صار لبنان بلداً غير آمنٍ للإنجاب، ومن الصعب الاستمرار في العيش فيه بشكل طبيعي وكريم، فكل المقومات الأساسية لبناء الأسرة مفقودة. الأزمة الاقتصادية أرخت بكامل ثقلها على الشعب اللبناني وأصبح همّ الكثيرين منهم الحرص على عدم إدخال أجيال جديدة إلى جحيم لبنان، لعدم قدرتهم على تأمين تكاليف الطفل قبل ولادته وبعدها في ظل الغلاء الذي فاق قدرة الآباء على تحمل الأعباء.
وأكدت أرقام المديرية العامة للأحوال الشخصية تراجع عدد الولادات بشكل ملحوظ، إذ كانت عام 2019 تساوي 86.584 وأصبحت 74.049 عام 2020، بتراجع نسبته 15%، ويتوقع أن تسجل هذه الأرقام مزيداً من التراجع هذا العام بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية، مما سيدفع العديد من الشباب إلى العزوف عن الزواج أو الذهاب الى الخيارات الصعبة التي تندرج تحت مسمى "العقم الطوعي".
نسب الإجهاض إلى ارتفاع غير مسبوق!
وتشرح الطبيبة المتخصصة في الولادة والأمراض النسائية غادة موسى لـ"لبنان الكبير" أكثر عن هذه الحالات: "الوضع صعب على كل الشعب اللبناني، الأمر الذي جعل قرار الإنجاب كحلم إبليس بالجنة، باستثناء المتزوجين حديثاً والذين تكون لديهم الرغبة في إنجاب طفل، فقد انخفضت نسبة الولادات هذه الفترة بشكل كبير جداً بما لا يقل عن 40% مقارنة بالسنوات الماضية، وتُعد نسب وضع "اللولب" للنساء هذا العام هي الاعلى منذ 10 سنوات، بالإضافة إلى حبوب منع الحمل على الرغم من أنه لا يكون متوافراً في الصيدليات بين فترة وأخرى، لكن الحالة الخطيرة التي لم نكن نراها من قبل بهذا الكمّ هو الحمل من طريق الغلط، بحسب تعبيرهن، فهناك نساء تأتين للإجهاض بهذه الحجة ولا شك أنني أرفض ذلك ولم أجرِ عملية كهذه منذ بداية مسيرتي الطبية".
وتضيف: "مؤسف أن يكون هناك أطباء يجرون عمليات كهذه تعتبر جريمة قتل بحق الأم والطفل في آن واحد، الأمر الذي يعتبر حراماً شرعاً وطبياً، وأتمنى على جميع النساء الإنتباه والإلتزام بالوقاية الطبيعية دائماً كي لا يصلوا إلى هذه النتيجة وبالأخص مع تأزم الوضع وفقدان الحليب والحفاضات من السوق، وفي حال توافرها تكون أسعارها باهظة جداً وتفوق قدرة الناس على شرائها".
من الناحية الاجتماعية، تشير المتخصصة في علم الاجتماع حنان عراجي إلى أن "انخفاض معدلات الانجاب أمر طبيعي وصحي في الوضع الصعب الذي يحيط بنا من كل الجوانب الحياتية، حتى الأشخاص الذين ينتمون إلى طبقة متوسطة أو مرتاحة مادياً يعزفون اليوم عن الإنجاب وتربية طفل في ظل وضع اجتماعي وأمني غير آمن، فلم يعد قرار الانجاب مرتبطاً فقط بشكل أساسي بالماديات، فهذه الخطوة تتطلب مناخا ملائما لأهميتها، الامر المفقود حالياً في لبنان".
وتؤكد: "ما دامت الأزمة مستمرة، فالأرقام ستذهب إلى تراجع أكبر في الأيام المقبلة، وبالأخص أن العناية الصحية للمرأة الحامل أصبحت مكلفة جداً اليوم وهي مضطرة إلى مراجعة الطبيب بشكل دائم، عدا عن صورة الـ"إيكو" التي أصبحت كلفتها تتخطى المليون ليرة، هذا كله من دون احتساب كلفة عملية الولادة التي وصلت إلى 18 مليون ليرة وذلك بحسب الدرجة الاستشفائية وتوابعها".
وتُحذر عراجي من "ارتفاع عمليات الاجهاض التي تنعكس سلباً على نفسية الأهل عموماً، وعلى جسم المرأة خصوصاً، كما يمكنه أن يؤثر فيها في حال أرادت الانجاب مره أخرى، فعليكن جميعاً اتباع الطرق السليمة والطبيعة تجنُباً لأي مكروه".
من الناحية الدينية، يؤكد القاضي الشرعي خالد عبد الفتاح أن "العقم الطوعي مُحرّم شرعاً، وهو نفسه الخصاء والأخير ممنوع، واستأذن صحابة النبي عليه الصلاة والسلام في الخصاء ولم يأذن لهم، وهذا نوع من تغيير خَلق الله، فقد خَلَق الله الإنسان لينجب، والاقدام على العقم فيه ضرر للإنسان، وغالباً ما يسبب الندم في مراحل لاحقة". ويتابع: "يجوز تحديد النسل، أي تنظيمه، لكن شرط أن لا يُقدِم على نزع أسباب النسل ووسائل النسل من جسمه، أو من جسم امرأته، وأؤكد للجميع أن نسب الزواج لم تنخفض ولم تتأثر بالأزمة".
ويعلق حسان وهو يعمل في مجال إدارة الأعمال، وأب لطفلين، أنه "لم أحسب يوماً أنه ستصل بي الظروف إلى عدم القدرة على شراء الحليب لأطفالي، أو تأمين حفاضات لهما، هذه أخطر أزمة مرت على الوطن منذ قيامه، أقف اليوم حائراً أمام تأمين حاجات المنزل ككل، أو طلبات زوجتي، أو حاجات طفلَي، ندعو الله أن يرحمنا من بطش الظالمين الموجودين في موقع السلطة".
يبدو أننا أصبحنا على مقرُبة من الاعتياد على نمط عيش مختلف تماماً عن قبل، ربما هذه الأمور تحصل فقط في جهنم، ومن سوء حظنا أننا أول الوافدين بفضل من وعد ووفى بإدخالنا إليها... شكراً فخامة الرئيس فقد أخجلتنا صدقيتك!