لا شكّ في أنّ نظرة المجتمع الدولي إلى الساحة اللبنانية باتت مقتصرة على رصد المدى الانتخابي المنظور واستشراف مدى قدرة اللبنانيين على إعلاء "صوت التغيير" في صناديق الاقتراع، بعدما ثبت عقم الطبقة الحاكمة عن إنتاج الحلول الإصلاحية والإنقاذية اللازمة لانتشال لبنان من قبضة تحالف "المافيا والمليشيا" القابض على مصير البلد وأبنائه. ولعل "جيش" المراقبين الأوروبيين المرتقب وصول طلائعه إلى بيروت نهاية آذار المقبل، خير تعبير عن إيلاء الخارج أهمية استثنائية للاستحقاق الانتخابي المفصلي في 15 أيار، سيما وأنّ رئيس بعثة الاتحاد الأوروبية المكلفة مراقبة الانتخابات اللبنانية جيورجي هولفيني أعلن أن عديدها يبلغ 80 مراقباً وخبيراً سيتوزعون بين بيروت والمناطق، وبعضهم سيتولى تغطية عمليات تصويت المغتربين في عدد من دول الانتشار.
وفي المقابل، لا يزال الكابوس الانتخابي يؤرق أركان السلطة، ومنهم من يتحيّن الفرصة والذريعة لتجنّب كأس الخسارة المرّة، تارةً بمحاولة الطعن بالقانون الانتخابي وتعطيل مفاعيل الصوت المغترب، وتارةً بمحاولة اختلاق مطبّات تقنية تعيق إجراء الاستحقاق في موعده كما هو الحال مع إعادة إثارة موضوع "الميغاسنتر" مؤخراً، وطوراً بمحاولة التحجج بالشحّ المالي وتعذّر تمويل إدارة العملية الانتخابية في دول الاغتراب، وصولاً إلى اختلاق هواجس أمنية تزرع الخوف في نفوس المواطنين وتضخ أجواء تشكك بقدرة أجهزة الدولة على ضبط الأرض في حال انفجار الوضع المعيشي... غير أنّ كل هذه المساعي الخبيثة لعرقلة دوران العجلة الانتخابية أخفقت في إيجاد بيئة داخلية وخارجية حاضنة لها، خصوصاً وأنّ المطلعين على أجواء التحضيرات اللوجستية والأمنية يؤكدون أنّ "الاستحقاق الانتخابي وضع على سكة لا رجعة فيها ولا قدرة لأحد على تحمل عواقب تعطيل مساره"، مبددين في الوقت نفسه أي شك بقدرة المؤسسة العسكرية على ضمان سلامة الانتخابات في موعدها المقرر "بل على العكس، فإنّ الجيش يؤكد جاهزيته "من اليوم" لمواكبة العملية الانتخابية على الأرض في بيروت والمناطق من دون أدنى مخاوف أو تردّد".
توازياً، وفي مقابل ما يتردد عن تململ متعاظم في صفوف العسكريين نتيجة الانهيار الاقتصادي، أفادت معلومات موثوق بها "نداء الوطن" أنّ المؤسسة العسكرية نجحت في تحجيم تداعيات الأزمة من خلال سلسلة إجراءات متسارعة، تمكنت من خلالها من لجم تأثيراتها السلبية على عديدها، سواءً على المستوى الداخلي حيث سُجلت اندفاعة كبيرة من قبل الحريصين على الجيش ودوره كعمود فقري في بنية الدولة نحو القيام بمبادرات فردية لتقديم المساعدة له، أو على المستوى الخارجي عبر الجهود المكوكية التي قام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون مع الدول الصديقة والتي لاقت ترجمات عملانية سريعة مدّت جسوراً دورية من المساعدات العينية للمؤسسة العسكرية، بينما بدأ الدعم الأميركي المالي لأفراد الجيش يسلك طريقه نحو التنفيذ، إذ من المرتقب أن يبت الكونغرس هذا الموضوع خلال أسبوع، وعلى خط موازٍ عملت قيادة الجيش على تحضير الأرضية القانونية اللازمة لتمرير المشروع في الأمم المتحدة، تمهيداً للإسراع في تطبيقه وإدخاله حيز التنفيذ لكي يتم البدء بتسديد بدل شهري بالدولار الأميركي للعسكريين، علاوةً على رواتبهم، قبل موعد الانتخابات المقرر في 15 أيار المقبل.