هايد بارك

وسام الحسن .. فارسٌ لم يترجّل - خالد صالح

تم النشر في 19 تشرين الأول 2022 | 00:00

كتب خالد صالح:

عشر سنوات .. عقد كامل ومازال اسم "وسام الحسن" يهدرُ في الآذان كـ "الرعد" في حقول الصّمت، ويلمعُ في سماءِ الوطن كـ "البرق" في ليلة كالحة، عشرُ سنواتٍ على تلك الجريمة النكراء ويبقى اسم "وسام الحسن" منارة يهتدي بها كلّ من سارَ على خطاه، ومازال لبنان ينعمُ بقدر من الأمن من حصادِ ما زرعه ..

ليس بالأمر اليسير أن تختصرَ "الوسام" ببضعة سطور، أو بسردِ جملة من المواقف، خصوصًا لمن عايشه وعاصره، لأن التماسَ المباشر مع هكذا "قائد" يُعطيك مفهومًا مغايرًا للبُعدِ الوطني، وترى فيه مزايا فريدة، دائرتُها أوسع بكثير من مجرّد "ضابط" فذ على رأس جهاز أمني تفوق على نفسه في محطات مفصلية ..

عرفت "وسام الحسن" قامة نادرة وفريدة، تجتمعُ في أركانِ شخصيته صفات لا حصرَ لها، تواضعٌ أخّاذ واحترامٌ يفوق التعبير، دماثة أخلاقٍ وشهامة الفرسان، ديناميكية مذهلة في قبول الرأي الآخر متى كان صائبًا، محاورٌ فطن من الطراز الرفيع فيه من الذكاء الحاد ما يسلبُكَ لغتك ومخزونك، يُقنعك برأيه المبني على معطيات دامغة، يُتقن فنّ التعاطي مع القناعات بثبات لا يهتز، فقناعاته صلبة، راسخة، لا يحيدُ عنها قيد أنملة، وهي التي طبعت مسيرته وعلاقاته واتصالاته الواسعة ..

هو الرجلُ العصامي الفذ، وهو القائدُ المدرك لمعنى القيادة، اختصرَ بعلمه وأخلاقه وتربيته المسافات كلّها بينه وبين مرؤوسيه؟، وهو الذي أدركَ قيمة العلم على أنه السبيل الوحيد والنهج المستقيم لبناء جهاز أمني متقدم يخدم مصلحة الوطن أولًا وأخيرًا؟، لهذا أحاط نفسه بنخبة من رجالات الأمن ضباطا ورتباء وافراد، ممن يُقدّسون العلمَ ويبرعون فيه، فاستطاع في مدة وجيزة لا بل قياسية أن يحوّل "شعبة المعلومات" إلى خلية لا تهدأ وتعمل في كل الاتجاهات لتحقق الانجاز تلو الآخر ..

هادىء لدرجة أنه يستفزّك بهدوئه، شفافية تفوق التصوّر، متمكّنٌ ومتماسكٌ واضعًا "لبنان" نصب عينيه، يحملُ في قلبه "بذرة الوفاء" للرئيس الشهيد "رفيق الحريري" ولحامل رايته الرئيس "سعد الحريري"، البذرة التي أنبتت سبعُ سنابل في كلّ سنبلة مائة حبة، كان "الوسام" كبيرًا في طموحاته، رفيعًا في ممارساته، حكيمًا في قراراته، يقرأ أبعد من الممكن، ويحملُ بيده "ميزان التقدير"، فلكلّ أمرٍ قياساته لديه لأنها تنبع من رؤية وطنية ثاقبة، لا من زاوية شخصية ضيقة ..

أدرك "الوسام" أن إماطة اللثام عن زلزال 14 شباط 2005 جسرَ عبورٍ لاستقرار لبنان، فالمستهدف ليس بالعادي بل فيه من الاستثناء كل شيء، رؤيته ليست مستمدة من علاقته بـ "الرفيق الشهيد" إنما لأن جريمة بهذا الحجم قد تتسبّب في "نهاية حلم الرفيق" في وطن لكلّ أبنائه، وأن بقاءَ الفاعل مجهولًا سيترك لبنان في عين العاصفة، لهذا تيقّن أن معرفة من خطّط ونفّذ جريمة اغتيال الحلم باستقلال وسيادة لبنان، ستشكّل "درعًا" لحماية الاستقرار الداخلي ..

عَلِمَ "الوسام" ان معرفة الجناة من خلال "شعبة المعلومات" تحتاجُ الى الكثير من العلوم والتقنيات الحديثة، فلم يدخر جهدًا وقصد من أجل غايته كلّ الدول من الأشقاءِ والأصدقاءِ ليحمي لبنان ومعه نخبة من رفاقه، وكان لبنان يومها يودّع الشهيد تلو الشهيد من القادة السياسيين والاعلاميين وكان اغتيال الشهيد النابغة "الرائد وسام عيد" دلالة واضحة على أن مسيرة الحقيقة قد توصّلت إلى المجرمين الجناة ..

في التاسع عشر من تشرين الاول 2012، فاز "الوسام" بـ "شرف الشهادة"، وخسرناه جميعًا، خسره الوطن كلّه، وخسرته عائلته وقوى الأمن الداخلي قائدًا من خيرة ضباطها، جمع في شخصه كلّ صفات القادة العظام، تاركًا إرثًا زاخرًا من الإنجازات، ومدرسة عظيمة في تحدّي الصعوبات والتهديدات، وبصمات واضحة في مختلف المراكز القيادية التي شغلها وصولًا الى تأسيس "شعبة المعلومات" التي ماتزال تؤدي رسالتها التي أرادها لها، بأن تكون مبنية وفقا لهيكلية مؤسساتية معاصرة، وأسس تدريبية حديثة وتجهيزات فنية متطورة، فرفعها إلى مستوىً عالٍ من الكفاءة والمهنية والاحتراف، وما حققته من تفكيك شبكات التجسس وكشف معظم الشبكات الارهابية والعصابات الاجرامية المنظمة، ومن وضع استراتيجية واضحة لتحديث المؤسسة وتحويلها من تقليدية الى متطورة قادرة بفعلِ التقدّم العلمي والتكنولوجي، كان من نتاج هذه المدرسة الأمنية الرائدة ..

غابَ "وسام الحسن" لكن سيرتَه ستظلّ ماثلة أمامنا، سيرةُ رجلٍ أراد لهذا الوطن أن ينعمَ بـ "الأمن والأمان"، فدفع حياته في سبيل هذه الأمنية، أراد وطنًا تتحقق فيه العدالة .. وهي آتية لامحالة ..