كتب عوني الكعكي:
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تقلّبات عديدة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أنّ مجمل هذه العلاقات كانت جيدة عنوانها التفاهم «تحت الطاولة» رغم ما تدعيه إيران، ان الولايات المتحدة الاميركية هي الشيطان الأكبر. حتى ان ما ظهر من توتّر في هذه العلاقات عند مقتل قائد «لواء فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني في 3 كانون الثاني 2020 في غارة جوّية أميركية على أسوار مطار العاصمة العراقية بغداد، وتصاعد نُذُر المواجهة العسكرية بين الدولتين، لم يكن سوى وسيلة لذرّ الرماد في العيون.
وها قد أصبح واضحاً اليوم، وبما لا يدع مجالاً للشك، ان هناك اتفاقاً سرّياً بين أميركا وإيران، كانت نتيجته «تمرير» الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل... وهذا يتضح من خلال المجهود الاميركي الذي بذله اموس هوكشتاين المكلّف بالمهمة... والذي زار لبنان وإسرائيل مرّات عدة، وما إن تمّ الاتفاق السرّي بين أميركا وإيران، وجاءت «أوامر إيران» للحزب العظيم بإيرام الاتفاق حتى فُكّ السحر بقدرة قادر، وأُنجزت المهمة على خير ما يرام.
ليس هذا فحسب، بل ان كلّ ما قيل حول الترسيم تبخّر واختفى... ولم تَعُدْ له قائمة أو وجود.
أما في ما يتعلّق بعنتريات وبطولات بعض الاشخاص، بدءاً بفخامة الرئيس، الذي اعتبر ان هذا الانجاز، هو الانجاز الوحيد والأهم الذي حقّقه في عهده... كما يظنّ فخامته ان هكذا اتفاق سيمحو فشله الأكبر في «عهد جهنم» الذي يتولّى أمره... متناسياً، حين سئل: الى أين يسير لبنان واللبنانيون؟ فأجاب بلا تردّد «الى جهنم».
أما الطفل المدلّل.. صاحب النظريات الدونكوشيتية، والذي كان المسؤول الاول عمّا آلت إليه أحوال لبنان في عهد عمّه... فحدّث عن بطولاته الوهمية ولا حرج.. فهل يتذكّر اللبنانيون قوله ذات يوم: يجب أن تتعلم دول العالم منا، كيف تدار الأوطان من دون موازنة؟ متناسياً كذلك ما أهدره من صفقات الكهرباء، وقد فاق الـ65 مليار دولار... وهل نذكّره نحن بما تسبّب به من خراب للبنان، بتحميله مبلغ 90 مليار دولار ديوناً يعجز اللبنانيون عن تسديد قيمتها؟ هل نُذكّره بفشله في وزارة الاتصالات فانخفض المدخول بسبب توظيفه العشوائي لأنصاره، طمعاً بالتصويت له في الانتخابات؟
وهل نذكّره بفشله في وزارة الخارجية، وقد صار لبنان منبوذاً، بعيداً عن حضنه العربي؟
حتى ان حسابات باسيل، بعد «تبعثر» حلمه بالرئاسة. لم تَعُدْ تطابق وقائع نهاية عهد الرئيس عون.. خاصة بعد أن خرج من الانتخابات النيابية الأخيرة خاسراً أمام مدّ «القوات اللبنانية»... من هنا لم تَعُدْ كل محاولات الابتزاز والتعطيل التي مارسها من موقعه تؤثر بشيء مع نهاية عهد جهنم.
أعود لأقول: إنّ هذا الترسيم لم يكن ليحصل، لولا ان الولايات المتحدة الاميركية شعرت أنّ حرب روسيا على أوكرانيا، سبّبت حاجة مُلحّة للنفط الذي كانت هي والغرب تأخذه من البلدين المتقاتلين.
فعلى سبيل المثال، فإنّ فرنسا اليوم، وقبل فصل الشتاء الذي بات قريباً، تقنّـن كهربائياً لمدة ست ساعات، كما باتت طوابير الفرنسيين أمام محطات الوقود شبيهة بما جرى ويجري في لبنان.
أما في بريطانيا فالتقنين فاق الـ8 ساعات، والشتاء آتٍ ببرده... فماذا يفعل البريطانيون؟
الواضح تماماً... ان الولايات المتحدة «أخذت» اتفاق الغاز والنفط، من خلال الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل وبموافقة ومباركة إيرانية.. مقابل أن تترك لإيران التصرّف بالعراق.. والدليل على ذلك... ما حدث وبسرعة فائقة من انتخاب رئيس للجمهورية العراقية، ورئيس لمجلس النواب، واختيار رئيس الحكومة.
يا سبحان الله... إذ لا شيء بات مستحيلاً، عندما تتم الصفقات.
الى ذلك، أظن ان كل ما جرى، هو البداية فقط. ولا أحد يعرف تماماً ماذا تخبّئ الأيام المقبلة من صفقات أُبرمت «تحت الطاولة».
أما بالنسبة للبنان، فقد تكون الصفقة معنيّة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية... وإن كانت الأمور تبدو أن لا اتفاق قد أُنْجز بعد.. فقد ندخل في فراغ اعتدنا عليه سابقاً... فعند انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، بقينا لمدة عام ونصف العام من دون رئيس حتى تمّ الاتفاق في الدوحة على الرئيس ميشال سليمان... وفي نهاية عهده.. بقينا لمدة عامين ونصف عام حتى جاء الرئيس عون.. فهل يكون الفراغ المقبل.. هو مقدّمة لإنجاز الصفقة الكاملة بين اميركا وإيران... فيحقق حلم اللبنانيين بوجود رئيس..
على كل حال، أقول: مهما كان الفراغ أطول من اللازم، إلاّ أنه يظل أفضل بكثير من «عهد جنهم».