أثارت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، التي ألغى بمقتضاها أبوابا كاملة في دستور البلاد ومنح لنفسه صلاحيات واسعة، وأقر فيها مواصلة تجميد البرلمان وتجريد الحصانة من أعضائه وإيقاف منحهم و امتيازاتهم، انقساما في الساحة السياسية بين مناصر ومؤيد يعتبر أنّها ستنهي حالة الفوضى والتشتت بين مؤسسات الحكم، ورافض لها يرى أنها تكرس الانفراد المطلق بالسلطة، في وقت أعلنت فيه عدة أحزاب عن تكوين جبهة لعزل الرئيس.
ولم تكن ردود أفعال المكونات السياسية والاجتماعية الوطنية وخبراء القانون منسجمة بين الرفض الشديد والوصف بـ"الانقلاب الدستوري" و"إلغاء النظام الجمهوري" والقلق من "العودة إلى نظام الحكم الفردي المطلق" وبين المساندة التامة، واعتبار قرارات الرئيس "طريقا لتصحيح مسار الثورة.
في هذا السياق، اعتبرت حركة النهضة، أن عزم الرئيس قيس سعيّد المضي في التدابير الاستثنائية يهدد "بتفكيك الدولة" ويزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، محذرة من أن "إقرار أحكام انتقالية منفردة" يمثل " تصميما على إلغاء الدستور" وهو ما لا توافق عليه.
ونسج حليفها في البرلمان حزب "قلب تونس" على منوالها، وقال إنّ الإجراءات التي اتخذها قيس سعيّد، تشكلّ " خرقا جسيما للدستور وتعدّ انقلابا على الشرعية وتأسيسا لدكتاتورية جديدة".
وأعلن كل من حزب التيار الديمقراطي، حزب آفاق تونس، حزب التكتل والحزب الجمهوري، أن القرارات الجديدة التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، تمثل "خروجا على الشرعية وانقلابا على الدستور"، وعبّرت في الآن نفسه عن رفضها إلى العودة إلى الفساد والفوضى التي ميزت ماقبل 25 يوليو/تموز.
واعتبرت هذه الأحزاب، في بيان مشترك، اليوم الخميس، أن "رئيس الجمهورية فاقدا لشرعيته بخروجه عن الدستور وأن كل ما بني على هذا الأساس باطل ولا يمثل الدولة التونسة و شعبها و مؤسساتها"، محملة إياه مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه "الخطوة الخطيرة"، وقالت إنّها ترفض "استغلال الرئيس للإجراءات الاستثنائية لفرض خياراته السياسية الفردية كأمر واقع وذلك على حساب الأولويات الحقيقية وعلى رأسها مقاومة الفساد ومجابهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والصحية".
وبدى موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في البلاد، أكثر حدّة هذه المرة، وأعلن لأول مرة معارضته لقرارات الرئيس قيس سعيّد، حيث عبرّ على لسان أمينه اعام المساعد سامي الطاهري عن استيائه من القرارات الأخيرة لسعيّد، وندّد بنعته نحو الحكم الفردي المطلق.
في المقابل، أعلنت عدّة أحزاب سياسية تفهمها لإجراءات الرئيس قيس سعيّد الجديدة، باعتبار الأوضاع المتردية التي أصبحت عليها البلاد، بعد 10 سنوات من الثورة، واعتبرت أنها تعبيرا عن إرادة الشعب، وخطوة هامة في اتّجاه بناء تونس الجديدة وتصحيح المسار الثّوري.
في هذا السياق، أكد حزب التيار الشعبي، على ضرورة تغيير النظام السياسي للقطع مع الفوضى وازدواجية السلطة التنفيذية وتغيير القانون الانتخابي وكل التشريعات ذات الصلة بالحياة السياسية بما يمكن الأغلبية الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير من الوصول إلى السلطة وبما يحول دون أن تتمكن منظومة النهب والعمالة من تغيير واجهتها وإعادة الكرة على الشعب التونسي من جديد
اعتبرت قيادات حركة الشعب، أن قرارات سعيد جاءت لإنقاذ البلاد، وأعلنوا أنهم ضدّ عودة البرلمان، الذي كان في خدمة المافيا والفاسدين، داعين الرئيس إلى تحديد آجال الفترة الاستثنائية وتحديد مواعيد المحطات الانتخابية القادمة.
من الناحية القانونية، أكد أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، أن "رئيس الجمهورية تعهد بموجب الأمر الرئاسي الذي أصدره أمس بإرساء دولة القانون والمؤسسات وهو الأمر الذي فشل في تحقيقه تجار الدين والانتهازيون من تجار الديمقراطية".
وأوضح محفوظ، في تدوينة نشرها على حسابه بفايسبوك ، أن "الفصل 22 ينص على أن يتولى رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي مع ضرورة أن تهدف مشاريع هذه التعديلات إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء ويقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر/كانون أول 2010 في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ويعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء للمصادقة عليها".
في الأثناء، أعلنت 4 أحزاب وهي كل من الاتحاد الشعبي الجمهوري، حراك تونس الإرادة، حزب الإرادة الشعبية وحركة وفاء عن تشكيل "جبهة"، للتصدي لما وصفته بـ"انقلاب الرئيس" والدفاع " عن إرادة الشعب التونسي ومصالحه العليا وعن الحريات العامة والدستور وحكم القانون"، وقالت إن "عزل الرئيس أصبح واجبا".
العربية.نت