لا يزال رهان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على تحقيق انجاز في قطاع الكهرباء، ليكون خشبة خلاصه من معمودية النار التي سيضطر لعبورها اذا ما أصيبت حكومته بالفشل الكامل، وهي شبه المشلولة! يوظّف الكثير من وقته واهتمامه بالتعاون مع وزير الطاقة وليد فياض لتحقيق هدفين: أولاً تحسين التغذية بالتيار الكهربائي، ومن ثم التحضير للمرحلة الثانية من خلال بناء معامل انتاج طاقة أو خصخصة القطاع.
ولكن حتى الآن، لم يتحقق من الهدف الأول سوى جانب واحد والذي أمّنه النفط العراقي الذي سمح بزيادة التغذية إلى أربع ساعات، مع العلم أنّ هذا الفضل يعود إلى حكومة حسان دياب التي وقّعت العقد مع السلطات العراقية. بالتوازي لا يزال العمل جارٍ على مشروعين متوازيين: الكهرباء الأردنية والغاز المصري.
إلى الآن، يبدو مشروع الغاز المصري معلّقاً بانتظار الحصول على استثناء رسمي من الكونغرس الأميركي من قانون قيصر، كي تقبل السلطات المصرية بتوريد الغاز إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وهو أمر غير متوفر وهو الذي دفع وزير الطاقة المصري للإشارة إلى أنّ امداد لبنان بالغاز من بلاده قد يتأخر حتى النصف الثاني من العام المقبل، مع أنّ أحد المعنيين بالملف يجزم بأنّ تلميح مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الطاقة والنفط والغاز أموس هوكشتاين، إلى أنّه سيتم التوصل الى اتفاق أميركي لاستجرار الغاز المصري الى لبنان قبل الانتخابات النيابية المقبلة، فيه إشارة واضحة إلى أنّ واشنطن تستخدم ورقة الغاز المصري للضغط على لبنان للمضي في مشروع ترسيم الحدود، ما يعني أنّه في حال حصل هذا الاتفاق، سيكون الغاز المصري خلال ساعات في معمل دير عمار. في هذه الأثناء، كان المجهود ينصبّ على مشروع استجرار الكهرباء من الأردن الذي يبدو أقل صعوبة في الإسراع لإنجازه، من نظيره المصري، حيث تؤكد المصادر أنّ لبنان أنجز الاتفاقية بعد استشارة هيئة الاستشارات في وزارة العدل، وهو بصدد مراجعة السلطات الأردنية حول العقد قبل توجّه مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك إلى عمان لتوقيعه وبدء استجرار الطاقة. واذا ما سارت الأمور على نحو ايجابي، فيفترض أن يكون الاتفاق موقعاً خلال الأيام المقبلة، ما قد يؤدي إلى اضافة ساعتَي تغذية من التيار الكهربائي على تلك التي يؤمنها الفيول العراقي.
في هذه الأثناء، لا تزال المفاوضات جارية مع البنك الدولي الذي سيتولى التغطية المالية للمشروعين، المصري والأردني، من خلال قروض ستدفع على مراحل، وكل مرحلة مشروطة برزمة التزامات يفترض بلبنان تحقيقها كي لا يعلّق البنك الدولي قرضه. وفي هذا السياق يعقد أكثر من لقاء أسبوعي في السراي الحكومي بين ميقاتي وممثلي البنك الدولي الذين يولون اهتماماً بارزاً لهذا الملف، كما يقول المعنيون، من باب تعاونهم على انجاح المشروع... توازياً مع اجتماعات مكثفة يعقدها وزير الطاقة مع مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، حيث يبدو أنّ الانسجام بين الفريقين يسهّل النقاش والبحث في آليات المعالجة.
وبالتفصيل، يتبيّن أنّه من بين الشروط التي يضعها البنك الدولي، هو خفض الهدر في التغذية الكهربائية وهي مهمة مقدمي الخدمات الذين تنتهي عقودهم نهاية العام الحالي. وقد أثار احتمال التجديد لهذه الشركات نقمة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان ما دفعهم إلى الاضراب عن العمل، اعتراضاً على توسيع صلاحيات مقدمي الخدمات، ما أدى إلى مراجعة وضعية هذه الشركات ومستقبلها من جانب مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان. وقد أدت هذه المراجعة إلى تفاهم المؤسسة مع الشركات على كيفية ادارة المرحلة المقبلة، بعدما توافق الطرفان على أنّ خطورة الوضع في البلاد وضرورة التعامل مع المرحلة على أنّ الربح والخسارة ليسا مقياساً للعمل، وبالتالي لا بدّ من ايجاد صيغة ترضي الطرفين.
وقد اتفقا على أن يكون استمرار العمل وفق قانون تعليق المهل الذي يعطي هذه الشركات امكانية البقاء لمدة 18 شهراً، على أن تكون المؤسسة قد تمكنت خلال هذه الفترة من وضع خريطة طريق لمستقبل القطاع. ويفترض أن تعمل الشركات خلال المرحلة الأولى، وفق الامكانات المتاحة على خفض الهدر التقني، قدر المستطاع، بشكل يرضي البنك الدولي.
ثاني تلك الشروط هو التدقيق الجنائي في حسابات مؤسسة كهرباء لبنان، وهو بند شهد تجاذباً مع وزارة المال التي كانت تصرّ على أن يبدأ التدقيق من العام 2011 تاريخ وقف التدقيق في حسابات المؤسسة، ولكن في النهاية رست النقاشات على الاكتفاء بتلبية شروط البنك الدولي الذي يطالب بالتدقيق في السنوات الثلاث الأخيرة أي 2019، 2020 و2021، وهكذا كان، حيث جرى استدراج عروض على أساس دفتر شروط موضوع من جانب البنك الدولي.
ثالثها، رفع التعرفة، وهي خطوة إلزامية لا هروب منها، بعدما كلف دعم هذا القطاع أكثر من ثلثَي الدين العام، حيث تشير المداولات الحاصلة حتى الآن إلى امكانية رفع تلك التعرفة حتى حدود 5000 ليرة للكيلواط اذا ما افترضنا أنّ سعر صرف الدولار 27000 مع العلم أنّ هذه التعرفة ستبقى أقل من ثلثَي تعرفة المولدات التجارية، كما كتبت "نداء الوطن"