على رغم أهمية هذه الزيارة لأرفع مسؤول اممي الى لبنان في هذه الفترة وما تنطوي عليها من دلالات، الا ان الرمال اللبنانية المتحركة سرعان ما ابتلعتها، وقزّمتها إلى مستوى حدث عابر ضاع في المتاهة اللبنانية المرشحة الى التفاعل اليوم مع صدور قرار المجلس الدستوري الذي سيُكرّم فيه طعن تكتل لبنان القوي بتعديلات القانون الانتخابي او يهان.
بحسب ما تجمّع لـ«الجمهورية» من معلومات، فإنّ الانظار كانت مشدودة في نحو برنامج لقاءات الامين العام للأمم المتحدة، الا ان الاهتمام الداخلي انحرفَ في اتجاه الوقوف على حقيقة ما جرى بثّه صباحا حول صفقة او مقايضة يجري إنضاجها على خطّ بعبدا - عين التينة.
احدث هذا الأمر بلبلة على كلّ الخطوط السياسية، وتوزّعت اتصالات في اكثر من اتجاه، وخصوصا بين السرايا الحكومية وقصر بعبدا، هذا في وقت كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد باشر مواعيده باكراً بلقائه عند العاشرة والنّصف قبل الظهر بالامين العام للأمم المتحدة، وأعقبه لقاء عقده بري مع وفد من الهيئات الاقتصادية.
في هذه الاثناء، ورد اتصال من السرايا الحكومية الى عين التينة يفيد برغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بلقاء الرئيس بري، فتحدّد الموعد فوراً، وبالفعل بعدما انتهى لقاء الرئيس ميقاتي بالامين العام للامم المتحدة توجه فورا الى عين التينة وعقد اللقاء بين بري وميقاتي.
وفي اللقاء، كما تشير المعلومات، حضر ميقاتي الى عين التينة وكان منزعجا جدا مما يروّج عن صفقة ومقايضة، وخلال اللقاء استوضح من بري عما يحكى عنهما فأكد رئيس المجلس أن لا علم له بهما.. و» ما في شي منّو على الاطلاق».
وتعكس المصادر الموثوقة ما قيل في اللقاء حيال هذه الطبخة ما مفاده انها ليست واردة، وان اطرافاً خبيثة تقف خلف ترويجها لكي توجد التباسات وانقسامات في البلد، وكأنّه لا يكفيها ما هو حاصل في البلد والوضع السيئ الذي يعانيه، لتأتي وتقوم بهذا الترويج وإثارة اجواء بلبلة لتأزيم الوضع اكثر، فهل يحتمل البلد خضات اضافية؟
وتلفت مصادر المعلومات الى انّ النقاش بين بري وميقاتي تناول مسار المعالجات المطروحة على الخط الحكومي والقضائي، مع تأكيد الرئيس بري على وجوب اعتماد الاصول الدستورية في الجانب المتعلق بالتحقيق العدلي وسلوك طريق المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فيما اكد الرئيس ميقاتي موقفه المبدئي مع بلوغ حل لهذه المسألة، على نحو لا يجعل الحكومة في موقع المتدخل في شؤون القضاء او التحقيق.
كما ان النقاش لم يقتصر على هذا الجانب فقط، بل انّهما تطرقا في حديثهما الى امور اخرى، ومرّا بصورة سريعة على ما له علاقة بما نشر في بعض الاعلام عن الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمود الاسمر. وانتهى اللقاء بين الرئيسين، وخرجا سويّا من مكتب الرئيس بري، الذي رافق الرئيس ميقاتي مودّعاً حتى باب المصعد، حيث لم تكن تبدو على الرئيس ميقاتي اي تعابير توحي بأجواء سلبية سادت اللقاء، مع العلم انّ الاجواء كانت ممتازة. الّا انّ ما حصل هو انّه عند خروج الرئيس ميقاتي من باب المصعد في بهو عين التينة، بادره احد الصحافيين بسؤال «هل نجحت الصفقة التي يحكى عنها»؟ ويبدو ان هذا السؤال استفزّ ميقاتي فردّ غاضباً: «نحن غير معنيين».
لكن الامر لم ينته هنا، حيث سارعت بعض مواقع التواصل الى ترويج سيناريوهات سلبيّة عن اللقاء بين بري وميقاتي، وتحدّثت عن تباين في وجهات النظر بينهما، وعن نقاش حاد جرى بينهما، حيث نسبت الى الرئيس بري كلاما بحق الرئيس ميقاتي كما نسبت الى ميقاتي كلاما بحق الرئيس بري، وعزمه على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، كما نسبت الى بري تلويحه باستقالات الوزراء الشيعة في حال تمّت الدعوة... وترافق هذا الترويج مع ترويج آخر بأنّ ميقاتي سيزور القصر الجمهوري لتقديم استقالته.
بري
واستوضحت «الجمهورية» الرئيس بري ما جرى، فقال: كل هذا الكلام ليس صحيحا على الاطلاق، ولا توجد ايّ شائبة في العلاقة مع الرئيس ميقاتي ابداً، وما حكي عن هذا الامر لا اساس له.
وعما روّج عن صفقة قال بري: لست على علم بأي صفقة على الاطلاق، وكذلك الرئيس ميقاتي الذي كان شديد الاستياء ممّا حُكي عن صفقة.
وردا على سؤال عمّن يقف خلف الترويج لوجود صفقة، قال بري: واضح ان هناك من يلعب لعبة خبيثة وكريهة، ويسخّر مواقع التواصل وغرفا سوداء لبث الشائعات ورمي الاساءات.
في جانب آخر، اكد بري «اننا مع اي قرار يصدر عن المجلس الدستوري في ما خص الطعن المقدم امامه، فإن جاء هذا القرار بقبول الطعن، فأهلا وسهلا، وسنلتزم به، وإن جاء القرار بعدم قبول الطعن ايضا اهلا وسهلا، وسنلتزم به».
ميقاتي
بدورها، ردت اوساط ميقاتي «على الأخبار التي تزعم نشوبَ خلاف بين الرئيسين بري وميقاتي، وقالت: «لا خلاف مع الرئيس بري ولن يكون، وعلاقتهما جيدة ولا شائبة فيها، واللقاء بينهما كان ايجابيا، وهما مستمران في التشاور شخصياً ومؤسّساتياً في كل الملفات المطروحة ولاستنهاض البلد، واي اختلاف في الموقف السياسي اذا وجد، فهو لا يفسد في الود قضية».
واكدت الاوساط لـ«الجمهورية» انه على موقفه الصامت والمتمسك بالحفاظ على المؤسسات ولن يشذ عن هذا الموقف، وعن التمسك بالحوكمة والشفافية في اتجاه تحقيق المهام الاصلاحية للحكومة».
كما رفضت اوساط ميقاتي «ما تم تناقله من اشاعات حول عزم رئيس الحكومة على تقديم استقالته»، مؤكدة ان «لا صحة لما يُشاع وكل ما يسرّب هو اخبار مدسوسة وشائعات مغرضة».
وفي وقت لاحق، صدر عن المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي بيان جاء فيه: «يتم التداول منذ بعد ظهر اليوم (امس) بأخبار وتسريبات تتناول موقف دولة الرئيس ميقاتي في اعقاب الاجتماع الذي عقده مع دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. وفي هذا السياق ينبغي ايضاح الاتي:
لقد كرر الرئيس ميقاتي، خلال الاجتماع، موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء بأيّ شكل من الاشكال، او اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة او بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق، كما كرر وجوب ان تكون الحلول المطروحة للاشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مُناطة بأحكام الدستور من دون سواه، من دون ان يقبل استطراداً بأي قرار يستدلّ منه الالتفاف على عمل المؤسسات.
اضاف البيان: «إن دولة الرئيس ميقاتي ابلغ هذا الموقف الى فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري، وهو موقف لا لبس فيه على الاطلاق. كما انّ دولته مستمر في مهامه وفي جهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء، واي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطاً فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الامور. فاقتضى التوضيح».
الى ذلك، وربطاً بما حكي عن صفقة او مقايضة، فليس هناك ما يؤشر الى اي انفراج في الافق السياسي والقضائي حتى الآن. بل على العكس من ذلك، اصبحت المواقف اكثر تصلبا وتشنجا، والامور مفتوحة على سلبيات.
وتؤكد مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» ان الامور ما زالت جامدة عند نقطة الخلاف الجوهرية الاساسية، ولم يحصل اي تبدّل في المواقف حتى الآن.
وإذ لفتت الى ان جهوداً بذلت في الساعات الاخيرة سعياً لبلورة مخرج للواقع المعقد سياسيا وحكوميا وقضائيا، ولكن من دون ان تفلح في تحقيق ايجابيات، نَفت ما جرى ترويجه عن صفقة او مقايضة يجري إنضاجها على خطّ بعبدا - عين التينة، وادرجت هذا الترويج في سياق التشويش على المجلس الدستوري عشية اصدار قراره النهائي في الطعن المقدم من تكتل لبنان القوي في بعض تعديلات القانون الانتخابي، ومحاولة ارباك المجلس والتأثير في قراره.
وكانت منصات اعلامية قد روّجت امس محاولة جدية جرت في الساعات الماضية على خط بعبدا والثنائي الشيعي لإجراء مقايضة تطيح كلّاً من رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود والمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، مقابل ان تتوفر الاكثرية المطلوبة في المجلس الدستوري لاصدار قراره النهائي آخذاً به بالطعن المقدم من تكتل لبنان القوي.
في السياق، نُقل عن اوساط القصر الجمهوري أن «لا صفقة على حساب التحقيق العدلي الذي يقوم به القاضي البيطار، والرئيس عون لن يقايض تحقيق المرفأ بإعادة تفعيل اي سلطة دستورية»، كذلك نقل عن مصادر رئيس التيار الوطني الحر قولها «ان لا صفقة ولا مقايضة بين ملفي الانتخابات والتحقيقات في تفجير المرفأ، ولسنا نحن من نبيع قضية تفجير المرفأ».
وفي المقابل، أبلغت مصادر ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» الى «الجمهورية» قولها «لسنا معنيين بكل ما يقال عن صفقات او مقايضات، وموقفنا معروف وكررناه اكثر من مرة بوجوب اتباع الاصول الدستورية، وان يبادر القضاء الى الانتصار لنفسه وتنقية ذاته من كل ما يشوّهه بالتسييس والاستنساب وحرف التحقيق في انفجار المرفأ عن السبيل الذي يؤدي الى كشف الحقيقة».
المركزية