالحلي، ويخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء‎.‎

مظهر للثقافة المغربية

وعن هذا الطقس يقول الكاتب والفنان التهامي الحراق، في تصريح لـ "سكاي نيوز ‏عربية" إنه واحد من أهم المظاهر الاجتماعية الشعبية في الثقافة المغربية، الذي ‏يكون فيه استحضار للذكر والمديح، يبدأ من منتصف شهر شعبان، ويمتد إلى ‏مشارف رمضان، له قيمة دينية كبيرة، فهو "احتفال واحتفاء للاستعداد لاستقبال ‏شهر رمضان الفضيل، وليلة نصف شعبان ليلة مباركة، فيها ترفع الأعمال، وتحيى ‏بهذه المناسبة احتفالات كبرى في الزوايا الصوفية، ويتلى فيها القرآن، والأذكار ‏والأمداح والسماع الصوفي‎".‎




ويضيف الحراق، المسؤول الثقافي والفني لـ"مجموعة الذاكرين للمديح والسماع ‏الصوفي"، أن "شعبانة" تقوم أساسا على الاجتماع وصلة الرحم، والقيام بحفلات ‏يحضر فيها الذكر والمديح النبوي، وثقافة التراحم، تعقد فيها الموائد ويجتمع فيها ‏الأهل والأحباب، وهذا الطقس يختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن وظائفه ‏التذكيرية بقيمة شهر شعبان والاستعداد لقدوم شهر الصيام والعبادة، والاجتماعية ‏المتمثلة في التلاحم والتآزر، وتجديد صلة الرحم، ومحو الغبش، الذي يمكن أن ‏يكون قد أصاب العائلة أو الأفراد، تظل حاضرة‎.‎

ويشير الفنان التهامي الحراق، الذي أحيى حفلات "شعبانة" في المسرح الوطني محمد ‏الخامس بالرباط في السنوات السابقة، إلى أن الظروف الحالية حالت بيننا وبين ‏الاحتفال بهذه المناسبة بالشكل الذي نرتئيه، ولكن في المقابل برزت أشمال أخرى ‏للاحتفال عن بعد، من خلال التواصل بين بعض العوائل، والقيام بأنشطة عن بعد، ‏وتقديم وصلات إنشادية عيساوية أو حمدوشية، أو عيرها من أشكال الحضرة ‏الدينية، وذلك بهدف التذكير بهذه المناسبة‎.‎

ويوضح أنه رغم أهمية هذا الطقس، فإن "هناك من كان ينظر إليه نظرة سلبية، ‏ويربطه بالسحر والشعوذة، ولكن هذه الخرافات العارضة لا تلغي الأبعاد العميقة ‏والسليمة والسديدة لمقاصد الاحتفال، وإلا فكل الظواهر الإيجابية، وذات المقاصد ‏النبيلة، وذات الأبعاد الرفيعة، ويمكن أن تعترضها عوارض تسحبها إلى مقاصد ‏سلبية‎".‎

طقس ميز المغاربة

من جهته يرى عياد أبلال، المختص في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، أن ‏‏"شعبانة" تعد من الطقوس الاجتماعية والثقافية التي ميزت المغاربة في الماضي، ‏وهي طقوس تتخذ صبغة احتفالية لا تنفصل عن الاحتفاليات الدينية، لأنها احتفال ‏باقتراب رمضان واستعدادا له‎.‎

ويقول أبلال في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" إن "طقوس "شعبانة" تعد من بين ‏طقوس العبور الرمزية، ذلك أن الانتقال من باقي شهور السنة برتابتها وروتينها، ‏يتطلب استعدادا نفسيا وروحيا. ولذلك، فهي بمثابة استعداد للانتقال لشهر التعبد ‏والروحانيات، وهي طقوس تميز التدين الشعبي‎.‎

كما تشكل "شعبانة" على المستوى الرمزي تلخيصا للعبور من المدنس إلى المقدس، ‏ذلك أن باقي شهور السنة في المتخيل الشعبي هي شهور للذنوب والمدنس بمختلف ‏تجلياته، وهي تجليات يجب أن تنتهي بالاحتفال الكبير بهذا الطقس الذي يودع به ‏جمهور المتدينين هذه الشهور بمدنساتها وذنوبها تهيئا لولوج شهر المغفرة ‏والثواب‎"‎‏.‏

ويوضح أبلال أن المغاربة، خاصة الأجيال الشابة، أصبحوا أكثر انفصالا عن هذا ‏النوع من الطقوس الشعبية، بعد تراجع الثقافة الشعبية بمختلف تجلياتها، وانفتاح ‏الشباب بشكل كبير على الثقافة الغربية، سواء تعلق الأمر بالموسيقى والغناء أو ‏باللباس والأذواق‎.‎

ويقول إنه "إذا كانت طقوس "شعبانة" لها أهمية في هذا الاستعداد النفسي والروحي ‏لاستقبال شهر رمضان بكل القدسية التي يكتسيها في متخيل المغاربة، فإن الأجيال ‏الحالية بسبب هذا الانفصال عن التراث والثقافة الشفهية وغير المادية بشكل عام، ‏لن تعيش نشوة وجمالية هذا العبور الذي تمثله "شعبانة‎"‎‏. ‏





سكاي نيوز عربية ‏