راشد فايد – النهار
نعيش منذ سبعينات القرن الفائت، وربما منذ الإستقلال، حوارا عقيما يقفز فوق "المرض"، أيا يكن، لينقذ "اللحظة" من الإنفجار، على أن تتدبر الأيام الآتية ما يستجد من المصائب. أفليس تاريخنا حافلا بالخيبات لتغييب سلطة الدستور، وإحلال تبويس اللحى مخرجأً؟ أفليس"إتفاق الطائف" ثم الدوحة"، و"التسوية الرئاسية"، وقبلها "إتفاق القاهرة"، واتفاقات وقف إطلاق النار على مدار حروب بيروت، وقبلها، وحروب الجبل والمناطق، بعدها، أليست تصميما على نحر الدولة، فيما ندفن الاختلاف بدل حله تحت سقف الدستور. فالمعادلة الراسخة في اللاوعي الوطني هي الفوضى حتى المواجهة، أو التواطؤ المصلحي لمن استطاع إليه سبيلا، وحسب الأحجام.
ولا مرة إحتكم المتناحرون إلى الدستور، بل دائما إلى لغة المكاسب الآجلة والعاجلة. فإن يرضيك اليوم أن أتواطأ مع مصالحك على حساب كلمة الدستور الفصل، فلأنني أنتظر أن ترد لي الأجر غدا، وقد لا ترد، إذا توافر لك التحكّم في مصالح الجميع،وما حال "حزب الله" اليوم إلا من هذا القبيل: يمسك بتلابيب كل القوى، كبيرها والصغير، ويتحكم بقراراتها، بلطف لا يحتاج إلى نقيضه، فأهمية القوة في ألا تسخدمها. لكن مشكلة الحزب، وربما هي مكسبه أنه يمنح حليفه الصغير، جبران، حماية لأطماعه، لا يجيزها الدستور ولا أي فهم للديموقراطية، وهو القائل (الحزب) بلسان رئيس كتلته النيابية: لا حكومة إن لم ترض "المقاومة"، فهل هي راضية عن صهرها الحليف، وفي أي نظام، ولو ديكتاتوري، يصر رئيس كتلة نيابية على عدم تسمية الرئيس شبه المجمع عل تكليفه، ويمتنع عن منح حكومته الثقة، لاحقاً، لكنه يصر على تسمية 8 وزراء من أعضائها، ومصادرة حقائب وزارية بعينها. والشخص نفسه يحول القصر الجمهوري لكازينو سياسة لا تزيد ألعابها البلاد إلا توترا، بينما لا يرد خصومه على تجديفه السياسي بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في مقره قرب المتحف، فلا يبدو الوزراء ضيوف فخامته والصهر. في المقابل، يملي الإلتزام الوطني على رئيس الحكومة المكلف أن يوسع إطار التشاور ليطلع المراجع الروحية على ما يعقد مهمته، فهو رئيس حكومة كل لبنان، لا دار الفتوى.
ليس الأمين العام بعيدا عن المشهد: فهو يوقظنا فجأة على خلاصات زمن سيطرته: فنحن وراء رمّان الكابتاغون، ونحن من استعدينا العرب والعجم على لبنان، ومن شنينا الحملات المسعورة على السعودية ودول "مجلس التعاون" منذ 2015، و"نتشهى" النفط الإيراني. فإيران لم تنجد حليفها بشار، فمن أين للبنان هذه الحظوة؟ وقد أدرك المجتمع الدولي مغزى الإلتفات شرقا، فانكبت فرنسا مع عدد من شركائها الدوليين على انشاء آلية مالية معروفة بـ currency board من اجل حماية النظام اللبناني وضمان سداد المشتريات الأساسية ولدعم الشعب اللبناني.
ما الكلام على نفط أيران، مع تحدي الدولة واتهام العرب بالتخلي عن لبنان، ونية الحزب "ضخ 20 ألف "مجاهد" في بنية الدولة إلا رسالة عاجلة إلى من يسمع، كي يواجه أو ينكفئ. وفرنسا أعطت أول الجواب.