هايد بارك

"الفارس الأبيض".. دكتور غسان حمود! -محمود القيسي

تم النشر في 20 حزيران 2022 | 00:00

:كتب محمود القيسي

"لا دارَ للمرءِ بعدَ الموت يسكنُها.. إِلا التي كانَ قبلَ الموتِ يبنيها.. فإِن بناها بخيرٍ طابَ مسكنها.. وإِن بناها بشرٍ خابَ بانيها.. لكلِّ نفسٍ وإِن كانت على وجلٍ .. من المنيةِ آمالٌ تقويها.. فالمرءُ يبسُطها.. والدهرُ يقبضُها.. والنفسُ تنشرُها.. والموتُ يَطْويها.. إن المـــكارم أخــلاق مطــهــرة.. الديـــن أولــــهـــــا والعــقــــل ثانيـــــها.. والعـــلم ثـــالثـــها والحلم رابعها.. والجود خامسها والفــضل سادسـها.. والبــر ســـــابـعهـا و الشـكـر ثامنها.. والصبر تاسعــهـا و الليــن باقيـــها.. والنــفــس تعـلــــم أنـي لا أصـادقــها.. ولسـت أرشــد الا حين أعصيــــــها…"

*الامام علي

سبحان الله.. سبحان الحي الذي لا يموت.. سبعة أيام مرت على رحيل الدكتور الأنسان.. رحل طبيب الفقراء والحكايات التي تولد ولا تموت.. سبعة ليال مرت على رحيل عملاق الأخلاق والتواضع.. الدكتور غسان، "جبلٌ على بحرٍ, وُلدَ في شارعٌ لروائح الليمون.. ولزهرة الليمون أَجراسٌ على المدينة، وعلى المسافة والنشيد".. رحل الطبيب الغسان.. والأيام هنا، لا تُعدُ..والمواقف هنا لا تُعدُ.. الأيام والمواقف ههنا وههنا لا تُعدُ.. ولا تُحصى.. "وعلى المسافة والغياب ارتفع النشيدُ… ونشيدنا حَجَرٌ يَحُكُّ الشمسَ.. حَجَرٌ يشعُّ غموضَنا… ما يجعل البحر القديمَ نشيدَنا"… غسان، الاسم العربي الأصيل في البحر القديم.. في قواميس الحب والوفاء الوطني واللغة..

الاسم الذي يحمل كافة الصفات الحميدة.. في اللغة العربية واللغة.. في اللغة العربية والمعنى.. وقواميس الأصالة الوطنية والعربية والإنسانية في معنى اللغة العربية والمعنى.. الدكتور حمود، أو الطبيب المحمود.. الاسم المحمود، كثير الحمد والثناء والمعروف.. في لغة الضاد العربية والمعنى.. طبيب الفقراء والمساكين.. الطبيب الوطني حتى النخاع العظمي.. والغرام القومي العربي حتى النخاع الشوكي.. طبيب الثورة.. طبيب الشعب الفلسطيني والشتات.. طبيب الحركة الوطنية اللبنانية حتى الرمق الأخير.. وطبيب الحركة الثورية العربية من الوريد الى الوريد.

رحل الفارس الأبيض في ثوبه الأبيض.. في موكب البنفسج الأبيض.. والمناديل البيضاء تبكي.. وإكاليل الغار.. ووردة حمراء.. تبكي، في أخر الممرُ.. تبكي على الأحباب.. ماذا فعلنا بالقرنفل؟.. ماذا صنعنا بالنوارسْ.. لنكون سُكَّانَ المرافئ والملوحةِ في هواءٍ يابسٍ: مستقبلين مُوَدِّعينْ؟.. ماذا فعلنا بالياسمين؟.. رحل في ثيابه البيضاء الطاهرة بماء المسك والبخور والعنبر.. رحل إلى حضن الأرض.. في ثنائيات الوداع.. في ثنائيات العاشقين.. هي وهو.. الارض وهو.. صيدا وهو.. رحل إلى الأرض التي أحبها وأحبته.. إلى الأرض التي عشقت رائحة التراب على أطراف ثوبه الأبيض.. "ويرى الزهورَ كما ترى الناسُ الزهورَ.. بلا حكاية.. من زهرةِ الليمون تُولَدُ زَهْرةُ الليمون ثانيةً.. وتفتح في الظلامِ نوافذَ الدورِ القديمةِ للمدى"..

رحل إلى الأرض التي نامت على يديه البيضاء.. يديه البيضاء في غرف العمليات.. غرف التطبيب والاستشفاء.. وغرف الطوارئ .. والحصار.. "وأَمَّا المنافي، فهي أمكنةٌ وأَزمنةً… وهي المساءُ إِذا تدلَّى من نوافذَ لا تطلُّ على أَحدْ.. وهي الوصولُ إلى السواحل فوق مركبة… وهي الطيورُ إذا تمادت في مديح غنائها، وهي البلدْ"… مشت العربات على العصافير.. فابتكرنا الياسمين.. رحل إلى الأرض التي عاش "على" ترابها.. الأرض التي نام "في" ترابها.. كي تشربه على مهل.. مثل حليب الطفولة.. وصوف اللوز.. والولادات الجديدة.. كأنَ أقواسَ السَّحاب.. تشرب الغُيوم.. كما يقول الشاعر السيّاب.. وقطرةً فقطرةً.. تذوبُ في المطر.. فتستفيقُ مِلءَ روحي.. نشوةُ البُكاء.. ورعشةٌ وحشيةٌ.. تُعانِقُ السَّماء.. كرعشةِ الطِفلِ .. إذا خافَ.. إذا خافَ.. "على" القمر…!

"ويا نشيدُ , خذِ المعاني كلَّها.. واصعدْ بنا جرحاً فجُرحاً.. ضمِّدِ النسيانَ.. واصعدْ ما استطعتَ بنا إلى الإنسانِ.. حولَ خيامهِ الأْولى.. يُلَمِّعُ قُبّةَ الأفقِ المُغَطَّى بالنحاسِ.. لكي يَرَى.. ما لا يَرَى من قلبِهِ.. واصعد بنا.. واهبط بنَا.. نحو المكان.. فأَنتَ أَدرى بالمكان .. وأَنتَ أدرى بالزمان"… رحمة الله عليكَ أيها الفارس الأبيض.. رحمة الله عليك أيها الغسان الأبيض.. الغسان المحمود.. دكتورنا الحبيب غسان حمود.. رحمة الله عليك يوم ولدتَ.. رحمة الله عليك يوم مُتَ.. ويوم تبعث حيا…?