هايد بارك

بيار الجميل .. شهيد "صُنع في لبنان" - خالد صالح

تم النشر في 20 تشرين الثاني 2022 | 00:00

كتب خالد صالح:

أحمل لكِ خبرًا سيئًا جدًا !!

فورًا ومن دون تفكير قالت : هل قُتِل بيار ؟ ..

كانت السيدة "جويس الجميل" عقيلة الرئيس الأسبق أمين الجميل ووالدة الشهيد بيار الجميل تُدرك في قرارة نفسها أن هذا الشاب المتوهّج والمقدام له مصير واحد من إثنين سيكتبهما التاريخ إلى الأبد، إما قائد ينقذ لبنان من معضلته الدائمة والمستمرة وإما الاستشهاد ..

قال لها الشهيد يومًا: "أعرف أنني عرضة للاغتيال، فأرجو أن يكون بالرصاص لا بالتفجير، كي تتمكني من أن تغمري جثتي"، فهو منذ أن أطلق شعاره الكبير " صُنع في لبنان" لم يكن يعني حصرًا الصناعة اللبنانية التقليدية، بل كان ينظر أبعد من هذا بكثير، كان يرى في هذا الشعار "مظلة" واسعة تنضوي تحتها كل العناوين الكبرى التي تعني لبنان ..

"صُنع في لبنان" القرار ١٧٠١ الذي أوقف "عدوان تموز" الغاشم بعدما قادت الحكومة اللبنانية ومن ضمنها الوزير الشهيد مفاوضات عظيمة وشاقة ووضعت إطارًا للقرار بشكل اعتبره رئيس وزراء العدو "أولمرت" نصرًا للبنان، وقال عنها الرئيس نبيه بري "حكومة المقاومة السياسية" ..

"صُنع في لبنان" الإطار الكامل لـ "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان"، والشهيد "بيار" كان من أشدّ المتحمسين لها والمدافعين عنها، لانه كان يؤمن أن "العدالة اللبنانية" منقوصة ومقيّدة ولن يكون بوسعها إماطة اللثام عن جريمة العصر بحجم جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا الأمر كان السبب في استقالة الوزراء الشيعة الخمسة من الحكومة في ١١ تشرين الثاني ٢٠٠٦ قبل اغتياله الشهيد بيار بعشرة أيام ..

كانت الاستقالة تستهدف اسقاط "حكومة المقاومة السياسة" لاسيما بعد مواقفها الوطنية وإصرارها على امتلاك القرار السياسي، ولحقت استقالة الوزراء الشيعة استقالة الوزير يعقوب الصراف، إذ أن الاستقالة المعلقة للوزير حسن السبع آنذاك تضع الحكومة على مشارف السقوط باستقالة اكثر من ثلث أعضائها إذ باتت بحاجة إلى استقالة وزير واحد ..

كان الاغتيال مدروسا "سياسيا" بدقة بالغة، أكثر بكثير من دراسته "تنفيذيا"، وفي جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بعد الاغتيال مباشرة عاد الوزير حسن السبع ليشارك في جلسات الحكومة، فلم تسقط الحكومة ولم يؤدِ الاغتيال للأهداف المرسومة له إلا في خسارتنا لقائد "صُنع في لبنان" وهو من رموز شباب ثورة الأرز ..

"صُنع في لبنان" القدرة على المواجهة مهما كانت المحاذير، فالشهيد "بيار الجميل" لم يحمل مسدسًا في حياته، لكنه كان خائفا من "موت معد سلفًا" كما في رواية "ماركيز" إن الهدف في الموت السياسي هو القتل الجماعي لا الفردي، فالبرودة التي استخدمها الجناة في تنفيذ الاغتيال في وضح النهار ووسط الشارع، هدفها "أدلجة" العقول المتمردة وترويضها وانتزاع مفاهيم "الرفض" لفائض القوة ..

أتى اغتيال "بيار الجميل" عشية الاستقلال، الاستقلال الحقيقي المبتغى الذي أراده مع رفاقه في ثورة الارز التي أثمرت التحرر من هيمنة الوصاية السورية، كان مؤمنا بالوطن والوطنية والتحرر من الطائفية المقيتة، لذلك عندما علم الرئيس سعد الحريري بنبأ الاغتيال وهو على منبر قصر قريطم يوجه للبنانيين التهنئة بالاستقلال، ضرب بيده على الطاولة أمامه وقال : "قتلوا العزيز .. قتلوا بيار الجميل" ..

كنا ومازلنا وسنبقى نؤمن بما سعى إليه الشهيد بيار الجميل أن نثق بقدراتنا على الصعد كافة، أن يكون بمقدورنا "صناعة" القرار السليم لبناء وطن لجميع أبنائه، فلا شيء ينقصنا سوى الإيمان بأنفسنا وبطاقاتنا وبوطننا "الرسالة" .. ولهذا شكّل شعار "صنع في لبنان" صرخة مدوية كانت أقوى من "كواتم الصوت" ..

أرادت "جويس الجميل" أن تحافظ على نقاء الدماء الزكية التي أريقت على "مذبح الوطن" فاتصلت بعائلات زعماء القتل لتطلب منهم عدم المجيء لتقديم التعزية وقالت لهم: "حضوركم إهانة لروح بيار" ..