كتب أسعد حيدر

السيول و"الحرس" يغرقان إيران!

تم النشر في 27 آذار 2019 | 00:00

أغرقت  السيول الضخمة الناس والمنازل وعطلة "عيد النوروز " في إيران، فتحرك "الحرس الثوري" والجيش بعد احتجاجات المدنيين من تقاعس السلطات في نجدة المتضررين خصوصاً في مدينة شيراز كما بدا التحسب للسيول التي تهدد العاصمة طهران، خصوصاً وأنّ عدداً من السدود في وضع خطر بحيث يهدد انهيار أي واحد منها أو أكثر بكارثة ضخمة، ولذلك تم استنفار الشرطة وجميع الهيئات استعداداً لمواجهة هذا الخطر القائم.. مسارعة الحرس وقائده الجنرال محمد علي جعفري للمساهمة في التخفيف من أضرار السيول التي سقط خلالها حوالى عشرين قتيلاً، وضع الحرس في واجهة الحياة اليومية للإيرانيين وأكدت أنّ حضوره ليس فقط في الميادين العسكرية وإنما في كل مفاصل الحياة اليومية للإيرانيين وفي الوقت نفسه سارع مرشد الثورة آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني للتباري في توجيه التعليمات لنجدة المتضررين من المدنيين.. والجديد أنّ العديد من أئمة الجمعة في المدن والقرى المتضررة نزلوا إلى الشوارع ليشاركوا في طرف الوحول والمساعدة وكأنهم يقولون: نحن أيضا متواجدون معكم وليس فقط مشغولين في التباري على المواقع والسلطة وتقوية ودعم هذا الفريق ضد الآخر.





 





اختار المرشد الفترة التي تفصل نهاية العام الشمسي وبداية العام الجديد لتسمية حجة الإسلام إبراهيم رئيسي قاضياً للقضاة ليعطي بذلك رسالة للداخل قبل الخارج أنه ما زال يمسك بقوة بمفاصل السلطة وأنه لم يتخلَّ عن موقعه ودوره في تحضير خلافته بهدوء. والواقع أنّ خامنئي الذي أوصله الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني إلى منصب الولي الفقيه على أمل أن يكون "جسراً" لعبوره إلى القمة، أكد أنه سياسي ماهر ولاعب أمهر في إدارة لعبة السلطة بكفاءة العارف جداً بموازين القوى وفي اللعب على "الكراسي الموسيقية" للسلطة ببراعة جعلته يستهلك أربعة رؤساء جمهورية أمضى كل واحد منهم فترتين أي ثماني سنوات، باعتبار أنّ الرئيس حسن روحاني سيكمل فترته الثانية رغم كل المتاعب والحرتقات التي يواجهها يومياً من معسكر المتشددين وحتى من الإصلاحيين باعتبار أنه لم ينفذ وعوده الانتخابية وأكثر من سياسة المهادنة.





 





رغم السيول التي ضربت جزءاً مهماً من مصالح الايرانيين، فإنّ الحصار والمقاطعة من الولايات المتحدة الأميركية قد أرهقت كل الشعب الايراني.. لكن لا يبدو النظام بقيادة خامنئي غارقاً في هذا الهم لأنه كلما ازدادت الضغوط الخارجية شرعت وجوده وسياسته، فالنظام اعتاد منذ أربعين عاماً أن يستثمر التشدد الخارجي في تغذية سيطرته وإرساء قاعدة أساسية لوجوده المتشدد. ويرى سياسيون إيرانيون سابقون ومعارضون بهدوء أنّ المرشد خامنئي ومعه كامل جناح المحافظين المتشددين يستثمر بنجاح المواجهة اليومية مع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو لمصلحة بقائه وتصليب حضوره، علماً أنّ النظام منذ الأيام الأولى للإمام الخميني اعتمد دائماً العيش والاستقواء بالمواجهة مع الخارج وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية. وهو الآن يبالغ في عدائه للمملكة العربية السعودية حتى يثبت كم كانت استراتيجيته في الانخراط في الصراعات والحروب التي اجتاحت وتجتاح كلاً من العراق وسوريا واليمن ولبنان مثمرة ومنتجة في الدفاع عن البلاد.. علماً أنّ هذه الاستراتجية العسكرية في أساسها لم تكلف إيران سوى ألفي قتيل إيراني يضاف إليهم ألفان من "حزب الله" وعشرة آلاف من الأفغان والباكستانيين. ولذلك فإنّ منح الجنرال سليماني وسام "ذو الفقار" وهو أعلى الأوسمة ولم يسبق أن مُنح لأي ضابط إيراني منذ مطلع الثورة إنما هو لتأكيد الشكر لتنفيذه هذه الاستراتجية بكفاءة وليس لتصعيده درجة أخرى على سلّم السلطة.





   




إلى ذلك فإنّ خامنئي استثمر حتى نجاح جولة الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف في العراق مشدداً على القول في الداخل: من كان يتصوّر يوماً في إيران أن يتجوّل الرئيس الايراني بكل حرية في النجف وكربلاء وكأنهما في زيارة عائلية وليس زيارة رسمية على أعلى مستوى؟ 





هذا النجاح العظيم لم يحل دون الرسالة البليغة والمستقبلية التي وجّهها آية الله سيستاني باعتباره أكبر المراجع الشيعية، لكل الشيعة وتحديداً في العراق وإيران، في استقباله المميّز وبالطريقة التي ظهر فيها للمسؤولين الإيرانيين وتحديداً إلى خامنئي أنّ زمن ولاية الفقيه قد انتهى وكائناً من سيخلف خامنئي لن يكون الولي الفقيه وأنّ النجف سيبقى المقر الأعلى للمرجعية وليس في قم وطهران.





    




يبقى السؤال الكبير قائماً ويشكل اللغز الكبير: من سيخلف المرشد علي خامنئي في وقت لم يعد يوجد في محيط خامنئي رجل مثل رفسنجاني يستطيع اللعب بنجاح في توفير الخلافة لمن يجب أو لمن يستحقها؟ خامنئي ألغى الرقم الثاني في محيطه ويقال إنّ وفاة رفسنجاني الغامضة تشكل نهاية لأي مشاركة في القرار الخامنئي ولو وهو في الآخرة.. ولذلك كله فإنّ البعض لا يستبعد أن يكون المرشد قد وضع سرّه في رسالة مقفلة أو أنه سيقوم فعلاً وعلناً في تسمية خليفته الذي بالتأكيد لن يكون مثله ولا على مثاله، لأنّ الخريطة السياسية الإيرانية تغيّرت وسيزداد اختلافها في السنوات القادمة.. وإذا كانت الجمهورية الأولى في عهد الإمام الخميني قامت ونمت تحت "عمامته"، فإنّ الجمهورية الثانية نمت تحت "عباءة" خامنئي ورفسنجاني في مرحلة أولى، ثم في مرحلة ثانية تقدّم الحرس بخطى ثابتة ليتحوّل تدريجياً إلى شريك بالسلطة إلى درجة أنه تحت عمامة المرشد توجد قبعة الحرس. أما في المستقبل فإنّ مسار السلطة يسير باتجاه أن تكون قبعة الحرس على رأس النظام في حين تزيّنها عمامة المرشد مثل نجمة تشي غيفارا.