النهار - قفا نحكِ
راشد فايد
أيا يكن ما تخلص إليه المواجهة الراهنة في فلسطين المحتلة، بين أهل الدار والمحتل، فالثابت أن وقائع الأيام المنصرمة، والمقبلة، نقلت، بالدم والدمار وأرواح الشهداء، القضية الفلسطينية من المراوحة تحت مماحكات اتفاقات أوسلو (1993 و1995) وخلافات اهل القضية وتعنت الإسرائيلي، وتمييع التزاماته، إلى حضن الإهتمام العالمي الشعبي الصادق. ولم يواز انفجارات الصواريخ الفلSطينية في مناطق الإحتلال الصهيوني، سوى انفجار الغضب في كبرى المدن والعواصم العالمية في مسيرات وتظاهرات حاشدة، ترفع لواء حق الشعب الفلSطيني في دولته المستقلة ذات السيادة.
إذاً، اخرجت قضية حي الشيخ جرّاح في القدس المعاناة الفلسطينية المتمادية من الأنين الذي لا يود الإسرائيلي أن يستجيب له العالم، إلى صراخ لا يستطيع هذا العالم أن يتجاهله، وبات يقرع ضمائر الشعوب ويهز صدقية الحكام، لاسيما منهم من يزعم التمسك بالعدالة والحقوق الإنسانية إلا للشعب الفلSطيني.
أعادت المواجهات إلى النقاش حل الدولتين الذي أراد الرئيس الأميركي السابق الجمهوري دونالد ترامب طيه تحت غطاء "صفقة القرن"، وتجاهله طيلة فترة ولايته الرئاسية، التي لم ينجح في تجديدها، ليحل في البيت الأبيض جو بايدن الذي يتابع نهج أسلافه الديموقراطيين في دعمها، من دون أن يعني ذلك أي استعداد لديه لإرغام اسرائيل على القبول بها من دون تلبية ما تزعمه حقوقا لها، أو ما تسعى إلى إنجازه ولو برغم اعتراض جُل المجتمع الدولي، كحال اصرارها على تهو..يد القدس، التي ليس حي الشيخ جراح سوى آخر نماذج طرد سكانها واحتلال بيوتهم لمصلحة مستوطنين من كل بقاع العالم. فيما تبدو الإدارة الأميركية الجديدة تتجنب اتخاذ موقف واضح من مصير القدس والذي كان فرقاء أوسلو اتفقوا على تركه للمراحل الأخيرة من مفاوضات حل الدولتين، ولذا لم تسهل لمجلس الأمن يوم الأحد الفائت بأعضائه الـ 15، وفي 3 إجتماعات، إصدار بيان مشترك يستهدف وقف أعمال القتال ويجدد تأييد حل دولتين تعيشان جنب إلى جنب، وفق منطوق قرارات الأمم المتحدة المتتالية.
هل من سبب إسرائيلي آخر يؤخر وقف النار؟
الواضح أن الثمن الذي تتكبده حكومة تل أبيب لمواصلة المواجهة، برغم ضخامته، تدميرا وقتلى وإنفاقا، لا يبعد عن تفكيرها السعي لفرض وقائع جديدة على الأرض تخدم تصورها لمصير القدس، وعزمها على جعل حياة الفلSطينيين أكثر صعوبة لا سيما في قطاع غ ز ة، وهو ما يفسر الرفض الأميركي لإصدار بيان عن مجلس الأمن بمبادرات صينية وتونسية ودانمركية، كأنما تريد واشنطن وقف القتال من دون إدانة مشعله، وربما تسعى لتجهيله، وتحميل أهالي الشيخ جراح المسؤولية لتمردهم على أحكام الطرد من بيوتهم، بينما الإعلام الدولي، بكل وسائله، لم يترك سترا للفظائع الإسرائيلية لم يفضحه.
ما شهدته فلSطين التاريخية أخيرا رسالة واضحة أن من يأتي بفلسطين من المحتل ليس سوى الفلسطينيين أنفسهم، وليس أي طرف آخر من وراء الحدود ومكبرات الصوت، فإن لم يتحركوا هم لن يكون لردود فعل الآخرين أي مبرر ولا جدوى. هم الأساس.