كتب عوني الكعكي:
لقد طفح الكيل... هذا ما أراد نائب أمير دولة الكويت وولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح قوله، وهو يتحدّث في افتتاح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي السابع عشر لمجلس الأمة... وقال: الجميع شركاء في تحمّل المسؤولية وعملية البناء والإصلاح، شعباً وأسرة حاكمة، كلّ من موقعه ومركزه وعمله.
أضاف ولي العهد: على المواطن الكويتي مسؤولية متابعة ومساءلة ومحاسبة النواب بعد انتخابهم..
ودعا المجلس إلى الترفّع عن المزايدة ورفع الجلسات قبل موعدها وارتفاع أصوات تخرج عن أدب الحوار.. مؤكداً ان السلطة التنفيذية تقع عليها مسؤولية النزول الى القاعدة وتلمّس حاجات المواطنين...
وَلأعُدْ بالذاكرة الى الماضي فأقول: لقد حُلّ مجلس الأمة في الكويت عدّة مرّات منها: 1976 و1986.. لقد حلّ في المرة الاولى بشكل دستوري وتوقّف عن العمل وتعطّلت بعض مواد الدستور. وكان الحلّ الأوّل للمجلس عام 1976 في عهد المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح، وجاء نتيجة تراكم مشاريع القوانين وتأزّم الموقف بين الحكومة والمجلس.
فمنذ تشكيل مجلس الأمة لأوّل مرّة عام 1963 عقب الاستقلال وإعلان الدستور كان حلّ المجلس دائماً، إما بمرسوم أميري أو بقرارات قضائية، فبموجب المادة 102 من الدستور الصادر عام 1962 يجوز لأمير الكويت حلّ البرلمان في حال عدم التعاون مع الحكومة أو العكس.
مجلس الأمة الكويتي حُل في المرة الثانية -كما أشرنا- عام 1986. ففي 3 تموز صدر قرار أميري بحلّ مجلس الأمة السادس المنتخب عام 1985. وكان السبب المواجهات التي حدثت بينه وبين الحكومة بسبب أزمة المناخ.
الحلّ الثالث لمجلس الأمة الكويتي كان عام 1999، وكان الحلّ دستورياً لأوّل مرّة، وتمحورت الأسباب حول التعسّف في استعمال الأدوات الدستورية من قِبَل أعضاء المجلس، ثم أجريت انتخابات جديدة يوم 17 تموز عام 1999.
الحل الرابع كان عام 2006، حين أصدر المرحوم الشيخ صباح الأحمد الصباح يوم 29 حزيران مرسوماً بحل مجلس الامة.
الحلّ الخامس كان عام 2008 حين أصدر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في 19 آذار مرسوماً بحلّ مجلس الأمة وتنظيم انتخابات جديدة مبكرة في 17 أيار. وجاء القرار الأميري بعد يومين من استقالة الحكومة برئاسة ناصر المحمد الصباح.
ثم حُلّ المجلس في المرة السادسة بتاريخ 18 آذار عام 2009.
في المرّة السابعة حُلّ المجلس بقرار من الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في 6 كانون الأول عام 2011. وجاء القرار بعد صدور أمر أميري بتعيين جابر مبارك أحمد الصباح رئيساً لمجلس الوزراء.
الحل الثامن كان عام 2012 حين أصدر الشيخ صباح الأحمد الصباح يوم 7 تشرين الأول مرسوماً حلّ فيه المجلس الذي انتخب عام 2009.
الحلّ التاسع كان عام 2013 وقد جاء بقرار من المحكمة الدستورية في الكويت حين قضت بحلّ مجلس الأمة المنتخب في كانون الأول عام 2013.
عام 2016 أصدر أمير الكويت يومذاك صباح الأحمد الجابر الصباح في 16 تشرين الاول مرسوماً قضى بحلّ مجلس الأمة للمرة العاشرة في تاريخ الكويت.
إنّ هذا المسلسل من الصراعات بين المجلس والحكومة... أَمْلَى على وليّ العهد، توجيه هذا التهديد للمجلس وللحكومة في الوقت نفسه... وهو يعني ما يقول... فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى كما يقولون... ولم يَعُدْ بالإمكان ترك الأمور من دون حلّ جذري للأزمة... متمنّين أن لا يكون آخر الدواء الكيّ... ولن يُسْمَحَ للحال هذه أن تصبح مبدأ أساسياً وعادة متبعة في وطن يؤمن بالديموقراطية والحرّية.
لقد استاء ولي العهد من هذا الصراع.. وبخاصة أنّ الكويت معروفة منذ تاريخ المسيرة البرلمانية بأنّ روح الديموقراطية الأصيلة والمتجذّرة في المجتمع الكويتي هي السائدة... وقد انعكست على السلوك الذي يحكم الروابط والعلاقات بين الحاكم والمواطنين منذ نشأة الكويت، حيث كانت العلاقة بين القيادة وأبناء الشعب علاقة الأسرة الواحدة التي تحكمها قِيَم وأواصر عربية عريقة.
إنّ وليّ العهد، لم يُدْلِ بدلوه في هذا المجال، إلاّ بعد إحساس مؤثّر وعميق بأن الحال لم تَعُدْ تطاق... فالوطن أهم وأغلى من الجميع، وهو الأمل والرجاء.