ارتفعت حدة الاحتقان بين الميليشيات الليبية المسلحة المتنافسة في طرابلس، بعد اندلاع مناوشات بين "قوّة الردع" وجهاز "دعم الاستقرار"، وهما من أكبر وأقوى ميليشيات العاصمة التابعة لأجهزة الدولة، فيما يبدو أنّهما دخلا في منافسة محمومة لضمان موقع في المرحلة القادمة.
فقد شهدت العاصمة الليبية منذ نهاية الأسبوع المنقضي استنفارا وتحشيدا عسكريا وانتشارا للأسلحة الثقيلة والمتوسطة في عدة مناطق، على خلفية حملة شنتها "قوة الردع" التي يتزعمها عبد الرؤوف كارة لاعتقال عناصر من قوة جهاز "دعم الاستقرار" الذي أسسه رئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج ويقوده عبد الغني الككلي الشهير باسم "غنيوة"، والاثنان من أشهر أمراء الحرب في غرب ليبيا، انتهت باندلاع اشتباكات بينهما.
ضعف الدولة
وأوضح رئيس اللجنة الليبية لحقوق الإنسان أحمد حمزة في تصريح لـ"العربية.نت" أن "سبب هذا التوتر الأمني بالعاصمة يأتي على خلفية صدور أوامر من النائب العام إلى جهاز قوة الردع بالتعاون مع إدارة الأمن القضائي التابعة لوزارة العدل، باعتقال عناصر من جهاز دعم الاستقرار ملاحقين بتهم جنائية وفارين من العدالة"، مشيرا إلى أن هناك جهودا لتطويق الصراع وتهدئة الأجواء.
رغم ذلك، توقع اندلاع مواجهات مسلحة بين ميليشيات طرابلس في أي وقت بسبب استمرار ضعف مؤسسات الدولة وغياب الجدية في معالجة ملف إصلاح الأمن في ليبيا، مشيرا إلى أن هذا الوضع يبقي على عملية السلام في ليبيا عملية هشّة معرّضة في أي وقت إلى الانفلات والسقوط.
تصفيات مستمرة
في الأثناء، استمرت عمليات التصفية الجسدية بين عناصر الميليشيات في العاصمة طرابلس، حيث اغتيل، الأحد، ضابط شرطة من مديرية أمن طرابلس يدعى جبريل الصيد، بالتزامن مع محاولة اغتيال مصطفى قدور آمر القوة الثامنة المعروفة باسم ميليشيا الواصي في طريق الشط بالعاصمة طرابلس.
"اللواء 444 قتال"
وفي حين تلتزم الحكومة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة الصمت إزاء ما يحدث من تطورات أمنية مقلقة في العاصمة طرابلس، اعتبر المحلل السياسي محمد الرعيش أن "اللواء 444 قتال" هو اليد التي تعوّل عليها الحكومة في تنفيذ ترتيباتها الأمنية.
ومنذ تسلم السلطة التنفيذية الجديدة لمهامها، انتشرت قوات هذا اللواء التابعة لمنطقة طرابلس العسكرية في مناطق حيوية من العاصمة طرابلس، وتمركزت بشكل كثيف في مدن بني وليد وترهونة والعربان ومسلاته والقره بولي وسوق الخميس وقصر بن عشير وصلاح الدين، كما نفذت عمليات عسكرية ضد عصابات التهريب، واقتحمت عدّة مقرات تابعة لمجموعات مسلحة "لا تأتمر بأوامر الدولة"، ضمن خطة لفرض الأمن والاستقرار، قال الرعيش إن حكومة الدبيبة تقف وراءها وتموّلها وتدعمها.
معضلة الميليشيات
إلى ذلك، رأى أن سياسة وخطّة الحكومة في حل معضلة الميليشيات بدأت تتضح شيئا فشيئا، وتقوم أساسا على القضاء على الميليشيات المسلّحة الخارجة عن القانون واعتقال العناصر الإجرامية والمطلوبة للعدالة المنخرطة في الميليشيات المسلّحة التابعة لأجهزة الدولة، تمهيدا لدمج العناصر الصالحة في المؤسسات الأمنية الرسمية، لكنّه أكد أن هذه الخطّة ستتعرض إلى عثرات وهزّات كثيرة بسبب صعوبة التخلّص من كل العناصر الإجرامية والعصابات خارج القانون التي نجحت طيلة السنوات الماضية في تقوية نفوذها المالي واللوجستي وحتى السياسي.
في السياق ذاته، اعتبر المحامي والناشط الحقوقي طاهر النغنوغي في تصريح لـ"العربية.نت" أن حل معضلة الميليشيات المسلّحة يحتاج إلى وقت طويل وإلى الاستقرار السياسي، مشيرا إلى أن التوتر الأمني وعدم انضباط الكتائب المسلحة سيستمر وهو أمر طبيعي بعد انتهاء الحرب، لكنه يرى أن الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة أصبحت قليلة والكل يتعامل معها على أنها غير شرعية، أما بقية التشكيلات فهي تابعة لأجهزة الدولة وهي منظمة ومنضبطة في هذه الفترة أكثر من قبل عدما كانت تحت سلطة حكومة الوفاق.
العربية.نت