أخبار لبنان

صواريخ جنوب لبنان.. من مخلفات الحرب ولا قدرة تدميرية لها!‏

تم النشر في 15 أيار 2021 | 00:00

كتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: تتعامل القوى السياسية المحلية والجهات الرسمية اللبنانية ‏والدولية الممثّلة بقوات "يونيفيل" العاملة في جنوب لبنان مع الصواريخ التي أُطلقت مساء أول ‏من أمس من خراج بلدة القليلة في قضاء صور باتجاه إسرائيل على أنها تبقى في حدود تمرير ‏رسالة تضامن فلسطينية مع الفصائل الفلسطينية في المواجهة مع الجيش الإسرائيلي في قطاع ‏غزة، وبالتالي لن تكون لها مفاعيل أمنية وعسكرية يمكن أن تهدد قواعد الاشتباك المعمول بها ‏في الجنوب بين "حزب الله" وإسرائيل وصولاً إلى تعديلها ما دامت محكومة حتى إشعار آخر ‏بتوازن الرعب بين الطرفين.‏

فالصواريخ التي أُطلقت من القليلة وسقطت في البحر قبالة الشاطئ في إسرائيل هي من نوع ‏‏"غراد" عيار 122 ملم وتعد من مخلفات الحرب، وكانت تُستخدم في الحروب الداخلية في لبنان ‏ولا تُحدث أضراراً جسيمة إلا في حال أن عددها تجاوز ثلاثة صواريخ تلك التي استهدفت ‏الداخل الإسرائيلي وأُطلقت من منصّات خشبية كتلك التي كانت تُطلق منها في السابق مع أن ‏إصاباتها ليست دقيقة.‏

وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر أمنية لبنانية أن وحدات من الجيش اللبناني التابعة للواء ‏الخامس المنتشرة في المنطقة التي أُطلقت منها الصواريخ عثرت في أثناء قيامها بتمشيط المنطقة ‏بحثاً عن المنصات التي استُخدمت لإطلاقها على ثلاثة صواريخ من العيار نفسه في محيط مخيم ‏‏"الرشيدية" للاجئين الفلسطينيين، كانت مجهّزة للإطلاق على مقربة من المكان الذي أُطلقت منه ‏الصواريخ الثلاثة.‏

وكشفت المصادر الأمنية أن وحدات الجيش عثرت أيضاً على المنصّات التي تُستخدم لإطلاقها، ‏وقالت إن مداها يصل إلى 18 كيلومتراً وإن أضرارها في حال انفجارها تبقى محدودة.‏

وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية لـ"الشرق الأوسط" إن الجهة الفلسطينية التي أطلقت ‏الصواريخ مع عدم إعلان أي طرف فلسطيني مسؤوليته عن إطلاقها تدرك أن إصابات هذه ‏الصواريخ تبقى محدودة وتنمّ عن رغبتها في توجيه رسالة تضامن مع قطاع غزة وأن "حزب ‏الله" لا يمانع في إطلاقها، وربما لديه معلومات تتيح له لاحقاً تحديد الجهة التي تقف وراء ‏إطلاقها، وعزت السبب إلى الحضور الأمني والشعبي للحزب في هذه المنطقة، وأن أحداً لا ‏يستطيع أن يحرّك ساكناً ما لم يقرّر غض النظر عن إطلاقها.‏

وأكدت المصادر نفسها أن الحزب وإن كان لا يمانع، فإنه قرر أن يلوذ بالصمت لرصد رد فعل ‏إسرائيل التي يبدو أنها ليست في وارد نقل المعركة من قطاع غزة إلى جنوب لبنان في مقابل ‏قيام اللواء الخامس بحملات تمشيط واسعة قوبلت بارتياح من قيادة "يونيفيل" التي سارعت إلى ‏الاتصال بالأطراف المعنية بالوضع في الجنوب وشملت قيادتي الجيش اللبناني و"حزب الله" ‏والجانب الإسرائيلي التي أجمعت بناءً على رغبة القوات الدولية على ضرورة ضبط الوضع ‏وعدم الانجرار إلى ردود فعل يمكن أن تؤدي إلى اندلاع مناوشات بين إسرائيل و"حزب الله".‏

ولفتت إلى أن قيادة "يونيفيل" مرتاحة لتجاوب الأطراف مع ضبط النفس بعد أن أحجمت إسرائيل ‏عن الرد ربما لأنها ليست في وارد الدخول في مواجهة مع الحزب الذي يمارس ضبط النفس، ‏رغم أنه لا يزال في حالة استنفار منذ مساء السبت الماضي، أي عشية قيام إسرائيل بإجراء ‏مناورات عسكرية واسعة على طول حدودها مع لبنان.‏

ورأت أن قيام إسرائيل باستهداف شاحنة سورية بمحاذاة الحدود السورية مع منطقة الهرمل ‏البقاعية يقع في سياق تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن المواجهات الجارية في قطاع غزة لن ‏تثنيها عن مراقبة ما يمكن أن يجري على الجبهات الأخرى، وبالتالي توخّت منها إعلام دمشق ‏بأن عيونها شاخصة وتفرض رقابة مشدّدة، وهذا ما يبرّر استهدافها للشاحنة، رغم أنها بعيدة عن ‏مواقع المواجهة الحدودية بينها وبين سوريا.‏

لذلك فإن ما يميز "حزب الله" عن معظم الأطراف المحلية يكمن في أنه يتعاطى مع أزمة تشكيل ‏الحكومة والتطورات العسكرية التي يمكن أن يشهدها جنوب لبنان من زاوية إقليمية بخلاف ‏الآخرين الذين يتعاطون مع الأحداث الجارية من زاوية محلية.‏

وبكلام آخر، يتعامل الحزب مع كل التطورات والأزمات على إيقاع المفاوضات الجارية في فيينا ‏بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي برعاية أوروبية.‏

فـ"حزب الله" -كما تقول المصادر- لن يفرّط بأوراق القوة التي لا يزال يمسك بها، لأن فائض ‏القوة الذي يتمتع به يجب أن يُصرف في مكانه الصحيح بخلاف ما يعتقد رئيس الجمهورية ‏ميشال عون، ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، أنه يراعيهما إلى أقصى الحدود ‏ويحرص على تحالفه معهما، مع أن إصراره على تبادل "الخدمات السياسية" مع حليفيه يكمن في ‏قطع الطريق على من يراهن على أن الحزب لا يمانع في أن يحرق ورقته اللبنانية لإراحة ‏حليفيه.‏

وعدّت المصادر السياسية أن الحزب يتلطى وراء تصلّب عون وباسيل، فيما يرصد ما يدور ‏على جبهة المفاوضات في فيينا ليقرر في ضوء ما سيترتب عليها من نتائج الموقف الذي سيتخذه ‏لتمكين حليفته إيران من تسييل الورقة اللبنانية لتحسين شروطه.‏

وقالت إن إيران ليست بمنأى عن المواجهات الجارية في قطاع غزة وهي تنتظر من واشنطن أن ‏تبادر للاتصال بها، وربما بطريقة غير مباشرة، والطلب منها أن تُسهم في التهدئة في القطاع لما ‏لها من "مونة" على حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اللتين تتصدران المواجهات ضد ‏إسرائيل، ولفتت إلى أن إيران تراهن على الدخول كطرف في مفاوضات التهدئة وضبط النفس ‏بوصفها الطرف الأكثر تأثيراً في القطاع.‏

وعليه، فإن "حزب الله" -حسب المصادر نفسها- يكتفي حالياً بالتضامن الإعلامي والسياسي مع ‏‏"حماس" و"الجهاد الإسلامي" من دون أن يرفع من منسوب تضامنه باتجاه إعادة تحريك الجبهة ‏الجنوبية التي ارتبطت أخيراً بجبهة المقاومة المرابطة حالياً على تخوم الجولان السوري المحتل ‏وباتت متلازمة معها من الوجهة العسكرية.‏

كما أن الحزب يمارس أقصى درجات ضبط النفس، ما دامت إسرائيل ليست في وارد تحريك ‏جبهة الجنوب ليس لانشغالها في قطاع غزة فحسب، وإنما لتقديرها للقوة الصاروخية للحزب، ‏خصوصاً أن ما تملكه "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في القطاع ما هو إلا عيّنة صاروخية ‏محدودة قياساً على ما بحوزة الحزب من صواريخ دقيقة.‏

ولفتت المصادر إلى أن جبهة الجنوب محكومة بالإبقاء على قواعد الاشتباك التي ما زالت سارية ‏المفعول بين "حزب الله" وإسرائيل بعد حرب يوليو (تموز) 2006 وبمراقبة دقيقة من ‏‏"يونيفيل"، وهذا ما ثبت من المناوشات الساخنة التي حصلت بينهما في أعقاب صدور القرار ‏‏1701 والتي لم تبدّل من واقع الحال على الأرض.‏

ناهيك بأن قواعد الاشتباك هذه محمية بتوازن الرعب بين الطرفين، إضافةً إلى أن الحزب ليس ‏في وارد التفريط بورقة الجنوب وبالأخرى المتعلقة بأزمة تشكيل الحكومة ما ادم يراهن على ‏صرفها في مفاوضات فيينا، خصوصاً أن الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يمر بها لبنان ‏تفرض عليه ضبط النفس ما دامت المواجهة في قطاع غزة تبقى تحت السيطرة الدولية، لذلك لن ‏تتفرع عنها مواجهات على الجبهات الأخرى، إضافة إلى أن الوضع الداخلي لم يعد يَحتمل ‏الدخول في مواجهة مفتوحة نظراً لعدم قدرة الحزب على تغطية كلفتها المالية في ظل الحصار ‏المفروض على لبنان وتراجع المزاج الشعبي الذي أخذه الانهيار المالي والاقتصادي إلى مكان ‏آخر ولم تعد لديه هموم أخرى غير تأمين لقمة العيش لأكثر من نصف اللبنانيين الذين ينتظرون ‏من الحكومة المستقيلة أن تؤمّن لهم البطاقة التموينية لسد احتياجاتهم بعد أن أخذ الجوع يدق ‏أبوابهم، بينما تلوذ المنظومة السياسية بالصمت وتتصرف كأنها غائبة عن السمع.‏




الشرق الاوسط