رغم تجنيده المئات من القوات الخاصة ولا سيما قوات الكوماندوز “سبيتسناز”، أخفق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في غزو العاصمة الأوكرانية كييف، فيما تبدو “الخسارة الأكبر لروسيا منذ عصور”.
وفشل بوتين في تحقيق هدفه المتمثل في سحق الجيش الأوكراني، رغم تفوق جيشه عددا وعُدّة، إذ لم يكن الروس مهيئين للمقاومة الأوكرانية، وثبت أنهم غير قادرين على التكيف مع الانتكاسات المتتالية، بينما فشلوا في الجمع بين العمليات الجوية والبرية بشكل فعال، وأساءوا تقدير قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أجوائها، ولم ينجحوا في الوظائف العسكرية الأساسية مثل التخطيط وتنفيذ حركة الإمدادات، وفق تقرير لوكالة أسوشيتد برس، نقل ملاحظات خبراء عسكريين عما يجري في أوكرانيا.
وقال بيتر منصور، العقيد المتقاعد بالجيش وأستاذ التاريخ العسكري في جامعة أوهايو الأميركية معلقا على ما سبق: “هذا أسوأ شيء حقًا إذا كنت تريد غزو بلد ما”.
فكر عسكري ضعيف: التقرير أشار إلى أنه “في النهاية، قد يحقق بوتين بعض أهدافه، ومع ذلك، سيظل إخفاقه في الاستيلاء على كييف في الذاكرة لفترة طويلة، لأنه كشف نقاط ضعف مفاجئة في الفكر العسكري الروسي كان يعتبر أحد أقوى الجيوش في العالم”.
في صباح اليوم الأول من الحرب، حلقت مروحيات هجومية روسية من طراز Mi-8 جنوبًا باتجاه كييف في مهمة لمهاجمة مطار هوستوميل في الضواحي الشمالية الغربية للعاصمة.
ومن خلال الاستيلاء على المطار، المعروف أيضًا باسم مطار أنتونوف، خطط الروس لإنشاء قاعدة يمكن من خلالها الطيران بمزيد من القوات والمركبات المدرعة الخفيفة على مسافة قريبة من قلب أكبر مدينة في البلاد.
لكن لم يتم العمل بهذه الطريقة، وتم الإبلاغ عن إصابة العديد من المروحيات الروسية بالصواريخ حتى قبل وصولها إلى هوستوميل، وبمجرد أن استقرت في المطار تكبدت خسائر فادحة من نيران المدفعية الأوكرانية.
كما واجهت محاولة للسيطرة على قاعدة جوية عسكرية في فاسيلكيف جنوب كييف مقاومة شديدة، وبحسب ما ورد أسقطت المقاومة عدة طائرات نقل ثقيلة روسية من طراز Il-76 كانت تحمل مظليين.
وعلى الرغم من أن الروس تمكنوا في النهاية من السيطرة على مطار هوستوميل، إلا أن المقاومة الشرسة للأوكرانيين في منطقة العاصمة أجبرتهم على إعادة التفكير في خطة الغزو التي استندت إلى توقع أن الأوكرانيين سينهارون بسرعة، وسيتردد الغرب في تقديم الدعم، وستكون مهمة القوات الروسية سهلة.
تكلفة باهظة: قام الروس بمحاولات غير ناجحة لدخول قلب كييف، وبعد ذلك حاولوا بتكلفة باهظة تطويق العاصمة عن طريق الانحناء إلى غرب العاصمة، لكنهم لم يفلحوا.
وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة، تمسك الأوكرانيون بأرضهم وقاتلوا، واستخدموا مجموعة واسعة من الأسلحة الغربية بشكل فعال، بما في ذلك الأسلحة المحمولة المضادة للدبابات “جافلين” وصواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات.
وفي الأسبوع الماضي، تخلى الروس عن مطار هوستوميل كجزء من تراجع شامل.
كان أبرز مثال على إخفاق الجيش الروسي، هو تباطؤ القافلة المحملة بالإمدادات العسكرية التي لم تكد تصل إلى أطراف كييف لطولها وثقل عتادها.
بدا الأمر في البداية وكأنه علامة مقلقة بالنسبة للأوكرانيين، لكن هؤلاء الأخيرين تمكنوا من مهاجمة عناصر من القافلة، والتي كانت ذات قدرة محدودة على الطرق الوعرة وبالتالي تشتت في النهاية أو أصبحت غير قادرة على القتال.
المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي قال بالخصوص “لم يقدموا حقًا إعادة إمداد بأي قيمة للقوات الروسية التي كانت تتجمع حول كييف، ولم يأتوا لمساعدتهم أبدًا”.
ثم تابع “وضع الأوكرانيون حدا لهذه القافلة بسرعة كبيرة من خلال سرعتهم، ودمروا الجسور، وضربوا المركبات الرئيسية وأوقفوا حركتهم”.
تقدير سيئ: يقول منصور إن الروس قللوا من تقدير القوات التي يحتاجون إليها وأظهروا “عجزًا مذهلاً” عن أداء الوظائف العسكرية الأساسية.
ويقول إنهم أساءوا إلى حد كبير تقدير ما سيستغرقه الفوز في معركة كييف.
وتابع: “كان هذا صعبًا حتى لو أثبت الجيش الروسي كفاءته، لقد ثبت أنه غير قادر تمامًا على إدارة حرب مدرعة حديثة”.
لم يكن بوتين الوحيد الذي فوجئ بإخفاقات جيشه الأولية، حيث كان المسؤولون الأميركيون وغيرهم من المسؤولين الغربيين قد توصلوا إلى أنه إذا حدث الغزو، فإن القوات الروسية التي تبدو متفوقة سوف تشق الجيش الأوكراني كما تفعل سكين ساخنة بالزبدة.
ومنهم من قال إنهم قد يستولون على كييف في غضون أيام وعلى الدولة بأكملها في غضون أسابيع قليلة، بينما كان بعض المحللين يتساءلون عما إذا كان بوتين يقدر ما اكتسبته القوات الأوكرانية من التدريبات الغربية التي تكثفت بعد استيلائه على شبه جزيرة القرم عام 2014 والتوغل في دونباس.
في 25 مارس، بعد شهر من بدء الغزو، أعلن الروس أنهم حققوا أهدافهم في منطقة كييف وسيحولون التركيز إلى منطقة دونباس الانفصالية في شرق أوكرانيا.
واشتبه وقتها، البعض في وجود حيلة من بوتين لكسب الوقت دون التخلي عن أهدافه، لكن في غضون أيام كان انسحاب كييف أمرا واقعا، ودليلا على إخفاق بوتين.
التقرير قال إن بوتين ربما يكون قد استقر على ضرورة إعادة تركيز جهوده الحربية على هدف أضيق يتمثل في توسيع السيطرة الروسية في دونباس وربما تأمين ممر بري من دونباس إلى شبه جزيرة القرم.
لكن فشله في كييف أصبح واقعا وكشف عن نقاط ضعف تشير إلى أنه من غير المرجح أن تحاول روسيا مرة أخرى قريبًا الاعتداء على العاصمة الأوكرانية.
“أعتقد أنهم تعلموا الدرس” اختتم منصور.