هايد بارك

وسام الحسن .. أن تعرف أكثر مما ينبغي - خالد صالح

تم النشر في 18 تشرين الأول 2021 | 00:00

كتب خالد صالح (*):

لم تكن ظهيرة يوم الجمعة الموافق في 19 تشرين الأول 2012 عادية ولم تمرّ مرورَ الكرام، ‏وسام الحسن "شهيدا"، الخبر الذي نزل كالصاعقة على الجميع، فصائد "الطرائد" سقط ‏طريدة على مذبح الوطن ..‏

تسعُ سنوات مرّت على "الضربة" التي قصّت ظهر "14 آذار" وجعلتها تقف عارية أمام ‏رياح المتغيّرات التي بدأت تطل برأسها على لبنان والمنطقة، فتهاوت سريعًا بعدما خسرت ‏درعها وشبكة أمانها، تسعُ سنوات ويبقى لغز انكشاف أشد "رجال الأمن" حرصًا ونباهة ‏مجهولًا ومحيّرًا في آن، فيبرز السؤال المنطقي : أي عقل هذا الذي فكّر وخطط ونفذ ؟.‏

قبل تسع سنوات ارتقى "وسام الحسن" شهيدًا بعدما بات أصغر ضابط في لبنان يحمل رتبة ‏‏"لواء"، الرتبة التي كان يبتسمُ كلما سمعها من رفاقه أو مرؤوسيه ويُجيبهم بعبارته الأحب ‏إلى قلبه "لا تضعني في صراع مع القدر، ما أقوم به مصيره واحد من ثلاثة إذا كان حظّي ‏جيدًا، المنفى أو السجن، وإلا فالقبر"‏‎.‎‏ ‏

لم يختر "وسام الحسن " الاستشهاد كخيار بل لاقاه كـ "قدر"، القدر الذي جعله يعرف أكثر ‏مما ينبغي حتى أصبح "الهدف" الأغلى لكل من يعرف عنه شيئًا، ربّما هي معادلة غير سوية، ‏لكن أن تكون في لبنان وتصبح على دراية عميقة بتفاصيل الكثير من الأحداث وأسرارها، ‏يصبح رأسك مطلوبًا برصاصة من كاتم للصوت أو بعبوة ناسفة أو سيارة مفخخة، فكيف إن ‏كان هذا الرجل بحجم "وسام الحسن" .‏

منذ 9 كانون الثاني 2006 لحظة تسلمه قيادة "فرع المعلومات" بات في دائرة الاستهداف ‏المباشر، ليس فقط لدوره مع "الوسام" الآخر "الرائد الشهيد وسام عيد" في فكفكة طلاسم ‏زلزال 14 شباط 2005، بل لقدرته الفائقة في نسج شبكة هائلة من العلاقات الأمنية داخليًا ‏واقليميًا وعربيًا ودوليًا، حتى أصبح المحور التي تدور حوله الكثير من الأسرار التي يملك ‏الإجابات عليها، ليخترق السياسة من باب الأمن فاستطاع بناء شخصية فريدة في الكثير من ‏المقومات ليترك بصماته واضحة في قراراتها .‏

لم ينف "الحسن" ارتباطاته بالرئيس سعد الحريري أو قربه من قادة 14 آذار، لكنه لم يكن ‏ذلك الشخص الذي "يبصم" أو يقول "أمرك" بهدف الحفاظ على الموقع والدور، كان أكثر ‏عقلانية ودينامية وصاحب مواقف صلبة وكبيرة في لحظات مفصلية ودقيقة، من حرب تموز ‏‏2006 إلى اعتصامات وسط بيروت وصولًا إلى السابع من أيار 2008 والتي لعب فيها دور ‏الاطفائي المتلقف لـ "كرة النار" واستطاع تحييد الصراع عن الكثير من المناطق .‏

كانت حربه على "التجسس" طاحنة فتهاوت "الشبكات الداخلية" أمام استراتيجيته الفذة، ‏وحقق انجازات خارقة في هذا الملف الدقيق والحساس، ورغم فقدان الثقة بينه وبين "حزب ‏الله" إلا أنه استحوذ على إعجابهم بما يملك من قدرة على إدارة الملفات الأمنية بدقة العارف ‏مسار الأمور، في لحظات كانت المنطقة برمتها تقف فوق صفيح ساخن .‏

إكتسب "الحسن" الكثير من الحضور الفذ نتيجة قربه اللصيق من الرئيس الشهيد رفيق ‏الحريري، وكان دائمًا ما يردد مقولته العظيمة "لبنان الذي يطحن التاريخ وصانعيه"، ولطالما ‏تمسّك بـ "شعرة معاوية" فلم يقطعها مع أحد بالمطلق، ومن هذه القدرة الفائقة استطاع بناء ‏الجهاز الأمني الأقوى والأكثر فاعلية في حقبة ما بعد الطائف، لم يضع الحواجز بينه وبين ‏فريقه فبات الجميع من حوله "كتلة متراصة" بعد أن كسر "النمطية" التقليدية المعروفة في ‏رجال الاستخبارات، فمنحهم بذلك الثقة والأمان ووفّر لهم الإمكانات المتطورة للإبداع وتحقيق ‏الإنجازات .‏

انتقل بـ "شعبة المعلومات" من مرحلة العمل التقليدي المشوب بالرتابة، نحو آفاق مختلفة في ‏الأداء الأمني، كان يتقن بحرفية قراءة الخلل ومكامنه ويملك المقدرة على صوغ المعالجة له، ‏من دون أي تأثيرات سلبية بل على العكس تطور مستمر ونتائج مذهلة بسرعة قياسية، لم ‏يطلب أمورًا خارقة أو إعجازية، بل دائًما ما يقول "الجود من الموجود"، محافظًا على مكانته ‏في عيون أصدقائه وخصومه على السواء، من دون أي تزلّف أو مسايرة على حساب رسالته ‏الوطنية وموقعه الأمني الكبير . ‏

‏"قول الله" الكلمة الأكثر مرورًا على شفتيه كلما تكاثرت التحذيرات الأمنية له، لم يلتفت لتكاثر ‏الأعداء من حوله فقد كان يعرف أن رأسه مطلوب ليس فقط للدور الذي يؤديه، بل لحجم ‏المعلومات والمعطيات التي يملكها، وهي من دون شك معلومات جدًا خطيرة ودقيقة ولا ينبغي ‏أن تكون بحوزة "رجل واحد"، فكيف إن كان هذا الرجل هو "وسام الحسن" .‏

تسع سنوات والتحقيقات ماتزال مبهمة حول هذه الجريمة الكبيرة بحق لبنان، تسع سنوات ‏مرّت على اغتيال من جعل الأمن في لبنان يأخذ أبعادًا مختلفة عن الأنماط التي كانت متبعة، ‏تسع سنوات ولبنان منذ 19 تشرين الأول 2012 لم يشعر يومًا أن أمنه بخير . ‏

(*) مسؤول شؤون الاعلام في منسقية البقاع الغربي وراشيا