عرب وعالم

هل يَشُلّ “التعايش الحكومي” ولاية ماكرون الثانية؟

تم النشر في 25 نيسان 2022 | 00:00

ماذا بعد فوز ايمانويل ماكرون على منافسته مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية الفرنسية وبقائه في قصر الاليزيه لولاية ثانية تستمر خمس سنوات، وماذا سيكون عليه المشهد السياسي الداخلي في ضوء المعطيات التي خرجت بها الدورتان الأولى والثانية؟

تمكن مؤسس ومرشح حزب “الجمهورية الى الأمام” (يمين الوسط) الرئيس ايمانويل ماكرون من الفوز على منافسته مرشحة وزعيمة حزب “التجمع الوطني” (اليمين المتطرف) مارين لوبن بحصوله على 58.5 بالمئة من اصوات المقترعين الفرنسين مقابل 41.5 بالمئة للوبن، بينما كان ماكرون قد حصل في المعركة الرئاسية السابقة عام 2017 على 66 بالمئة من الأصوات مقابل 34 بالمئة للوبن. والملاحظ أن حملة الأيام الأخيرة للوبن في إطار جبهة “أي شيء باستثناء ماكرون” للحؤول دون بقائه على رأس السلطة التنفيذية مدة عشر سنوات متواصلة لم تلقَ التجاوب الشعبي الكافي. وفي المقابل، نجح ماكرون في حشد المعارضين لوصول اليمين المتطرف الى الحكم من خلال تخويفهم من مخاطر هذا الخيارعلى مستقبل فرنسا، حتى ان الأمر بلغ حد التحذير من ان تنفيذ بعض ما جاء في برنامج لوبن الانتخابي يهدّد بنشوء “حرب أهلية” في البلاد. من هنا يبدو واضحاً ان تصويت الناخب الفرنسي في غالبيته كان سلبياً لجهة الاقتراع “ضد” أكثر منه ايجابياً بالتصويت “مع” تعبيراً عن اقتناعه بخيار ما.

وفي هذا السياق، اعترف ماكرون في اول تعليق له بعد اعادة انتخابه ان كثيرين من الذين اقترعوا لصالحه فعلوا ذلك بهدف التصدي لوصول اليمين المتطرف الى الحكم، وبالتالي ضرورة أخذ حجم غضبهم واحتجاجهم من الاوضاع القائمة في الاعتبار. ماذا عن رود الفعل الأولية؟ لنبدأ من الداخل الفرنسي. صحيح ان هناك ارتياحاً شعبياً وسياسياً واعلامياً (عدة صحف فرنسية تخلت عن تحفظها عشية الاقتراع داعية الى التصويت ضد وصول اليمين المتطرف الى الحكم) لفشل لوبن الا انه في المقابل لم تكن هناك فرحة شعبية عارمة لبقاء ماكرون في سدة الرئاسة لخمس سنوات جديدة. أما خارجياً، فقد أبدت دول الاتحاد الاوروبي إرتياحها بسبب الخشية من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في دولة عظمى كبيرة، عضو في مجلس الأمن الدولي وتمتلك السلاح النووي وتلعب دوراً محورياً في عملية البناء الاوروبي. كما ان هذه الدول لم تكن ترغب في تكرار المشاهد الشعبوية التي حدثت مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وثمة جهة دولية اصيبت بخيبة من فشل لوبن وهي روسيا التي كانت ترغب، ولو من دون المجاهرة علناً، بوقوف دولة غربية كبرى كفرنسا الى جانبها وتفهم مواقفها في الحرب ضد أوكرانيا وبالتالي زرع اسفين داخل الاتحاد الاوروبي. ماذا عن المرحلة المقبلة؟ مع انتهاء الدورة الثانية، تتجه الأنظار الى ملامح المرحلة السياسية المقبلة التي لا تقل اهمية عن الانتخابات الرئاسية والمتمثلة بالانتخابات التشريعية المقررة في 12 و19 حزيران/يونيو 2022. وحسب النتائج التي ستخرج بها يبرز السؤال الآتي: هل سيحصل ماكرون على الاكثرية النيابية اللازمة التي تمكنه من تشكيل حكومة جديدة منسجمة مع توجهاته وبرنامجه الاصلاحي؟ يطرح هذا السؤال سلسلة من الأسئلة التي من شأن الإجابة عليها بلورة المشهد السياسي الداخلي الفرنسي خلال الفترة الفاصلة عن موعد الإنتخابات التشريعية ومنها: أولاً، ما هو شكل الحكومة الجديدة الانتقالية التي سيشكلها ماكرون بعد استقالة الحكومة الحالية برئاسة جان كاستيكس في الايام القليلة المقبلة؟ من سيرأسها وممن ستتكون؟ هل سيلتزم ماكرون بما وعد به خلال حملته الانتخابية باتباع سياسة اليد الممدودة وتوسيع القاعدة السياسية للحكم؟ هل سيتمكن خلال اسابيع معدودة من استعادة الثقة الشعبية المفقودة من خلال الالتزام بما اكد عليه بعيد تجديد انتخابه بتغيير منهجية حكمه؟ ثانياً، هل لا تزال لليمين الديغولي المعتدل، الذي اصيب بخسارة كبيرة من خلال الفشل الذريع لمرشحته الرئاسية فاليري بيكريس، القدرة في ان يعيد تنظيم صفوفه وترتيب اموره الداخلية والذهاب الى المعركة الانتخابية الجديدة في محاولة لتثبيت وجوده؟ ثالثاً، هل هناك امكانية لليسار المعتدل في اعادة جمع احزابه بعد تشرذمها (الحزب الاشتراكي بعد نكسته التاريخية وحزب الخضر بعد خسارته المخيبة) لاعادة تعويم حضوره في الدوائر الانتخابية ورسم تحالف لانقاذ ما يمكن انقاذه من المقاعد النيابية؟

رابعاً، هل يتجاوب الفرنسيون مع نداء جان- لوك ميلونشون مرشح حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتشدد والذي حلّ في المركز الثالث في الدورة الرئاسية الاولى. ذلك ان الاخير لم يخف طموحه في أن يصبح رئيسًا للوزراء وبالتالي فرض “تعايش في حكومة مساكنة”، مراهناً على تصويت كبير لصالح نواب حزبه خلال الانتخابات المقبلة. ففي اول اطلالة له، ناشد ميلونشون الفرنسيين أن يدعموه في المرحلة المقبلة قائلاً لهم بصريح العبارة “انتخبوني رئيساً للوزراء” موضحاً المقصود من كلامه وهو انتخاب مرشحي حزبه للدخول بكثافة الى الجمعية الوطنية وتشكيل اكثرية نيابية تفرض تسميته رئيساً جديداً للوزراء وبالتالي تشكيل قوة مواجهة تمنع ماكرون من حصر كل السلطات بيده.

خامساً، هل تنجح محاولات التقارب بين اهل البيت اليميني المتطرف المنقسم، “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبن والحزب الجديد الناشىء “استرداد” برئاسة اريك زمور، وبالتالي تشكيل قوة سياسية بديلة داخل صفوف اليمين الفرنسي؟ أسئلة كثيرة ينبغي الحصول على أجوبة عليها في غضون سبعة اسابيع فقط (اقل من شهرين) بغية اتضاح صورة التركيبة السياسية التي ستسفر عنها الانتخابات التشريعية المقبلة.

السيناريوهات المحتملة أولاً، قد ينجح حزب ماكرون في توسيع رقعة تحالفاته وضم قسم من اليمين الديغولي المعتدل بعد الخيبة التي اصيب بها وبالتالي التمكن من تشكيل حكومة جديدة تحظى بالأكثرية وان لم تكن مطلقة بل عادية ونسبية. هذا الوضع قد يقود الى مخاطر عدم وجود معارضة فعالة في البرلمان الفرنسي الجديد الامر الذي سيمثل ابتعاداً عن الاستقرار الذي كان السمة المميزة لمؤسسات الجمهورية الخامسة. ثانياً، قد يتمكن ميلونشون من تجميع كل المعارضين لماكرون داخل اليسار وبالتالي الحصول على اكثرية نيابية تفرض تعيينه رئيساً للوزراء في “حكومة مساكنة” يسميها “حكومة وحدة شعبية” تتعايش مع ماكرون طيلة فترة ولايته. صحيح انه سبق لفرنسا ان عرفت في الماضي منذ قيام الجمهورية الخامسة تجربة تعايش ومساكنة بين رئيس جمهورية ورئيس وزراء لا ينتميان الى التوجه السياسي الواحد (فرنسوا ميتران اليساري الاشتراكي مع ادوار بالادور اليميني الديغولي، وجاك شيراك اليميني الديغولي مع ليونيل جوسبان اليساري الاشتراكي)، الا انه في هذه المرة قد يشكل التعايش، في حال حصوله، سابقة وذلك لسببين: الاول، انها المرة الاولى ستتم بعد تقصير مدة ولاية رئيس الجمهورية من سبع سنوات الى خمس ما يعني ملازمة رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية طوال فترة ولايته، والسبب الثاني، ان التعايش كان بين ممثلين لاحزاب توصف تقليدياً بـ”المعتدلة” بينما هذه المرة سيتم بين رئيس يميني معتدل ورئيس وزراء متشدد او متطرف. بالتالي من شأن هذا الوضع ان يشل حكم ماكرون ويصيب ولايته بتعطيل قاتل من خلال انتقال زمام المبادرة الى يدي رئيس وزرائه. ثالثاً، قيام ثلاث تكتلات سياسية (يمين وسط، يسار متطرف، ويمين متطرف) متباعدة ومتنافسة ومتحاربة غير قابلة للتحالف ولا للتقارب ولا للعمل معاً وبالتالي ضرب العملية الديمقراطية وتعريض عمل المؤسسات الى الاهتزاز. رابعاً، الخشية والقلق من ان تتبع الدورتان الاولى والثانية الرئاسيتان والدورتان الثالثة والرابعة التشريعيتان دورة خامسة يكون مسرحها ليس في صناديق الاقتراع بل في الشارع من خلال قيام احتجاجات شعبية قد تسلك طريق الاضرابات والتظاهرات اسوة بتحرك “السترات الصفر” الذي عانى منه ماكرون كثيراً خلال ولايته الاولى على ان يكون التحرك الضاغط هذه المرة اطول واوسع وافعل. من هنا تكبر المخاوف من ان تؤدي التطورات الانتخابية المتسارعة الى “تفاعلات وتغييرات تطال مستقبل المشهد السياسي الديمقراطي الفرنسي” بحيث توصل الى “مجتمع متشرذم منقسم على نفسه وحياة سياسية غير مستقرة”. ويرى المراقبون أن من شأن ذلك “إضعاف قدرات فرنسا داخلياً وعزلها عن محيطها أوروبياً وضرب مكانتها اقليمياً وتحجيم دورها دولياً”. الأكيد ان فرنسا مع انتهاء الانتخابات الرئاسية ستشهد “نهاية مرحلة ربما قد تكون الاسهل وبداية مرحلة قد تكون الاصعب نظراً لما يعتريها من تحديات ومصاعب وحواجز ومطبات وأخطار”.



180 post -  بشارة غانم البون