هايد بارك

نبيل العروبة.. وطبيبها؟! -محمود القيسي

تم النشر في 26 آذار 2023 | 01:00

كتب محمود القيسي:

صمتُ الموتِ هنا، ولاءٌ للصمت النبيل لرجال بقوا رجالا.. إنه صمت السأم الذي في صمت الحديقة يتغير بحياء: فيما صدى تراتيل الدّعاء - مألوف من جهات وآفاق… أن تصنع ذاتك بذاتك - أن تجعل من ذاتك موضوعًا - أن تعرف ذاتك بذاتك تلك هي حيوية الفكر، فالفكر يُنتج ذاته ويُثبتها حسب معرفته بذاته". لا أقول الفرد، ظاهرة فللفرد أهواء أخرى، ولكن أي أهواء مألوفة عُجنت فيه قبل أن يولد، إن أفعاله الظاهرة والباطنة هي التي جعلته يتجلّى في الحياة!

الدكتور نبيل الراعي، فتى العروبة في عمر المراهقة.. وطبيبها في عمر المقاومة والشباب… وأحد أركانها وابطالها وقادتها في كل الاعمار والمراحل النضالية.. صاحب صاحبه، ونبيل مدينته وطبيب فقراءها… عروبيا بطل حتى النخاع العظمي، و عروبيا بطل حتى النخاع الشوكي والرمق الأخير… عروبيا بطل يمد يدًا خضراء في بطن الأرض الحبلى لونًا للحرية وشكلًا للثورات… الثورات في كل شيء وكل شيء.. في محاربة الظلم ومحاربة الجهل ومحاربة الفقر والجوع والحرمان… "منتصبَ القامةِ يمشي.. مرفوع الهامة يمشي.. في كفه قصفة زيتونٍ وعلى كتفه نعشه.. وهو يمشي وهو يمشي.... قلبه قمرٌ أحمر قلبه بستان.. فيه فيه العوسج فيه الريحان.. شفتاه سماءٌ تمطر نارًا حينًا حبًا أحيان.... في كفه قصفة زيتونٍ، وعلى كتفه نعشه.. وهو يمشي وهو يمشي وهو يمشي"…. الدكتور نبيل، هو الرجل والطبيب النبيل الذي أعطي الدنيا والناس أكثر مما أخذ منها.

الأنسان المناضل والطبيب والحكيم المعتدل في أقواله والكبير الكبير في أعماله… لم يندم أبدًا هذا النبيل الحكيم على العطاء المتواصل من وقته وجهده وماله وصحته.. لم يندم أبدًا دكتور نبيل الراعي يومًا على العطاء ولم ينتظر يومًا المعاملة بالمثل.. كانت وما زالت مستشفى الراعي في صيدا العروبة مستشفى الفقراء - والفقراء حكايته وحبه الذي يبدا ولا ينتهي… كان لا يندم على نية صادقة منحها يومًا من الأيام لأحد لم يقدرها بل كانت مدينته تفتخر دائما به لإنه كان إنسانًا يحمل قلبًا من فولاذ في وجه اعداء بلاده وشعبه ومدينته… كان الدكتور (((النبيل))) والدكتور (((الراعي))) إنسانًا يحمل للفقراء والأهل والرفاق والأصحاب والناس قلبًا من ذهب. كان نبيل الراعي لطيف الكلمات يخلق الثقة من أول لقاء, كما كان هذا النبيل لطيف التفكير يحل كل صعوبة مهما كانت من أجل الناس, كان لطيف العطاء - العطاء الذي يخلق الاحترام ويخلق الحب والكرامة.

كان رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته من القادة الناجحين الحقيقين الذين إستطاعوا ان يخلقوا جيلاً ناجحاً يستطيع إكمال المسيرة عندما يرحلون ويرون إمتداد نجاحهم فيهم, وليس من نجحوا لأنهم احتكروا كل شيء لأنفسهم وكانوا أنانيين لم يُردون أن يعلموا غيرهم , لذلك تراهم متمسكين بمناصبهم لأبعد الحدود, لأنهم يعلمون بأن نجاحهم سوف يزول حال رحيلهم. كان رفيق رفاقه على الحلوة والمرة.. كان يحب مدينته دون مقابل.. كان هو المقابل الذي يقدم الغالي والنفيس من ما يملك ولا يملك… كانت روحه ما يملك وروحه ما لا يملك.. كان صاحب صاحبه الذي سبقه إلى دنيا الحق كي يستقبله على باب المنتهى حبيبًا إلى حبيب. كان الاخ والصاحب الوفي في الشدائد وحين يجد الجد كان أصلب من الحديد.

الأشياء البسيطة كما كان يردد دائمًا الدكتور راعي هي التي تعطي قيمة للأشياء العظيمة فالرقم واحد مثلاً عندما تضع صفراً إلى يمينه يصبح عشرة وتزداد قيمته بزيادة عدد الأصفار، وكل ذلك مشروط بوضع الصفر في مكانه الصحيح. كذلك الحال مع البشر فالقائد العظيم لن يستطيع أن يفعل شيئاً ما لم يقف الشعب إلى جانبه للنهوض بالمجتمع ونصرة الحق. وغير ذلك سوف يبقى القائد واحد والشعب كالأصفار إلى يساره. كان من أولئك ممن يموتون .... حين يحبون… الحب بالنسبة أليه يأتي دون سبب… ليس هناك قيود له. ولا يأتي بمال… ولا يؤخذ بجمال...ولا يقاس بعمر… هو قدر... قدر الرجال الرجال.. الأبطال الأبطال… الحكماء الحكماء…. كان رجل من بلادنا.. كان بطل من بلادنا.. كان قائد من بلادنا.. كان حكيم من بلادنا.. كان الدكتور الأنسان.. الدكتور النبيل.. الدكتور الراعي…. الحبيب نبيل الراعي.

رحل النبيل، الدكتور نبيل الراعي، تاركاً لنا حياةً حافلة بالإنسانية وخدمة الناس، وتاريخاً مشرفاً في حب الوطن وصيدا‬⁩ والجنوب، والنضال من أجل القضية الفلسطينية، وبصمات بيضاء في ميادين السياسة والثقافة والرياضة. أحر التعازي إلى عائلته ومحبيه. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.