مجتمع

تبعات كورونا.. والعمل من المنزل

تم النشر في 21 تموز 2021 | 00:00

قبل اندلاع الجائحة في عام 2020، كان هناك تحركات تهدف إلى ‏المساعدة في الحفاظ على حياة عمل صحية في جميع أنحاء العالم. لأن ‏التكنولوجيا تطمس بشكل متزايد الحدود بين المنزل والعمل حتى وصل ‏الأمر إلى حد أن أصبح يصل للكثيرين رسائل بريد إلكتروني خاصة ‏بالعمل على مدار 24 ساعة في اليوم طوال الأسبوع. وأدت تلك ‏الأوضاع إلى ظهور دعوات حول العالم لسن قوانين "الحق في وقت ‏الفراغ"، التي يمكن أن تحمي الموظفين من أن يتم التعدي على أوقات ‏فراغهم وأيام عطلاتهم‎.‎

وبحسب ما نشره موقع "نيو أطلس‎" New Atlas‎، فبعد ظهور فيروس ‏كورونا المُستجد اضطرت قطاعات شاسعة من القوى العاملة في العالم ‏بالعمل من المنازل. وفي حين أن القدرة على التحول إلى العمل من ‏المنزل يعد بلا شك امتيازًا منحته التكنولوجيا الجديدة، إلا أن مجموعة ‏متزايدة من الدراسات والأبحاث تجد أن هذا التحول الهائل إلى العمل عن ‏بُعد أدى إلى ساعات أطول وتحديات أكبر لمدى القدرة على الفصل بين ‏العمل والحياة المنزلية‎.‎

العمل من المنزل

يوضح أندرو باكس، مدير أبحاث "بروسبكت‎" Prospect ‎في اتحاد ‏العمال البريطاني: "تختلف تجربة الناس في العمل من المنزل أثناء ‏الوباء بشكل كبير اعتمادًا على وظائفهم، وظروفهم المنزلية، وسلوك ‏أرباب العمل بشكل حاسم"، مضيفًا أنه "من الواضح أنه بالنسبة للملايين ‏من [الموظفين]، كان العمل من المنزل أشبه بالمبيت في المكتب، حيث ‏تعني التكنولوجيا عن بُعد أنه من الصعب التوقف عن العمل تمامًا، مما ‏يساهم في ضعف الصحة النفسانية‎".‎

توصل بحث "بروسبكت"، الذي أجري في أوائل عام 2021، أن حوالي ‏واحد من كل ثلاثة موظفين بريطانيين يجدون صعوبة في ترك العمل، ‏والذين أفادوا أيضًا بأنهم عملوا ساعات إضافية أكثر مقارنة بفترات ما ‏قبل الوباء. كما توصلت دراسات أخرى، أجريت في جميع أنحاء العالم، ‏إلى نتائج مماثلة‎.‎

وكشفت دراسة استقصائية أسترالية للمهنيين الأكاديميين، أجريت في ‏نهاية عام 2020، أن هناك معدلات كبيرة لاتصالات العمل خارج ‏ساعات الدوام، حيث يرسل 55% من الأشخاص رسائل بريد إلكتروني ‏للعمل في المساء. وقال واحد من كل خمسة موظفين أن لديهم مشرفين ‏يتوقعون ردودًا على اتصالات ومراسلات خارج ساعات الدوام‎.‎

ضغوط نفسية وأعراض جسدية

وذكرت إيمي زادو من جامعة ساوث أستراليا أن المقارنة بين ‏المجموعات التي تلقت اتصالات عمل خارج ساعات الدوام ومن لم ‏يتعرضوا لنفس المواقف، عن وجود مستويات أعلى من الضغط النفسي ‏‏(70.4% مقارنة بـ 45.2%) والإرهاق العاطفي (63.5% مقارنة بـ ‏‏35.2%) فضلا عن أعراض صحية جسدية، مثل الصداع وآلام الظهر ‏‏(22.1% مقارنة بـ 11.5‏‎%)."‎

قام باحثون في كلية هارفارد للأعمال بدراسة حول البيانات الوصفية ‏للاجتماعات غير المحددة الهوية والبريد الإلكتروني من 3.1 مليون ‏شخص. شملت البيانات المناطق الحضرية في أميركا الشمالية والشرق ‏الأوسط وأوروبا وقارنت مستويات ما قبل الجائحة بالأرقام التي تم ‏جمعها خلال فترات الإغلاق‎.‎

واكتشف الباحثون "زيادات كبيرة ودائمة في طول متوسط يوم العمل" ‏فيما يتعلق بالعمل عن بُعد أثناء إجراءات منع انتشار الوباء، حيث زاد ‏نشاط البريد الإلكتروني كما زاد العدد الإجمالي للاجتماعات، على الرغم ‏من انخفاض متوسط طول الاجتماع‎.‎

وقال الباحثون: "تماشيًا مع النمط العام لمزيد من الاجتماعات والمزيد ‏من رسائل البريد الإلكتروني، تشير نتائجنا أيضًا إلى انتشار الاتصالات ‏الافتراضية إلى ما بعد ساعات العمل العادية. وأن الطريقة الوحيدة ‏لتحقيق المزيد من التواصل كانت العمل لأيام أطول. حتى مع تقليل ‏الوقت الذي تستغرقه الاجتماعات، فإن مطالب العمل التي نتجت عن ‏الوباء، إلى جانب المطالب الشخصية، التي تكون دائمًا في متناول اليد، ‏ربما تجعل من الصعب الوفاء بالالتزامات في حدود ساعات العمل ‏العادية‎".‎

‎"‎الحق في الفصل بين العمل الحياة والشخصية‎"‎

وتزايدت شعبية القوانين التي تحمي الموظفين من مطالبتها بالتواصل ‏خارج ساعات العمل في أعقاب التحول الناجم عن الوباء إلى العمل عن ‏بُعد. في أوائل عام 2021، دعا البرلمان الأوروبي إلى تعريف الحق في ‏قطع الاتصال بوضوح في قانون الاتحاد الأوروبي‎.‎

وقاد أليكس أغيوس صليبا، عضو البرلمان الأوروبي، الدعوة إلى إعلان ‏الحق في الفصل بين الحياة العملية والشخصية كحق أساسي لجميع ‏العمال في الاتحاد الأوروبي. تم إعداد الاقتراح لحماية العمال من ‏‏"التمييز أو النقد أو الفصل أو الإجراءات السلبية الأخرى من قبل أرباب ‏العمل" عند الضغط عليهم للانخراط في مهام متعلقة بالعمل خارج ‏ساعات العمل المحددة بوضوح‎.‎

ويقول أغيوس صليبا: إن "الحق في قطع الاتصال [في غير ساعات ‏الدوام] يعد أمرًا حيويًا للصحة النفسية والجسدية. [وأنه قد] حان الوقت ‏لتحديث حقوق العمال بحيث تتوافق مع الحقائق الجديدة للعصر الرقمي‎".‎

وخطت سلوفاكيا خطوة أخرى إلى الأمام، حيث عدلت قانون العمل في ‏وقت سابق من هذا العام ليشمل الحق في قطع الاتصال بعد ساعات الدوام ‏فيما أصدرت الأرجنتين قانونًا مشابهًا، يحظر على أصحاب العمل مطالبة ‏العمال بالاتصال بهم خارج ساعات العمل. وتضمنت مدونة ممارسات ‏مكان العمل في أيرلندا منح حق جديد يسمح للموظف بالفصل بين حياته ‏العملية والشخصية‎.‎

الرأي الآخر

وبالطبع، لا يرى الجميع أن سن قوانين تمنح الحق في الفصل بين الحياة ‏الشخصية والعملية فكرة جيدة. يقول لين شاكلتون، الخبير الاقتصادي من ‏جامعة "باكنغهام"، إن تقييد ساعات العمل ربما يؤدي إلى أن يفرض ‏أرباب العمل رقابة صارمة على موظفيهم خلال ساعات الدوام، والتأكد ‏من معدلات إنتاجيتهم"، وهو ما يعني بالتبعية أن "الكثير من المرونة، ‏التي وفرها العمل من المنزل، والتي سمحت للبعض بالذهاب إلى السوبر ‏ماركت أو اصطحاب الأطفال وتعويض ذلك الوقت في العمل لاحقا ‏ستتلاشى". ويشرح شاكلتون أن "أرباب العمل سيرغبون في معرفة سبب ‏عدم الإجابة على اتصال هاتفي أو الرد على بريد إلكتروني [خلال ‏ساعات الدوام‎]."‎

مراقبة الموظفين في منازلهم

وخلال العام الماضي، ارتفع الطلب على برامج مراقبة الموظفين بشكل ‏كبير. وكشف أحد التقارير أن الاهتمام ببرمجيات المراقبة نما بنسبة ‏‏55% في حزيران/يونيو 2020 مقارنة بمتوسطات ما قبل الجائحة. ‏يمكن أن تتضمن هذه البرامج تسجيل ضغطات المفاتيح أو مراقبة ‏الرسائل الفورية أو حتى إرسال إشعارات إلى المشرفين والمديرين إذا ‏تُركت لوحات المفاتيح في وضع الخمول لفترة طويلة للغاية‎.‎

ويقول أندرو بيكس إن الضغط من أجل الحق في قطع الاتصال في غير ‏ساعات الدوام لا يعني أن العمال يجب أن يقبلوا ممارسات المراقبة ‏الرقمية الغازية. يقول إن ما يجب أن يحدث الآن هو أن حقوق العمال ‏بحاجة إلى إعادة كتابتها بشكل واضح وشامل مع تغير طرق عملنا بشكل ‏كبير‎.‎

ويقول باكس: "إن هناك حاجة إلى وضع أطر قانونية مناسبة حول قدرة ‏أصحاب العمل على مراقبة موظفيهم واستخدام بياناتهم لأغراضهم ‏الخاصة. وأن هناك حاجة إلى القيام بهذه الخطوة حاليًا، لأن حماية ‏الحريات أسهل بكثير من استعادتها بمجرد ضياعها. لقد غيّر الوباء أشياء ‏كثيرة، لكن لا يمكن السماح له بتحديد العمل دون أن يكون للموظفين ‏الحق في التعبير عن رأيهم في التغييرات المطلوب القيام بها‎"‎‏.‏




العربية.نت