أخبار لبنان

ما موقف موسكو من "قرار" الحريري؟

تم النشر في 25 كانون الثاني 2022 | 00:00

‎ ‎قرار الرئيس سعد الحريري بتعليق العمل في الحياة السياسية والعزوف عن ‏الترشح الى الانتخابات سيترك حُكماً تداعيات على الساحة الداخلية الهشّة والرخوة. ‏ولكن انكفاء رئيس تيار»المستقبل» سيكون له أيضاً وَقعه في بعض الاوساط الدولية ‏التي ربطته بها صلات سياسية وثيقة، كروسيا التي عُرفت بدعمها له.‏

من المعروف انّ علاقة ممتازة كانت تربط موسكو بآل الحريري، منذ ايام ‏الحريري الأب الذي بنى جسورا قوية مع روسيا، وصولا الى الحريري الابن الذي ‏مشى فوق تلك الجسور وحظي بمعاملة خاصة لدى الكرملين، حيث التقاه الرئيس ‏الروسي فلاديمير بوتين مرات عدة، متجاوزا بعض الأحيان البروتوكول عندما كان ‏يجتمع به وهو خارج سدة رئاسة الحكومة اللبنانية.‏

واهتمام موسكو بالعلاقة مع سعد الحريري لم يكن نابعا فقط من رصيد والده لديها، ‏على أهمية هذه المسألة، بل هو انطلق بالدرجة الأولى من مقاربتها لموقع بيت ‏الحريري ودوره في معادلة التوازنات اللبنانية عموما وفي البيئة السنية خصوصا، ‏إذ ان الكرملين كان ينظر إلى رفيق ثم سعد كصمّام امان للاعتدال السني وسط ‏محيط يتصاعد فيه التطرف.‏

وليس خافياً انّ موسكو تعتبر ان التطرف المتمثّل في الحركات التكفيرية والمتشددة ‏انما يشكل احد المخاطر الاستراتيجية لأمنها القومي الذي دفعها الى التدخل ‏العسكري في سوريا للدفاع عن اراضيها ومصالحها الاستراتيجية في مواجهة ‏الإرهاب العابر للحدود.‏

والى حين صدور موقف روسي رسمي حيال اعلان الحريري عن انسحابه من ‏الحياة السياسية وامتناعه عن الترشح الى الانتخابات النيايية المقبلة، يؤكد ‏المطلعون ان موسكو لا تحبذ انكفاءه، وانها كانت تفضل بقاءه في مجلس النواب ‏والمعترك السياسي خشية من أن يملأ المتطرفون في الوسط السني الفراغ الذي ‏سيتركه.‏

ويلفت زوار موسكو الى انه سبق لهم ان سمعوا من وزير الخارجية سيرغي ‏لافروف تشديده على أن مواجهة التطرف الديني في منطقة الشرق الأوسط تعزز ‏الحاجة إلى وجود قيادات معتدلة في كل الطوائف اللبنانية. وضمن السياق، يكشف ‏هؤلاء انّ الممثل الشخصي للرئيس الروسي ومساعد وزير الخارجية ميخائيل ‏بوغدانوف قال عن الحريري في إحدى المرات انه يمثل الاعتدال السني، معتبراً ان ‏بيت الحريري منذ ايام رفيق حتى مرحلة سعد يَرمز الى هذا الاعتدال في الساحة ‏الاسلامية.‏

سياسي لبناني آخر تحرص موسكو على استمرار التواصل معه، على رغم ‏التباينات بينهما خلال السنوات الأخيرة، هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد ‏جنبلاط الذي زار العاصمة الروسية الاسبوع الماضي بعد انقطاع طويل دام نحو ‏أربعة اعوام. ‏

وإذا كانت الازمة السورية هي العامل الأساسي الكامن خلف البرودة بين المختارة ‏والادارة الروسية في الآونة الأخيرة، فإنّ جنبلاط سمع من لافروف وبوغدانوف أنّ ‏تلك الازمة متشعّبة جداً ولم تعد قصة نظام ومعارضة او مسألة تتعلق بمصير ‏شخص (في إشارة الى الرئيس بشار الأسد)، بل هي باتت أبعد من ذلك بكثير بفِعل ‏الحضور الأميركي والايراني والتركي والخليجي على مسرح النزاع، «وبالتالي ‏فإنّ تعارض المصالح الدولية يؤخر الحل في سوريا».‏

ومع ان المؤشرات العامة توحي أنّ أزمات المنطقة معقدة، الا انّ الروس لمّحوا الى ‏بشائر انفراجات ممكنة، مرجّحين ان تفضي مفاوضات فيينا في نهاية المطاف إلى ‏اتفاق حول النووي الإيراني مهما كانت العراقيل، لأن ليس لواشنطن وطهران بديلا ‏من هذا الاتفاق.‏

اما داخلياً، فإنّ جنبلاط عرض التحديات والظروف السياسية والاقتصادية التي ‏تواجه الواقع اللبناني، لكن ما كان لافتاً هو توقفه أمام مضيفيه الروس عند الوضع ‏المعيشي الصعب الذي يعانيه الجيش اللبناني بفعل الازمة المالية، داعياً موسكو الى ‏مساعدته ودعمه «خصوصاً انه المؤسسة الضامنة للأمن في مواجهة الإرهاب ‏والحامية للاستقرار الداخلي إزاء اي تهديد»، ومؤكداً انه «من الضروري ان تبقى ‏معنويات عناصره وضباطه مرتفعة حتى يواصلوا تأدية المهمات الوطنية الملقاة ‏على عاتقهم في هذه المرحلة المثقلة بالاعباء والصعوبات».‏





الجمهورية ‏