أخبار لبنان

إحياء مسار التأليف دونه عقبات.. والحريري لن يعتذر

تم النشر في 11 أيار 2021 | 00:00

ثمّة إجماع في الكواليس السياسية على انّ المبادرة الفرنسية قد سقطت نهائياً، وجاءت زيارة ‏وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بمثابة مراسم الدفن لها.‏

بعيداً عن نشوة المعطلين الذين كان لهم ما أرادوه في إعدام فرصة الحل التي أتاحتها المبادرة ‏الراحلة، وعن إحباط المراهنين على هذه المبادرة وحدادهم عليها، تبرز الحقيقة الموجعة التي ‏تحكي عن بلد خارت قواه نهائياً، وصار معلّقاً في الفراغ تتجاذبه احتمالات خطيرة وغليان ‏يضعه على منصّة العدّ التنازلي للحظة الانفجار الاجتماعي الكبير والفوضى التي هي بلا حدود ‏وعلى كل المستويات. ‏

يعدمون البلد

البلد يُعدَم من داخله، على أيدي لصوص مجرمين مكمّلين لبعضهم البعض ومتآمرين مع بعضهم ‏البعض. من جهة، هناك قراصنة السياسة ومدّعو العفة من مواقعهم الرسمية والسياسية ذبحوا ‏البلد واهله على مذبح مصالحهم، وعطّلوا وما زالوا يُمعنون في تعطيل كل فرصة حلّ. ومن ‏جهة ثانية، هناك لصوص اللقمة ومجرمو التجارة والاحتكار ورفع الاسعار واخفاء الاساسيات، ‏واعادة اللبنانيين الى اسوأ من ايام الحروب، بطوابير مصطفة امام الافران ومحطات ‏المحروقات.‏

هي الجريمة الكاملة ترتكب بحق البلد ولا أحد ممن يقبضون على الحكم تحرّك ماء وجهه وخجل ‏من نفسه وبادر الى ما تقتضيه مسؤوليته. وتبعاً لذلك، من يراقب المشهد الداخلي في الساعات ‏الاخيرة يرى بأم العين ان مقدمات الانفجار الاجتماعي والمعيشي الكبير تلوح في الافق، الناس لم ‏تعد تملك شيئاً، فكما فقدت قوتها ومدخراتها، فقدت طاقتها على الاحتمال وبلغت ذروة الاحتقان، ‏الى حد ان انفجاره صار واردا في اي لحظة، وقد لا يبقى محصورا في شقه الاجتماعي ‏

والمعيشي، إذ ربما يتوسّع الى ما هو اخطر وادهى، ولا يلام الناس ابداً إن اجتاحوا كل مغاور ‏اللصوص واوكارهم. ‏

العطلة

في السياسة، بدأ البلد يدخل شياً فشيئاً في عطلة عيد الفطر، ومن الممكن انّ الاستغراق سلفاً في ‏العطلة قد يخفف بعضاً من الارباك الطاغي على كل المستويات الداخلية، والذي أعقب زيارة ‏الوزير الفرنسي.‏

وذروة الارباك تكمن في ان لا احد من الطاقم القابض على الدولة يملك السرّ الذي دفع الفرنسيين ‏الى إطلاق رصاصة الرحمة على مبادرتهم وبعد ما يزيد عن 8 اشهر على اطلاقها، ولماذا ‏انتظروا كل هذا الوقت حتى قالوا كلمتهم هذه، ودفع اللبنانيين الى ان يقلّعوا أشواكهم بأيديهم؟ ‏وهل يملك اللبنانيون القدرة على ذلك؟ او بمعنى ادق، هل يمكن افتراض ان اللبنانيين بلغوا من ‏المسؤولية والادراك ما يخوّلهم وحدهم لابتداع حل لمأزق بلدهم؟.. وللتذكير هنا، فإن التجربة مع ‏الأزمات التي مرّت على البلد تكمن في انّ اللبنانيين لم يعتادوا سوى على التسخين والتوتير ‏وإشعال الجمر السياسي وغير السياسي تحت البلد، وفي نهاية المطاف، وبعد افتضاح عجزهم لا ‏بد لهم من الاستعانة بصديق يعينهم على العبور من كل ازمة. ‏

إتصالات

على المستوى الحكومي، صمتٌ مطبق وليس هناك من حراك معلن، سوى استعداد من قبل كل ‏الاطراف للانصراف الى عطلة عيد الفطر، في وقت اكدت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» ان ‏محاولات تجري لإعادة اطلاق قطار التأليف من جديد. وثمة محاولات تواصل بين بعبدا وبيت ‏الوسط عبر اصدقاء مشتركين. وبحسب المعلومات فإنّ هذه المحاولات لم تثمر بعد، وينبغي في ‏هذه الحالة انتظار فترة ما بعد العيد لعل امراً ما يتبلور في ذلك الحين.‏

في هذا الوقت، ابلغت مصادر معنية بملف التأليف الى «الجمهورية» قولها من الآن وحتى يؤكد ‏الفرنسيون علناً انّ مبادرتهم ما زالت قائمة، فهي تعتبر منتهية ولم يعد لها وجود بعد زيارة ‏لودريان. ومن هنا يمكن القول انّ الاساس الذي حَدّدته هذه المبادرة لتشكيل الحكومة قد انتهى مع ‏انتهاء المبادرة، وصار السؤال المطروح هو التالي: إذا كانت هناك رغبة بتشكيل الحكومة، فعلى ‏اي اساس ستتشكل، وهل ما زال شعار حكومة الاختصاصيين من غير السياسيين يصلح لمرحلة ‏ما بعد المبادرة الفرنسية، ام سيتبدل الحال وترتفع المطالبة بحكومة تكنوسياسية، ونكون بالتالي ‏امام عنوان جديد للاشتباك السياسي حول شكل الحكومة؟ ‏

الحريري لن يعتذر

الى ذلك، لم يتغيّر المشهد في القصر الجمهوري لناحية انتظار مبادرة الرئيس المكلف الى تَلقّف ‏دعوات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتفاهم على حكومة وفق المعايير والاصول، ‏ومغادرة السلبية والتجميد اللتين يقارب فيهما الحريري الملف الحكومي. فيما الصورة في المقابل ‏تظهر ان الصمت هو العنوان الاساس لبيت الوسط في هذه الفترة، والذي دخله منذ لقاء الرئيس ‏المكلف بوزير الخارجية الفرنسية في قصر الصنوبر.‏

ولا تحمل المعلومات ما يؤكد ان الحريري قد يبادر الى طرح مسودة حكومية بعد العيد، فبحسب ‏المصادر المعنية بهذا الملف فإنّ المسألة بعد انتكاسة المبادرة الفرنسية صارت الآن اصعب، ‏والشروط اكثر تعقيدا. ويبدو انّ هذا الحال سيستمر الى أمد طويل. ‏

وعن المدى الذي قد تبلغه المراوحة، اكدت المصادر ان لا شيء يحول دون استمرار هذا ‏التعطيل الى آخر العهد فلا احد مستعجلاً، فرئيس الجمهورية ليس مستعجلاً على التأليف فهو ‏اليوم في احسن حالاته، وهو الرئيس الاوحد للبلد في غياب حكومة جدية، ويدير الامور كما ‏يشاء، وعلى ما يبدو هو مرتاح جدا بهذه الوضع، ولا ننتظر منه سوى التصلب في مواقفه ‏وشروطه ورفع سقفها اكثر فأكثر.‏

امّا الرئيس المكلف، فتؤكد المعلومات انه لن يقدم على الاعتذار خلافاً لكل الاجواء التي احاطت ‏ذلك في الأيام الاخيرة. وعلى ما يقول مقرّبون: «سعد باقي الى ما شاء الله، ولن يترك الساحة ‏لعون وجبران». ‏

قلق أوروبي

الى ذلك، أعربَ الاتحاد الاوروبي عن قلقه حيال الوضع في لبنان.‏

وذكرت وكالة فرانس برس مساء أمس انّ الاتحاد الأوروبي «أعربَ عن استيائه إزاء المراوحة ‏السياسية التي يشهدها لبنان، وبدأ التحضير لفرض عقوبات على مسؤولين سياسيين يعتبرهم ‏مسؤولين عن العرقلة، وفق ما أعلن وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل».‏

وقال بوريل، إثر اجتماع لوزراء خارجية دول التكتل في بروكسل: «نعمل على اتّباع سياسة ‏العصا والجزرة. كل الخيارات مطروحة من أجل الضغط على الطبقة السياسية التي تحول دون ‏الخروج من المأزق».‏

وأشار، قبل بدء مباحثات وزراء الخارجية، الى أنه بحث الأزمة مع وزير الخارجية اللبناني ‏شربل وهبة، الأحد الماضي، معبّراً عن أسفه لعدم تحسن الوضع في لبنان.‏

وكان ديبلوماسي أوروبي قد أفاد «العربية» نهاية الأسبوع الماضي بأنّ قسم العمل الخارجي ‏الأوروبي وزّع ورقة خيارات على الدول الأعضاء، تشمل حوافز لتفعيل الشراكة مع لبنان، إذا ‏تزود بحكومة إصلاحات»، مؤكداً أن «الورقة لا تستبعد خيار العقوبات». وأضاف: «إننا نتقدم ‏خطوة خطوة باتجاه إجراءات ملموسة». ‏

الى الداخل

الى ذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية انّ زيارة الوزير لودريان الى بيروت ‏كانت مدروسة بكل تفاصيلها، ويخطىء اللبنانيون اذا اعتبروا انّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية ‏حضر ولم يكن يحمل شيئاً معه. بل على العكس من ذلك، جاء ليؤكد بما لا يقبل أدنى شك بأنّ ‏باريس متعاطفة مع الشعب اللبناني، وستبقى حاضنة له ولن تتخلى عنه كما تخلى عنه القادة ‏السياسيون، وستبقى الى جانبه على كل المستويات.‏

وعكست المصادر شعوراً متزايداً بالغضب لدى الادارة الفرنسية على خلفية تعامل السياسيين في ‏لبنان مع الازمة التي تعصف ببلدهم، لافتة الى انّ المشمولين بالعقوبات الفرنسية في لبنان ينتمون ‏الى اطراف عديدة وليسوا محصورين بجهة واحدة بعينها، جازمة في هذا السياق ان هذه ‏العقوبات لم توفر تيار المستقبل ولا التيار الوطني الحر، الا انها لم تَشأ الدخول في اسماء، قائلة: ‏هذه الاسماء لن تبقى محجوبة لزمن طويل.‏

باريس إجازة

على انّ اللافت للانتباه هو ان المصادر الديبلوماسية من باريس لم تؤكد وفاة المبادرة الفرنسية، ‏بل اشارت الى انّ الفرنسيين لا يستطيعون ان ينهوا مبادرهم، او بالاحرى دورهم في لبنان، ‏والذي تشكل المبادرة القاعدة الاساسية له في هذه المرحلة. ولكن ما ينبغي الالتفات اليه هو ان ‏باريس قد منحت نفسها اجازة، ربما طويلة من الملف الحكومي اللبناني. وهو امر يلقي الكرة ‏مجددا في ايدي اللبنانيين، لعلهم في ظل الامر الواقع الجديد يتمكنون من ابتداع مخرج لأزمتهم ‏بدءاً بتشكيل حكومة تضع لبنان على سكة الانقاذ والانفراج.‏

الى ذلك، كشفت مصادر مسؤولة ما سمعته من معلومات موثوقة حول زيارة لودريان تفيد بأنّ ‏فرنسا لم تخرج مبادرتها، بل انها ما زالت تعتبرها الاساس الصالح لمعالجة الازمة في لبنان ‏وفرصة الحل الوحيدة. وما عبّر عنه لودريان ليس اكثر من اعلان عدم ثقة باريس بالطاقم ‏السياسي وخصوصا من هم معنيون مباشرة بملف تأليف الحكومة، ويتقاذفون بأسباب وعوامل ‏تعطيلها.‏

ولفتت المصادر الى انّ جُل ما أقدمت عليه الادارة الفرنسية، لجهة العقوبات على شخصيات ‏لبنانية، هو تصحيح خطأ فرنسي ارتكب منذ ايلول من العام الماضي. اذ انّ الجانب الفرنسي قرّر ‏الآن ان ينتصر لكرامة رئيسه ايمانويل ماكرون الذي طرح مبادرته وتلقى وعودا كاذبة من ‏اللبنانيين، وها هو يواجه الكاذبين بالعقوبات. ‏

أخطأوا 4 مرات

وتبعاً لذلك، اكد مرجع سياسي لـ»الجمهورية» ان الفرنسيين أخطأوا 4 مرات، المرة الاولى ‏عندما اعتقد انّ لبنان مبني على رؤى سياسية واحدة ونظرة واحدة الى الامور والقضايا، وفاتَه ‏انّ اجواء لبنان متقلبة منذ نشوئه، ورماله متحركة تبلع الاخضر واليابس.‏

والمرة الثانية، يضيف المرجع، عندما طرح مبادرته في آب الماضي من دون ان يضع آلية ‏تطبيقية لها، او ان يواكب تطبيقها بشكل مباشر بل تركها تحت رحمة اللبنانيين الذين أوّل ما ‏فعلوه بها هو انّ كل طرف فَصّلها على مقاسه وقارَبها بما يخدم توجهاته حتى أفرغها من ‏مضمونها.‏

والمرة الثالثة حينما أعطى ماكرون، بعد طرحه المبادرة، مهلة 15 يوما لتشكيل حكومة مصطفى ‏اديب، ومن دون ان يبادر الفرنسيون الى مدَّها بقوة الدفع اللازمة لتشكيلها سريعاً، خصوصاً انّ ‏كل الاطراف كانت محشورة آنذاك ومتهوّلة من انفجار مرفأ بيروت، وتريد الخلاص. ومع ذلك ‏لم تبادر باريس الى الدفع الجدي بل الى بيان التقريع الصادر عن الرئيس الفرنسي آنذاك واتهم ‏فيه القادة اللبنانيين بالخَوَنة لبلدهم.‏

اما المرة الرابعة، يتابع المرجع، فكانت عندما انتظر الجانب الفرنسي كل هذه المدة التي تزيد عن ‏‏8 اشهر ليُريَ عينه الحمراء لمعطّلي الحل في لبنان. هذا الامر كان يجب ان يتم في الايام الاولى ‏للمبادرة، وتحديدا بعد انقضاء مهلة الـ15 يوماً السالفة الذكر، ولا ينفع اليوم بعدما تبدلت ‏الظروف واصيبت المبادرة الفرنسية منذ اشهر بوَهن واضح تدرّج من سيّئ الى أسوأ منذ ذلك ‏الحين وحتى اليوم.‏

وبحسب المرجع ان العقوبات التي تحدث عنها الفرنسيون غير مبررة اساساً، الّا انها قد تكون ‏أخفّ وطأة ان كانت منطلقة من غضب فرنسي على كذب القادة في لبنان على الرئيس ماكرون ‏وعدم إيفائهم بالتزامهم. الا انها لا تكون منطقية ابداً اذا ارتكز فيها الجانب الفرنسي على ابعاد ‏سياسية، اي انه لا يستطيع ان يفرض عقوبات على جهة لها وجهة نظر سياسية مختلفة، ثم انّ ‏في لبنان لعبة ديموقراطية كل طرف يطرح ما يريده عند تشكيل الحكومة او في محطات اخرى. ‏قد يطرح الرئيس المكلف ما يريده من ضمن هذه اللعبة، وقد يطرح وجبران باسيل ما يريده، ‏هذه لعبة سياسية وضمنها يطرح كل طرف ما يريده أسوةً بما يجري في كل دول العالم. فهل ‏يقابل ايّ من هؤلاء بالعقوبات؟ هذا لا يسمّى عقوبات بل يسمّى افتراء. ‏

أمل: طبيعة النظام؟

الى ذلك، اكدت حركة أمل، في بيان لمكتبها السياسي امس، «أنّ تطورات المنطقة والحوارات ‏القائمة بين دوَلها تفرض من جديد التركيز على الإسراع في الوصول إلى حلحلة».‏

واشار البيان الى انّ قلق اللبنانيين يزداد ليصل إلى حدود اليأس نتيجة مواقف الأطراف والتذاكي ‏في رمي الاتهامات بالتعطيل السياسي الذي تجاوز حدود المعقول، ولم يضرب صورة العهد ‏والسلطة وقدرتهما على المعالجة، بل بدأ يطرح أسئلة أكثر تعقيداً حول طبيعة النظام، والقدرة ‏على الاستمرار والحفاظ على وجود اللبنانيين وحمايتهم سياسياً واجتماعياً، وعلى الثقة بالنهوض ‏من جديد بعد تضييع الفرصة التي كانت مدخلاً لتجاوز الأزمة وبدء مساعي الحل الاقتصادي ‏والمالي والاجتماعي، عبر الالتفاف على مبادرة الرئيس نبيه بري والعودة لطرح صيَغ تعيدنا إلى ‏مربّع الثلث المعطل بشكل أو بآخر، وتُبعدنا عن الوصول إلى تفاهم وتسوية يجب أن تبقى قائمة ‏على قاعدة المبادرة الفرنسية. ‏

واكد اليبان «انّ تطورات المنطقة والحوارات القائمة بين دولها تفرض من جديد التركيز على ‏الإسراع في الوصول إلى حلحلة العقد، والابتعاد عن الحسابات المصلحية والخاصة وإنجاز ‏تشكيلة حكومة قادرة على مواكبة ما يجري، والإستفادة من الفرص حتى لا تكون نتائج ما يجري ‏في الإقليم على حساب لبنان وشعبه، ولننقذ ما يمكن بعد الانهيارات الواسعة في تأمين مقدرات ‏عيش اللبنانيين وحياتهم والتي أصبحت بأبشع صورها مع فقدان المواد الاساسية والارتفاع الحاد ‏بالأسعار. واقتراحات القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال والاثراء غير المشروع ‏والتي سبقت كل المطالبات القائمة اليوم، تسأل القيّمين على السلطة التنفيذية والقضائية أين هم ‏من تطبيق هذه القوانين والالتزام بمضمونها، والسير نحو كشف وتحديد المسؤولين عن الفساد ‏وهدر المال العام، وإقرار العقوبات اللازمة؟ ‏

الدعم توقّف

نظرياً، لم يصدر قرار رسمي حتى اليوم بوقف الدعم. وعملياً، توقف الدعم عن كل السلع من ‏دون الحاجة الى اعلان، ولو انّ الرسالة التي بعث بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس ‏الى وزير الاقتصاد راوول نعمة كانت بمثابة إبلاغ غير مباشر بتجميد الدعم. إذ أحاط سلامة، ‏نعمة عِلماً بتغيير آلية الدعم بحيث أصبح المستورد بحاجة الى موافقة مسبقة. وبما انّ الآلية غير ‏واضحة، وهي تحتاج الى اجتماعات وتنسيق بين المركزي والاقتصاد، يمكن القول ان الدعم ‏توقف، بانتظار ما يُثبت عكس ذلك.‏

مصادر معنيّة أوضحت لـ»الجمهورية» انّ قرار البنك المركزي جاء بعد بلوغه سقف الاحتياطي ‏الالزامي وعدم تمكّنه من السير بسياسة الدعم القائمة من خلال مَنح موافقات مباشرة لكافة ‏الطلبات التي ترده عبر الوزارات المختصة، أو من خلال اضطراره الى تسديد قيمة فواتير ‏المستوردات التي يقوم التجّار باستيرادها وبيعها بالسعر المدعوم قبل تقديم الطلبات والحصول ‏على مواقفات الوزارات او مصرف لبنان. ووفقاً للآلية الجديدة، سيحظّر على الشركات والتجار ‏الاستيراد قبل الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان، مما اعتبرته المصادر بمثابة ‏‏«ترشيد للترشيد» حيث سيتقلّص عدد السلع الغذائية المدعومة الى مستويات متدنية جدّاً قد لا ‏تتخطى أصابع اليد الواحدة، مقدّرة ان يستمرّ الدعم فقط على السلع التي تمسّ بالأمن الغذائي، ‏مثل القمح والخميرة والسكر وحليب الاطفال. (ص 9)‏

‏ وأخيراً... المنصّة

بعد طول انتظار، أعلن مصرف لبنان امس إطلاق العمل في المنصة الالكترونية للتداول عبر 3 ‏تعاميم وقّعها حاكم المركزي رياض سلامة. ومن خلال مضمون التعاميم، يتضح ما يلي:‏

اولاً - انّ طريقة عمل المنصة ستكون شبيهة بطريقة عمل السوق السوداء من حيث حرية ‏التداول بيعاً وشراء، وعدم حصر العمليات بفئة محددة.‏

ثانياً - ستكون العمليات مسجلة بأكملها وسيتم إرسالها الى المصرف المركزي بما يعني إضفاء ‏الشفافية على عمليات السوق، بحيث سيصبح المركزي قادراً على الاطلاع على ما يجري يوميا ‏وساعة بساعة في سوق الصرف.‏

ثالثاً - لم يُشر التعميم الى تمويل للمنصة، لكنه تحدث عن احتمال تدخل مصرف لبنان وفق ‏قدراته لضبط وضع الصرف بما يمكن تفسيره بأن المركزي يترك لنفسه فرصة ضَخ الاموال ‏ولكن بكميات محدودة وفي ظروف محددة فقط.‏

يبقى انّ محدودية تدخّل المركزي هو أمر جيد من الوجهة المالية، لأنه يعني انه لا اموال اضافية ‏لدعم سعر الصرف. لكن في المقابل، هذا الوضع يطرح تساؤلات حول السقف الذي قد يبلغه ‏سعر صرف الدولار عندما سيتم رفع الدعم.‏




الجمهورية ‏