منوعات

‏"السر الكبير".. كشف سبب استهلاك الدماغ قدرا كبيرا من الطاقة

تم النشر في 7 كانون الأول 2021 | 00:00

بالرغم من المساحة الصغيرة التي يشغلها الدماغ البشري في أجسادنا، إلا أنه على ‏درجة كبيرة من التعقيد يستطيع معها إنجاز الكثير من المهام اليومية، وتجاوز ذلك ‏إلى تمكين البشر من بسط سيطرتهم على الكرة الأرضية، وربما الفضاء الخارجي.‏

ولا تزال جهود العلماء تحاول سبر أغوار الدماغ وكشف أسراره. كانت آخر تلك ‏الجهود دراسة جديدة نشرت بدورية "ساينس أدفانسيس"، وأجراها باحثان من كلية ‏الطب بجامعة كورنيل، حاولا خلالها فهم طريقة استهلاك الدماغ للقدر الأكبر من ‏‏"الطاقة" في جسم الإنسان.‏

اللغز الكبير

موقع "سكاي نيوز عربية" تواصل مع تيموثي رايان، المؤلف الرئيسي للدراسة، ‏وأستاذ الكيمياء الحيوية في كلية طب وايل كورنيل بجامعة كورنيل في نيويورك، ‏الذي كشف بدوره عن طبيعة النتائج التي تم التوصل إليها في الدراسة الجديدة.‏

في البداية يوضح رايان ماهية عمل الدماغ؛ إذ يقول إن أدمغة جميع الثدييات تحتاج ‏إلى الكثير من الطاقة لإبقائها تعمل: "من حيث الوزن، يكون الدماغ أكبر بـ10 ‏مرات من الأعضاء الأخرى في الجسم، كما أنه يستخدم حوالي 20 في المئة من ‏إجمالي "الطاقة" التي يحتاجها الجسم، لكنه يمثل حوالي 2 بالمائة فقط من إجمالي ‏كتلة الجسم".‏

ويضيف رايان لموقع" سكاي نيوز عربية" موضحًا أن هذا الاستهلاك العالي ‏للطاقة يُعزى إلى حقيقة مفادها أنّ خلايا الدماغ تستخدم إشارات كهربائية لإرسال ‏رسائل عبر المدى الطويل جدًا من الخلايا العصبية الفردية. ‏

وتابع: "منذ حوالي 40 عامًا، كشفت جهود فريق من الأطباء أنّ أدمغة مرضى ‏دخلوا في غيبوبة شديدة لا تزال تستهلك الكثير من وقود الجسم، أقل بمرتين من ‏المرضى العاديين". ‏

وأضاف: "ومع ذلك، كان من المدهش جدًا أنه عندما تكون معظم وظائف الدماغ ‏متوقفة، لا يزال هناك استهلاك أعلى بكثير من الطاقة مقارنة بالأنسجة الأخرى. ‏وبقى سبب هذه الاستهلاك المضاعف من الطاقة لغزًا كبيرًا منذ ذلك الحين".‏

طاقة المشابك العصبية

يكشف أستاذ الكيمياء الحيوية طبيعة الدراسة التي أعدّها رفقة زميلته كاميلا بوليدو؛ ‏فيقول: "أثناء عملنا في المختبر، طورنا طرقًا لقياس كمية الطاقة التي تستهلكها ‏المشابك العصبية بشكل مباشر؛ حيث تعد نقاط الاشتباك العصبي بمثابة نقاط ‏الاتصال بين خلايا الدماغ، وتشير التقديرات إلى أن دماغ الإنسان يحتوي على ‏حوالي 10 تريليونات من نقاط الاشتباك العصبي". ‏

ويستطرد: "في تجاربنا طرحنا تساؤل يقول: هل سيغير مقدار الطاقة التي تستهلكها ‏المشابك عندما نجبرها إيقاف الاتصال الكهربائي؟ كانت الإجابة أنها ما زالت ‏تستهلك الكثير من الطاقة".‏

‏"ثم أجرينا المزيد من التجارب لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا تحديد أي جانب من ‏المشبك يحرق كل هذه الطاقة، ، حتى عندما يكون "في حالة سكون، وكانت النتيجة ‏أنّ المسؤول الرئيسي لم يكن متوقعا على الإطلاق".‏

إحدى النظريات لتفسير هذا اللغز تقول إن الدماغ يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة ‏للحفاظ على استمرار الإشارات الكهربائية في خلايا الدماغ، وهو ما يوصف بإبقاء ‏‏"البطاريات الصغيرة" مشحونة، لكن رايان دحض هذا التفسير، فلم يكن الحفاظ ‏على الإشارات الكهربائية السبب الرئيسي لاستهلاك الطاقة. ‏

في المقابل، وجد رايان أن عملية تجهيز الرسالة الكيميائية لإرسالها كانت واحدة ‏من أكبر مستهلكي الطاقة، فالإشارة الكهربائية لا تنتقل إلا عبر المسافة (التي يمكن ‏أن تكون طويلة جدًا) في خلية فردية، ولإرسال الرسالة إلى الخلية التالية، يتم ‏‏"تحويل" الإشارة الكهربائية إلى رسالة كيميائية. ‏

يتم نقل الرسالة الكيميائية من خلال كبسولات صغيرة تُعرف بالحويصلات ‏المشبكية، تندمج مع سطح الخلية عند المشبك، مما يسمح للرسالة بالانتشار عبر ‏فجوة صغيرة لتعمل بعد ذلك على الخلية المجاورة.‏

على طريقة الهاتف الجوال

يقول أستاذ الكيمياء الحيوية: "ما وجدناه هو أن إبقاء الكبسولات الصغيرة ‏‏(الحويصلات المشبكية) مليئة بالرسالة الكيميائية، هو ما يتسبب في حرق الطاقة ‏باستمرار، حتى عندما لا يتم إرسال الرسالة".‏

ويشبه رايان هذه العملية بما يحدث مع بالهاتف الخلوي، الذي تنفد بطاريته ‏باستمرار لأنه يكون دائمًا في حالة تأهب قصوى وجاهز لإخبارك بمكالمة أو ‏رسالة واردة، كذلك اتضح أن عملية "إبقاء المشابك الدماغية جاهزة" لإرسال ‏رسالة تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، تمامًا كما يفعل إبقاء هاتفك في حالة تأهب.‏

ويعد فك هذا اللغز المحير بمثابة تقدم كبير في فهم طبيعة عمل الدماغ، إلى جانب ‏أن ضعف الدماغ أمام انقطاع إمداد الطاقة يمثل مشكلة رئيسية في علم الأعصاب، ‏وقد لوحظ وجود نقص في التمثيل الغذائي في مجموعة من أمراض الدماغ الشائعة ‏مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون، ويمكن أن يساعد هذا النهج بنهاية ‏المطاف في حل الألغاز الطبية المهمة واقتراح علاجات جديدة.‏




سكاي نيو عربية ‏