هايد بارك

من رفيق إلى سعد.. "ما حدا أكبر من بلدو" -ربيع ياسين

تم النشر في 13 شباط 2023 | 00:00

كتب ربيع ياسين:

يطل الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما جرت العادة من عليائه في ذكرى استشهاده في الرّابع عشر من شباط/فبراير ليلقي التحية على اللبنانيين عمومًا وعلى محبيه خصوصًا، الذين سيزحفون من المناطق اللبنانية كافة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم للوقوف على ضريحه وللصّلاة على روحه.

 

فدمعة الرّئيس الشهيد لن تفارق إطلالته هذا العام إلى جانب رفاقه الشهداء في ثورة الأرز الذين رسموا بدمائهم استقلال لبنان الثاني. كيف لا وهو يرى من عليائه ما الذي حصل بلبنان بعد استشهاده.

 

فبيروت التي صُنفت واحدة من أجمل وأرقى العواصم العربية في الحقبة الحريرية ها هي اليوم تعيش أسوأ أيامها على المستويات كافة.

 

فالشوارع التي أضاءها الرئيس الشهيد رفيق الحريري أُطفأت أنوارها وتحولت المدينة التي أحبها حتى الشهادة إلى مدينة تسكنها أشباح الفقر والحرمان، خصوصًا لناحية وسطها التجاري الذي بات يتجنبه كل لبناني مع ساعات المساء الأولى بعد أن كان يعج باللبنانيين المقيمين والمغتربين فضلاً عن السياح العرب والخليجيين والأجانب.

 

عيون الرئيس الشهيد ستذرف دمعًا وهو يرى مرفأ العاصمة الذي كان يُصنف كواحد من أهم المرافئ على حوض البحر المتوسط، يقف اليوم جثة هامدة على بحر من دماء الأبرياء الذين سقطوا في تفجيرٍ صُنف كأحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم.

 

يكمل الرئيس الشهيد نظراته بحسرة إلى المطار الذي سمي بعد استشهاده بمطار رفيق الحريري الدولي ليراه مظلمًا تعمّه الفوضى، وهنا يقف الرئيس الشهيد ليستذكر الحملة التي شُنت عليه أثناء قيادته مشروع توسعة المطار الذي اعتبره خصومه نوعًا من الجنون في تلك المرحلة.

 

يتابع الرئيس نظراته إلى بيروت فيرى مدينة كميل شمعون الرياضية التي افتتحها بنفسه بعد أن كان يشرف شخصيًا على بنائها، تقاوم الموت بعد الإهمال الذي لحق بها وتحولت من استاد رياضي إلى مخزن تستخدمه الدولة حسب حاجاتها.  

 

مدارس العاصمة المقفلة وجامعاتها المهملة خصوصًا الرسمية منها أدمت قلب الرئيس الشهيد وهو ينظر إليها، كيف لا! وهو الذي بذل قصارى جهده في بنائها ودعمها من جيبه الخاص، لأنه كان مدركًا أهميّة التعليم خصوصًا في فترة ما بعد الحرب.

 

دموع الرئيس الشهيد وهو يشاهد بيروت الجريحة والمكسورة لم تتوقف أبدا وهو ينظر إلى بنيتها التحتية التي ومنذ استشهاده لم تشهد أي تطور بل على العكس تمامًا، فقد تراجعت الخدمات في المدينة على الصعد كافة، وتحول لبنان من دولة رائدة تتسارع الدول إلى الاستثمار في مشاريعها إلى دولة فاشلة تستجدي المساعدات من هنا وهناك.

 

أما علاقة لبنان بأشقائه العرب والخليجيين فتلك غصة أخرى في قلب الرئيس الشهيد كيف لا! وهو الذي نسج أفضل العلاقات مع الدول كافة لمصلحة لبنان وسخّر علاقاته الشخصية خدمة لبلده، وهو الذي كان يجول العالم كي يؤمن له المساعدات والهبات والاستثمارات، وهو الذي أودعه كأمانة لدى أشقائه العرب الذين أولوه اهتمامًا خاصًا حتى بعد استشهاده. أما اليوم فقد تبدّلت هذه العلاقات بسبب إصرار فريق سياسي على تعكيرها خدمة لمشروع غريب عن لبنان واللبنانيين، هذا المشروع كان سببًا رئيسيًا في اغتياله في الرابع عشر من شباط/فبراير عام 2005.

 

حزن الرئيس الشهيد على لبنان وما أصابه لا يوازي أبدًا حزنه على واقع اللبنانيين المرير الذي سعى إلى مساعدتهم حتى قبل ترؤسه الحكومات ودخوله المعترك السياسي، وفتح مؤسساته الخيرية والاجتماعية خدمةً لهم ولعائلاتهم من الطوائف كافة حتى لُقب بـ "أبو الفقير"..

 

دموع الرئيس الشهيد التي لم تتوقف وهو ينظر إلى مآسي اللبنانيين والحالة التي وصلوا إليها، استمرّت حتى مع عودة الرئيس سعد الحريري (الموقتة) إلى لبنان بعد عامه الأول على تعليق مشاركته في الحياة السياسية العامة ووقوفه أمام ضريح والده الذي لم يغب عنه يومًا طيلة ثمانية عشر عامًا.

 

تلك الدموع التي تنهمر من عيون الرئيس الشهيد كأنها اعتذار منه إلى فلذة كبده الذي حمّله مسؤولية لا يقوى أحد على حملها، خصوصًا وأن الرئيس الشهيد لم يسع يومًا إلى توريث سياسي.

 

يدرك الرئيس الشهيد مدى الألم الذي يعتري الرئيس سعد الحريري اليوم خصوصًا بعد قراره تعليق عمله السياسي لأنه لم يعد قادرًا على الاستمرار بالنهج المُتبع وهو الذي ضحّى بكل ما يملك من إرث سياسي ومالي وشعبي خدمة للبنان ولحقن دماء اللبنانيين، وهو القائل:

" لو خيروني بين الدم وخروجي من السلطة لاخترت خروجي من السلطة"

 

ليقول له الرئيس الشهيد من عليائه: " يا سعد لو خيروني أن أعود إلى الحياة وأستشهد مجددًا في سبيل لبنان لفعلتها .. فما حدا أكبر من بلدو".